تقرير "العفو الدولية": غضب إسرائيلي وترحيب فلسطيني.. ودعوات لأوسع استفادة رسمية وشعبية منه
الخميس 3 شباط 2022 - 6:36 م 952 0 جرائم الاحتلال، تقرير وتحقيق |
موقع مدينة القدس | أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا يوثق انتهاكات الاحتلال بحقّ الفلسطينيين، مبينًا كيف تفرض دولة الاحتلال نظام اضطهاد وهيمنة على الشعب الفلسطيني أينما تملك السيطرة على حقوقه، وهذا يشمل الفلسطينيين المقيمين في "إسرائيل" (الأراضي المحتلة عام 1948) والأراضي الفلسطينية المحتلة (عام 1967)، فضلاً عن اللاجئين النازحين في بلدان أخرى. وجاء الإعلان عن التقرير في مؤتمر عقد في شرق القدس في 2022/2/1.
وبهذا، تنضمّ العفو الدولية إلى كل من منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية وهيومن رايتس ووتش في اتهام دولة الاحتلال بممارسة نظام الفصل العنصري.
أثار التقرير "غضب" الإسرائيليين الذين استبقوا صدوره بمهاجمته، وتبنت الولايات المتحدة موقفًا رافضًا للتقرير، فيما رحب به الفلسطينيون في ظل دعوات إلى الاستفادة من معطياته لمحاسبة الاحتلال.
ماذا قال التقرير؟
يوثق التقرير الشامل بعنوان نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية كيف أن عمليات الاستيلاء الهائلة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل غير المشروعة، والنقل القسري، والقيود الشديدة على حرية التنقل، وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسية تشكل كلها أجزاءً من نظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي. ويتم الحفاظ على هذا النظام بفعل الانتهاكات التي تَبَيّن لمنظمة العفو الدولية أنها تشكل فصلاً عنصريًا وجريمة ضد الإنسانية كما هي مُعرّفة في نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (اتفاقية الفصل العنصري).
وقد وثّقت منظمة العفو الدولية أفعالاً مُحرّمة في اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي في المناطق كافة التي تسيطر عليها دولة الاحتلال، مع أنها تحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بصورة أكثر تكرارًا وعنفًا مما تحدث في أراضي الـ48. وتطبّق السلطات الإسرائيلية تدابير متعددة لحرمان الفلسطينيين عمدًا من حقوقهم وحرياتهم الأساسية، بما في ذلك قيود قاسية على حرية التنقل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والاستثمار الضئيل المزمن القائم على التمييز في المجتمعات الفلسطينية داخل إسرائيل، وحرمان اللاجئين من حق العودة. كما يوثّق التقرير النقل القسري، والاعتقال الإداري، والتعذيب، وأعمال القتل غير المشروعة في كل من "إسرائيل" والأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويشير التقرير إلى القتل غير المشروع للمتظاهرين الفلسطينيين كأوضح تعبير عن كيفية استخدام سلطات الاحتلال أفعالاً محظورة للحفاظ على الوضع الراهن. ويستحضر تظاهرات غزة عام 2018، التي خرجت لتنادي بحقّ عودة اللاجئين ووضع حد للحصار، واستبق كبار المسؤولين الإسرائيليين انطلاقها بالتحذير من أنّ قوات الاحتلال ستقتل الفلسطينيين الذين يقتربون من الجدار، وبنهاية عام 2019 كانت قوات الاحتلال قد قتلت 214 مدنيًا، من بينهم 46 طفلاً.
في عنوان آخر، يشير التقرير إلى نزع الملكية من الفلسطينيين وتهجيرهم من منازلهم كركنٍ مهم جدًا في نظام الفصل العنصري الإسرائيلي؛ فمنذ قيام دولة الاحتلال، فرضت عمليات استيلاء جماعية وقاسية على الأراضي ضد الفلسطينيين، وتواصل تطبيق عشرات القوانين والسياسات لإرغام الفلسطينيين على العيش في معازل صغيرة. ومنذ عام 1948، تهدم "إسرائيل" مئات الآلاف من منازل الفلسطينيين وغيرها من الممتلكات في المناطق كافة الخاضعة لولايتها القضائية وسيطرتها الفعلية.
كذلك، يسلط التقرير الضوء على الفلسطينيين في النقب، وفي الشطر الشرقي من القدس وفي المنطقة ج في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وترفض سلطات الاحتلال منحهم تراخيص بناء، ما يرغمهم على إنشاء مبانٍ غير قانونية تتعرض للهدم مرة تلو الأخرى.
وبالمقابل، يتحدث التقرير عن التوسّع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية في أراضي الـ67، مشيرًا إلى أنّ إنشاء هذه المستوطنات لا يزال سياسة حكومية منذ عام 1967.
ولا يغفل التقرير القيود القاسية التي يفرضها الاحتلال على حرية التنقل بالنسبة إلى الفلسطينيين، مبينًا أنّ نظام التصاريح الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعكس التمييز مجحف الصارخ الذي تمارسه "إسرائيل" ضد الفلسطينيين، وفي حين يُطبِق الحصار على الفلسطينيين، ويعلقون لساعات عند نقاط التفتيش، أو ينتظرون صدور تصريح آخر، يستطيع الإسرائيليون التّنقل كما يحلو لهم.
ويؤكد التقرير ضرورة مساءلة السلطات الإسرائيلية على ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيي، داعيًا إلى وضع حد للممارسة الوحشية المتمثلة بهدم المنازل وعمليات الإخلاء القسري كخطوة أولى، ومبينًا ضرورة إجراء تغيير هائل في مقاربة المجتمع الدولي لأزمة حقوق الإنسان في "إسرائيل" والأراضي الفلسطينية المحتلة.
دولة الاحتلال تهاجم التقرير.. وأمريكا تدعم موقفها
استبقت دولة الاحتلال صدور التقرير بوصفه بالكاذب وازدواجية المعايير، واتهم وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد منظمة العفو الدولية بمعاداة السامية، قائلاً، "أكره استخدام الحجة بأنه لو لم تكن إسرائيل دولة يهودية، فلن يتجرأ أحد في منظمة العفو الدولية على التحدث ضدّها، لكن في هذه الحالة لا يوجد احتمال آخر".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين في واشنطن في 2022/2/1: "نرفض الرأي القائل إن أفعال إسرائيل تشكل فصلاً عنصريًا. ولم تستخدم تقارير الوزارة مثل هذه المصطلحات مطلقًا". وأضاف: "نعتقد أن من المهم ألا يُحرم الشعب اليهودي من حقه في تقرير المصير خاصة وأن إسرائيل الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، ويجب علينا ضمان عدم تطبيق معايير مزدوجة".
مواقف فلسطينية مرحّبة
رحّب رئيس الوزراء محمد اشتية بتقرير منظمة العفو الدولية، ووصفه بأنّه "من أكثر التقارير الحقوقية الدولية مهنية، ومصداقية، وشفافية، وأنه يشكل وثيقة أممية على درجة عالية من الأهمية، تضاف إلى سلسلة التقارير الدولية التي حذرت من ممارسات وسياسات التمييز والاضطهاد والعنصرية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده".
وقال اشتية، في 2022/2/1، إنّ اعتماد التقرير على تقارير المنظمات الحقوقية غير الحكومية، الدولية، والفلسطينية، والإسرائيلية، ومطالبة جميع الدول بممارسة ولايتها القضائية العالمية، لتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري للعدالة، ومطالبة المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في جريمة الفصل العنصري، في تحقيقها الذي تجريه في الأراضي المحتلة، كل هذا يكسب تقرير المنظمة الدولية أهمية استثنائية، ويضع الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي، وجميع الدول والبرلمانات، ووسائل الإعلام في العالم، أمام مسؤولياتها لفضح نظام القهر والهيمنة الذي تفرضه "إسرائيل" على الشعب الفلسطيني، والذي أكد تقرير "العفو الدولية" أنه نظام فصل عنصري، وجريمة ضد الإنسانية على النحو المحدد في نظام روما الأساسي، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال الفصل العنصري.
كذلك، عبّرت وزارة الخارجية والمغتربين عن استغرابها مواقف بعض الدول التي أعلنت رفضها لتقرير منظمة العفو الدولية، وقالت في بيان في 2022/2/3، إن اختيار تلك الدول مواصلة الدفاع الدائم عن "إسرائيل" مهما ارتكبت من جرائم، رغم أن الأدلة دامغة والمعلومات والشهادات موثقة في التقرير، يوفر لها الحماية المطلقة من المساءلة والمحاسبة عن أي جريمة ترتكبها أو خرق للقانون الدولي تقترفه.
وأشارت الخارجية إلى أنّه على الرغم من تقارير المنظمات الدولية التي وثقت بمهنية وبشكل قانوني ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني من احتلال واستعمار استيطاني إحلالي ونظام فصل عنصري إسرائيلي، فإنّ سلطات الاحتلال تواصل ارتكاب مزيد من الجرائم ضد أبناء شعبنا وأرضه وممتلكاته ومقدساته، وتقوم بتعميق الاستيطان وتوسيع البؤر العشوائية وتجديدها ضاربة بعرض الحائط جميع تلك التقارير وتوصياتها ونتائج مخاطرها على ساحة الصراع.
وأشادت حركة حماس بالتقرير، وقالت إنّه "جزء أساسي ومفصلي في الجهود الدولية والقانونية الساعية إلى إنصاف شعبنا الفلسطيني الذي يواجه آخر احتلال عنصري بشع على وجه الأرض، في مسعى قانوني لرفع الظلم الإسرائيلي عنه".
القدس الدولية: حان الأوان لنزع الغطاء الدولي عن الصهيونية والاحتلال الصهيوني
قالت مؤسسة القدس الدولية إنّ هذا التقرير الصادر عن منظمة دولية، حجّة على الدول المهيمنة على القرار العالمي التي لطالما انحاز موقفها للاحتلال الصهيوني، وغطى جرائمه بالصمت حينًا وبالدعم والانحياز الأعمى أحيانًا كثيرة. ويجب أن يبقى في البال راسخًا أن إنشاء هذا الكيان الغاصب ظلمًا على أرض فلسطين، خطيئةٌ دولية مكنت للمطامع الاستعمارية، ولقد حان الأوان لوقف ذيول هذه الجريمة وتصحيح تبعاتها، وإعادة الحقوق إلى الشعب الفلسطيني.
وأشارت المؤسسة، في بيان صادر في 2022/2/2، إلى أنّ التقرير أضاء بالتفصيل على بشاعة البعد العنصري للاحتلال؛ والذي هو واحد من أبعادٍ أسوأ وأشد بشاعة؛ من قتلٍ وإبادة جماعية وتهجير ونهبٍ للأراضي والممتلكات وهدمٍ للبيوت وسجن وتعذيبٍ واعتقال دون محاكمة وعدوان على الحقوق والمقدسات ومنعٍ للعودة؛ وكل هذه الاعتداءات تزيد عن كونها مجرد عنصرية، وهي تستحق معاقبة الاحتلال ومجرميه، وتجعل مقاومة الاحتلال بكل أشكال المقاومة حقًا أصيلاً وطبيعياً في كل أرضٍ يتواجد عليها.
ولفتت المؤسسة إلى أنّ إعلان هذا التقرير من القدس المحتلة يؤكد بأن المجتمع الحقوقي لا يعترف بالإعلانات الأمريكية والصهيونية باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني؛ فها هي كبرى المنظمات الدولية الحقوقية غير الحكومية تعلن إدانتها للاحتلال وسلوكه من قلب القدس لتؤكد بأن وجوده في القدس احتلال لا شرعية له؛ وهي خطوة نثمنها من منظمة العفو الدولية.
وختمت المؤسسة بيانها بالقول إنّ مضامين التقرير من شأنها أن تعزز التوجه الشعبي الأوروبي والأمريكي المتزايد لإدانة الاحتلال الصهيوني، وعدم الصمت عن جرائمه، والتوقف عن الانحياز له ومشاركته في تلك الجرائم، وهو ما يفتح بابًا مهمًا لتصحيح الخطيئة الدولية التاريخية ضد فلسطين والشعب الفلسطيني، لا بد من الاستفادة القصوى منه رسميًا وشعبيًا لتثبيت توصيف المشروع الصهيونية بوصفها فكرة استعمارية إحلالية عنصرية لا يمكن أن يقبل العالم بها.