حرائق جبال القدس: ما الذي تقوله عن الاحتلال؟

تاريخ الإضافة الخميس 19 آب 2021 - 4:17 م    عدد الزيارات 1193    التعليقات 0    القسم أبرز الأخبار، شؤون مدينة القدس، تقرير وتحقيق

        


موقع مدينة القدس l على مدى ثلاثة أيام، التهمت حرائق ضخمة أكثر من 25 ألف دونم من جبال القدس في الشطر الغربي من المدينة المحتلة، وأجبرت الحرائق التي بدأت الأحد 2021/8/15 سلطات الاحتلال على إجلاء المستوطنين من ست مستوطنات وصلت إليها النيران، فيما غطّت أعمدة الدخان سماء المسجد الأقصى وبيت لحم ورام الله وشوهدت أعمدة الدخان الممتدة من غرب القدس في عددٍ من المحافظات الأردنية.

 

تشكّل الحرائق جزءًا من انعكاسات الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الأرض، وفي بعض الأحيان لا يمكن استبعاد فرضيّة أنّها مفتعلة، لكن لا يمكن فصل الحرائق التي تضرب الأراضي الفلسطينية المحتلّة عن "السياسة البيئية" للاحتلال التي خلّفت ضررًا كبيرًا على البيئة في فلسطين، وخلخلت توازنها، لا سيّما على مستوى الثروة المائية والحرجية.

 

وقد لعب "الصندوق القومي اليهودي"، وهو أحد مخرجات المؤتمر الصهيوني الخامس المنعقد عام 1901، دورًا كبيرًا في حملات "تشجير" فلسطين الهادفة إلى ترسيخ الاحتلال على مدى السنوات اللاحقة، وسط مزاعم القائمين عليها أنّها مدفوعة باعتبارات بيئية.

 

حرب "الشجرة اليهودية" ضدّ "الشجرة العربية"

 

في عام 1908، انطلق أول مشروع كبير لـ "الصندوق القومي اليهودي"، وتقرّر إقامة حقل زيتون على 220 هكتارًا اشتراها "الصندوق" بالقرب من اللد، ليكون الحقل تكريمًا لمؤسسة الصهيونية ثيودور هرتزل. وبالفعل، زرع الحقلَ عمالٌ عرب يعيشون في المنطقة، ما أثار غضب اليهود الذين أصروا على تشغيل اليد العاملة اليهودية في "أرضهم". ونظرًا إلى أنّ الزيتون شجر فلسطيني يخالف تصورات اليهود حول حقل أنشئ لتكريم هرتزل، نزع العمال اليهود الشجيرات التي زرعها العرب وزرعوا مكانها أشجار صنوبر.

 

وقد توجّه "الصندوق" لزراعة أشجار الكينا التي تستهلك كمّيات كبيرة من المياه، والصنوبر الذي يمكن أن ينمو في بيئة جافة ويساعد على انتشار الحرائق. ليغيّب في المقابل زراعة الأشجار الملائمة لطبيعة فلسطين، ومنها البلوط والخرّوب.

 

ويشير الباحث عمر عاصي في مقال بعنوان "النكبة البيئية.. نكبتنا التي لا نعرفها"، إلى أنّ أكواز الصنوبر أشبه بـ "جرة نفط" موقوتة في أوقات الحرائق، ومع أرضية غابات الصنوبر المليئة بالأغصان اليابسة تصبح هذه الغابات أرضية خصبة لاندلاع الحرائق، بخاصة عندما تبدأ أكواز الصنوبر بالقفز من مكان لآخر ونشر النيران في كل مكان. أمّا شجرة البلوط فهي من الأشجار المُقاومة للحرائق" وذلك بفضل قشرتها السميكة والمميزة.

 

المؤرّخ جوني منصور: حرائق القدس كشفت عن جانب من المشروع الاستعماري

 

قال المؤرخ الفلسطيني جوني منصور إنّه بعد إخماد الحرائق في عدد من جبال القدس انكشف منظر لم يتوقّعه أحد وهو المدرجات الزراعية (أو الرباعات كما يسميها فلسطينيو الشمال) التي نظمها الفلاح الفلسطيني على مدى عقود طويلة. وفي منشور له على صفحته على فيسبوك في 2021/8/17، كتب منصور أنّ بعض الباحثين يؤكّد أنّ هذه المدرجات بشكلها المكتشف عمرها 400 عام، وإن كان يعتقد أنّ عمرها أكبر من ذلك بكثير، وهي نتيجة جهد وعرق ودم الفلاح الفلسطيني ليحافظ على أرضه وتربتها، ويعتاش منها.

 

وبيّن منصور أنّ المشروع الصهيوني الاحتلالي والاقتلاعي قام عبر مؤسساته الكولونيالية بتشجير مساحات شاسعة من هذه الجبال وغيرها لإخفاء تضاريس المنطقة ومعالمها وإبادة ما فعلته وكوّنته أيدي الفلاحين. ففي أعقاب عمليات التشجير والتحريج التي قام بها "الصندوق القومي اليهودي"، تمّ إخفاء كلّ ما هو فلسطيني عمره عشرة آلاف سنة لمصلحة كل ما يوحي بصهيونية ويهودية المكان.

 

ونتيجة العقلية الكولونيالية الأوروبية التي كونت الصهيونية، فإنّ مشروعها اعتمد أيضًا على نقل "المكان" الأوروبي إلى فلسطين ليحظى المستوطنون براحة شبيهة بتلك التي عاشوها في أوروبا، وفق المنشور.

 

ولفت منصور المتجولين في فلسطين إلى أنّ مثل هذه الأحراش نجدها في مواقع أخرى تخفي قرى ومزارع فلسطينية هدمتها "إسرائيل" عام 1948 بعد تهجير أصحابها سكان وأصحاب البلاد وزرعت مكانها وعليها أشجار الصنوبر الأوروبي، كأراضي معلول وسحماتا وغيرها، إذ تمّ إخفاء القريتين ويمكن ملاحظتهما بصعوبة.

 

وختم منصور بالقول إنّ النار التهمت بعضًا من جبال القدس وكشفت عن جانب من المشروع الاستعماري الصهيوني وكشفت الحقيقة الجغرافية- التاريخية... فهل من نار أخرى تكشف أحوالاً أخرى؟

 

 

-------------------------------------------------------

لقراءة المزيد حول الموضوع:

  • “تزهير الصحراء” - كيف اعتمد الاستعمار الصهيوني على زراعة الأشجار؟  موقع أوريان 21
  • النكبة البيئية.. نكبتنا التي لا نعرفها  مجلة آفاق البيئة والتنمية 
  • كيف ابتلعت غاباتُ "إسرائيل" أراضينا المُهجَّرة؟ موقع متراس 

 

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »