أرادوه فلسطينياً جديداً فأتاهم مقاوماً فلسطينياً جديداً



 علاء عبد الرؤوف - خاص لموقع مدينة القدس

بعد الفشل الذريع الذي ُمنيت به مخططات الاحتلال في القضاء على الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية عبر الصدام المباشر والأعمال العسكرية الإجرامية ضد الإنسان الفلسطيني، اتبع الاحتلال استراتيجيةً جديدةً تستهدف الفكر المقاوم الفلسطيني بطرق غير مباشرة وطويلة الأمد، معتمداً بذلك على مشورة حلفائه من الدول الغربية، وعمالة بعض الجهات الفلسطينية وسذاجة بعضها الآخر، ساعياً عن طريقها إلى ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية تحت مسميات براقة من تنمية واقتصاد وفن وواقعية.


كيث دايتون عراب المؤامرة
بدأ الجنرال الأمريكي والحليف الوفي للاحتلال بوضع خطة جديدة لضرب المقاومة، وتهيئة الأوضاع لإحداث تغييرات كبيرة في التركيبة الفكرية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني، حيث كان هدفه الأول كسر المقاومة في فلسطين، فعمد عن طريق شراء بعض الأزلام من الأمنيين الفلسطينيين، إلى تفكيك البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية أينما وجدت، ولعل انحسار دور الأجهزة الأمنية في قطاع غزة بعد عملية الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس عام 2007 أخسرت دايتون ساحة واسعة من الساحات المستهدفة في مؤامرته، فاضطر لتقليص خططه وتكريسها فيما بعد على الضفة الغربية والقدس.


عمل دايتون على تقوية الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وحرف عقيدتها للتحول إلى شرطي عند الاحتلال بزعم الحفاظ على السلام والمكتسبات الوطنية ، فانحرف دورها شيئاً فشيئاً لتصبح مطاردة المقاومين وضرب حركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الشغل الشاغل لتلك المؤسسات الأمنية.


ملايين من الدورلات أنفقت لدعم الأجهزة الأمنية التي نجحت نوعاً ما بقمع وإعاقة حركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث نجحت بحظر العمل العسكري في الضفة، فكان أبرز خسائر المقاومة الفلسطينية في ذلك الوقت هو حل كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح، وتصفية قياداتها الرافضة لسياسة التنسيق الأمني، بالإضافة إلى اعتقال المئات من كوادر وناشطي الحركات الفلسطينية المقاومة.

الاقتصاد إلى جانب القمع سبيل دايتون لإيجاد مجتمع جديد
عمل دايتون بالتنسيق مع الاحتلال، على إغداق الضفة الغربية بالأموال، إلى جانب بعض الإنجازات والمشاريع الاقتصادية في محاولة لإيجاد نموذج جديد لحياة الفلسطيني، الذي أصبح يوصف مرة بالفلسطيني الجديد ومرة بالفلسطيني الجيد، حيث أن الفلسطيني الجيد أو الجديد الذي أراده دايتون هو ذلك الفلسطيني الذي يؤمن بواقعية حياته تحت الاحتلال، ويعتقد بأن المال والحياة الرغيدة أهم من التحرير والحرية، وأن أي عمل مقاوم سيؤدي إلى ضرر كبير له ولعائلته، وقد يخسر مرتبه أو سيارته أو منحته الدراسية إن أيد أعمال المقاومة ضد الاحتلال.

فقد كانت خطة دايتون أوسع وأكثر بعداً من العمل العسكري فحسب، فقد أراد أن يحول الفكر الجمعي الفلسطيني من فكر مقاوم إلى فكر خانع راض ببعض الفتات والأموال تحت اسم الواقعية والتعايش والحفاظ على المكتسبات.

هويدي: وجود "دايتون" في الضفة ليس أمنياً فحسب
آن ذاك حذر العشرات من السياسيين الفلسطينيين والمفكرين العرب من خطورة مشاريع دايتون في فلسطين، ولعل أبرزها تصريحات المفكر فهمي هويدي، التي قال فيها محذراً من خطط دايتون

"إن مهام وطبيعة الدور الذي يقوم به الجنرال دايتون ليست أمنية ومهنية فقط ولكنها محاولة لإعادة تشكيل عقلية جيل معين من الشباب الذي له ظروف خاصة ولم يحصن سياسياً، ويتم استغلال حاجته المادية بحيث يتحول إلى محترف لا يعتبر (الإسرائيلي) عدواً ولا (إسرائيل) عدوة بل العكس يعتبر (إسرائيل) صديقة والمقاومة هي العدو".

واصفاً تلك الخطط "بأنها نوع من إعادة تشكيل يستهدف صياغة جيل جديد يتوافق مع المخططات الاستعمارية والصهيونية بالتعاون مع السلطة الفلسطينية".

مؤسسات المجتمع المدني، والسفر، والمخيمات عوضاً عن المقاومة!
لم يُسخر الاحتلال الأمن والاقتصاد فقط في سبيل تنفيذ استراتيجيته الجديدة، بل تعدى ذلك إلى أن يسخر التعليم والتدريب والعمل الأهلي أيضاً في سبيل أهدافه الماكرة، حيث أصبحت الضفة الغربية ساحة عمل لعشرات من مؤسسات المجتمع المدني الغربية، التي أتت متسترة بثوب التطوير والتدريب المجتمعي لخلق بيئة جديدة للشباب الفلسطيني بعيدة كل البعد عن المقاومة والتحرير.

السفر، المخيمات المشتركة، الحفلات الراقصة، عروض الأزياء، هي أبرز الأقنعة التي تسترت خلفها تلك المؤسسات، التي باتت تفتك في المجتمع الفلسطيني، حيث حاولت ربط الشباب الفلسطيني بنشاطات بعيدة كل البعد عن الشخصية الفلسطينية المقاومة، في محاولة تدريجية لحرف بوصلته الوطنية.
وللأسف وتحت غطاء من بعض الجهات الفلسطينية نجحت العديد من تلك المنظمات بإقامة العشرات من الأنشطة المشبوهة، التي شارك المستوطنون في العديد منها تحت مسمى التعايش والسلام.


فتارة تقام مباريات كرة القدم مع المستوطنين مثل أحد المخيمات التي أقيمت مطلع عام 2011 تحت مسمى " أطفال (اسرائيليون) وفلسطينيون يلعبون كرة القدم من أجل السلام"، وتارة أخرى يشارك وفد شبابي فلسطيني في مخيم مشترك مع مستوطنين، وتارة أخرى يشارك بعض الفلسطينيين في أنشطة لمستوطنين في القدس، كما حصل في إحدى فعالات منظمة "عداؤون بلا حدود" في القدس.


هل هو فلسطيني جديد أو مقاوم فلسطيني جديد؟
العديد من الأنشطة والمؤشرات التي باتت تؤرق المتابع لأوضاع أهلنا في الضفة الغربية، حيث بدى واضحاً من بعض الأنشطة التي أصبحت تقام في الضفة الغربية بشكل متكرر، من مهرجانات رقص، وعروض أزياء، ومسابقات الغناء، والحفلات المتعددة، أن هناك تغيراً حقيقاً قد حصل في البنية الاجتماعية في الضفة الغربية، شمل الملابس، ونمط الحياة، وظهور اهتمامات جديدة لشباب الضفة، خاصة مع تزايد الحديث عن الرغبة في السفر خارج فلسطين، بالإضافة إلى ظهور بعض الأصوات والكتاب الذين يدعون إلى ما سموه الواقعية والتعايش مع الاحتلال.
وبالرغم من لعب الاحتلال على العديد من الأوتار مستغلاً عملائه في الضفة من جهة، وحالة الانقسام السياسي من جهة أخرى، مسخراً إمكاناته المادية لإحداث تغيير في التركيبة الاجتماعية لأبناء الضفة، إلا أن أصالة الإنسان الفلسطيني، وامتداد جذوره الضاربة في هذه الأرض، وقفت حائلاً ضد نجاح تلك الخطط،

لكن ولادة المقاوم الفلسطيني الجديد تأخرت إلى أن أعلن شباب الضفة عن ولادة النموذج الجديد من المقاوم الفلسطيني بطريقة قلبت الطاولة على الاحتلال وحلفائه.

الشهيد مهند حلبي يعلن ولادة "المقاوم الفلسطيني الجديد"
بطريقة بطولية، أشبه بتلك التي نراها في أفلام المغامرات الأمريكية، أعلن الشاب الفلسطيني "مهند حلبي" ولادة المقاوم الفلسطيني الجديد، ففي أقدس البقاع في فلسطين قام الشاب بتنفيذ عملية طعن ضد قتل فيها مستوطنين وأصيب عدد آخر.

