نداء عاجل من الشيخ القرضاوي لقادة الأمة
السبت 7 آذار 2009 - 8:14 م 2804 0 أرشيف الأخبار |
"حقيقة ما يجري في حيّ البستان في القدس"
أصحاب الجلالة، والفخامة، والسموّ، والسيادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعــد،
تحية معطرة بأريج القدس،
إنه لمن دواعي سروري أن أبعث إليكم بتحياتي وأشواقي وتقديري الكبير للدور الذي تقومون به لخدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية وفي مقدمها قضية فلسطين وقلبها النابض القدس، ودعائي الخالص لكم أن يمتعكم الله بالصحة، ويديم عليكم نعمة العافية وأن ينعم على بلدكم بالرخاء والاستقرار.
نكتب لكم من "مؤسسة القدس الدولية"، وهي مؤسسة مدنية عربية وإسلامية ودولية، غايتها إنقاذ مدينة القدس والحفاظ على عروبتها وهويتها الحضارية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، والعمل على تثبيت وجود أهلها وتعزيز صمودهم ومواجهة وفضح الممارسات غير الإنسانية ومخططات تهويد المدينة المقدسة وكشف المؤامرة على مسجدها الأقصى، وحشد جهود الأمة من أجل تلك الغاية السامية.
منذ وقوع المدينة في الأسر الإسرائيلي عام 1967، تعرضت مدينة القدس زهرة المدائن، ودرة حواضر الدنيا، لاستراتيجية احتلالية تهويدية ممنهجة، هدفت لطمس هويتها العربية، والاستيلاء على مقدساتها الإسلامية والمسيحية، واقتلاع أهلها المنغرسين فيها، وإحلال المستوطنين الغرباء مكانهم. لكن أخطر حلقات هذه الاستراتيجية هو ما يحصل الآن في حي البستان الذي يسعى الاحتلال لإزالته تماماً بعقاراته الثمانية والثمانين وسكانه الألف وخمسمئة، وهذا هو أخطر ما يحصل للقدس منذ احتلالها عام 1967 وهدم حارة المغاربة الملاصقة للجدار الغربي للمسجد الأقصى.
إن هذه الخطوة تأتي لتحقيق هدفين شديدي الخطورة على المسجد الأقصى:
الأول: هو خلق مدينة يهودية مقدسةٍ موازية للبلدة القديمة بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، ومشتركةٍ معها في المركز ذاته، أي المسجد الأقصى، لتحقيق وجودٍ يهودي ثقافي وديني قسري فوق صدر هذه المدينة، وحي البستان الذي نتحدث عنه يقع أسفل الجبل الذي يتربع فوقه المسجد الأقصى، ويبعد عنه مسافةً لا تتجاوز خمسمائة متر.
الثاني: هو التفريغ السكاني للمدينة، ولمحيط المسجد الأقصى تحديداً من المقدسيين الذين يشكلون سياجه الحامي وحائط الدفاع الأول عنه، وهذه المنطقة إذا ما سقطت فإن جنوب المسجد وغربه سيصبحان منكشفين بشكلٍ شبه كامل للوجود الاستيطاني اليهودي.
أمام هذا التطور غير المسبوق في مدينتنا المقدسة، وأمام المسؤولية الشرعية والتاريخية والقومية الملقاة على كاهلكم من موقعكم في طليعة هذه الأمة، المؤتمنة على حماية القدس وسائر مقدساتها الإسلامية والمسيحية، فإننا نرجو من حضرتكم التحرك العاجل بكل ما تملكون من أدوات ووسائل دبلوماسية وسياسية عبر جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة، لتشكيل حالة ضغطٍ متنامية على دولة الاحتلال المتمادية في غطرستها واعتدائها، وإننا لنرجو أن تضعوا ثقل بلدكم الحبيب وعلاقاته المميزة على المستوى الإقليمي والدولي، للضغط على الدول الصديقة والحليفة لاتخاذ قرارٍ حازمٍ من تحركات الاحتلال تجاه حي البستان.
إن متابعتنا للأحداث في القدس تثبت أن الاحتلال لا يمكن أن يرتدع عن مخططاته التهويدية إلا إذا شعر أن هناك ثمناً باهظاً سيدفعه، وضغطاً غير محتملٍ سيقع تحته إذا ما فكر في الاعتداء على مقدساتنا وأهلنا في القدس، وإننا نعتقد أن ثني المحتل عن مخططه هذا أمرٌ يقع ضمن دائرة الممكن بالوسائل السياسية والدبلوماسية والقانونية إذا ما استخدمت لحدها الأقصى، وإننا نتطلع الى موقف وتحرك من حضرتكم، من رجل قدم ويقدم الكثير دفاعاً عن قضايا الأمة، ليكتب التاريخ وقفتكم المشرفة في أصعب الظروف وأقساها لمنع المحتل من السيطرة على القدس وطمس هويتها.
وتقبلوا مني خالص الشكر والتقدير، وخالص الدعاء لكم بالتوفيق والسداد.
الدكتور يوسف القرضاوي
رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية
المصدر: مؤسسة القدس الدولية - بيروت - الكاتب: Mahmoud