مهند لم يوجه طعناته ضد المستوطنين فحسب، بل وجهها قبل ذلك إلى خطط دايتون وأزلامه، معلناً فشل تلك الخطط الخبية، كاتباً بدمه الطاهر بيان إعلان ولادة المقاوم الجديد، مؤذناً بولادة الانتفاضة الثالثة، مؤكداً أن الوعي الجمعي الفلسطيني المقاوم أقوى من أن تمسحه أساطير السلام الاقتصادي والتعايش مع الاحتلال والتخويف من تكلفة مقاومته.

"المقاوم الجديد" خارج حساب الحقل والبيدر
استطاع "المقاومون الجدد" من الشباب العشرينين، من دون خبرات عسكرية، أو أوامر تنظيمية أن يهزوا عرش أكبر منظمومة أمنية وعسكرية في المنطقة، حيث شكلوا ظاهرة أربكت الاحتلال، وأزلامه في الضفة، فهم اليوم بالنسبة للاحتلال الشريحة ذاتها التي كان يستهدفها ويظن أنه نجح بتحييدها عن العمل المقاوم، شريحة من أكبر شرائح فلسطين عدداً وانتشاراً، تعمل بدهاء وفعالية، دون الاعتماد على العمل المقاوم الفلسطيني الكلاسيكي، حيث لا أوامر ولا خطط ولا مشاورات.

جميع ما سبق مكّن المقاوم الجديد من أن يكون خارج الحسبة السياسية للفصائل والسلطة الفلسطينية، فقراره غير المركزي جعل منه خارج حسبة الحقل والبيدر.

 فمن جهة لا يستطيع أحد أن يفاوض عليه لكي يحقق بعض المكتسباب الآنية، أو أن يسخر دمائه ليظهر نجاحه في التنسيق الأمني مع الاحتلال، ومن جهة أخرى لم يخضع المقاوم الجديد لحسابات فصائل المقاومة من تهدئة وحرب، وضغوطات سياسية وغيرها.

"المقاوم الجديد" الرقم الصعب الجديد في معادلة التحرير
عمليات نوعية أدت إلى انتشار حالة من الرعب في الشارع الصهيوني مشابه لتلك التي فرضتها المقاومة في غزة على المستوطنين خلال الحرب الأخيرة، حيث تشير الاحصائيات القادمة من الأراضي المحتلة إلى أن السلطات الأمنية للاحتلال تلقت أكثر من 25 ألف اتصال خاطئ للتبليغ عن عمليات طعن محتملة، في حين تشير احصائيات أخرى إلى أن (80%) من المستوطنين يفضلون البقاء في منازلهم خوفاً من الشباب الفلسطينيين، كما وصل الأمر إلى دعوات أطلقها مستوطنون تطالب بانسحاب الاحتلال من الجزء الشرقي لمدينة القدس.
لكن، ومن جهة أخرى دفع ذلك الخوف المستوطنين وجنود الاحتلال إلى الكشف عن حقيقتهم الدموية، حيث مارسوا أبشع صور الإجرام ضد أهلنا في محاولة لاستعادة بعض الهيبة التي داسها المقاومون الجدد بأحذيتهم.
فقامت قطعان الإرهابيين من جنود ومستوطنين صهاينة باستهداف المدنيين الفلسطينيين بعمليات إعدام، في محاولة منهم زرع الرعب في قلوب الفلسطينيين، حيث قاموا بقتل (43) فلسطينياً على الأقل بينهم (33) رجلاً و(9) أطفال.


إجرام لا يعكس إلا حجم الأزمة والخوف والارتباك الذي يهز المنظومة الأمنية للاحتلال بكافة أركانها بدأ من المستوطنين المسلحين، وليس انتهاءاً بقادة الشاباك الذين باتوا عاجزين عن وقف تلك انتفاضة الشباب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
هي مرحلة أخرى من مراحل التحرير الفلسطيني، يخطها شباب فلسطين بدمائهم، ممرغين أنوف الاحتلال وحلفائه بالتراب، مؤكدين أصالة هذا الشعب المبدع في مقاومته، المتجذر في أرضه.


فهنيئاً لنا ولادة المقاوم الفلسطيني الجديد وبؤساً لدايتون والاحتلال وأزلامهم، فهاهم "المقاومون الجدد" يشعلون انتفاضة ثالثة تقلب الطاولة على الاحتلال وأزلامه، وكما قال تعالى في كتابه العزيز "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً" صدق الله العظيم.
 

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »