حال القدس 2015(1)
الثلاثاء 5 أيار 2015 - 3:18 م 46010 3714 حال القدس الفصلي |
الملخص التنفيذي
انقضى الربع الأول من عام 2015 على دعوات واستعدادات من قبل منظمات المعبد لاقتحام الأقصى بمناسبة الفصح اليهودي الذي يصادف أوائل نيسان/أبريل حيث نشر "ائتلاف منظمات المعبد" استمارة لاستطلاع آراء اليهود ممن يقتحمون الأقصى وما يتعرضون له من "مضايقات" سواء من شرطة الاحتلال التي تنظم/تتحكم بالدخول إلى الأقصى، أو من قبل المصلين المسلمين. كما أعلنت منظمة "طلاب من أجل المعبد" عن خطوات تصعيدية تحت عنوان " نستعيد جبل المعبد" لمأسسة الاقتحامات وذلك عبر تشكيل 4 طواقم قانونية، وبرلمانية، وإعلامية، وتثقيفية. ويشكل هذا النشاط على مستوى منظمات المعبد دليلاً على احتمالات تطور المرحلة القادمة التي تعقب انتخابات الكنيست العشرين وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نتنياهو.
إذًا، على مستوى التهويد الديني والثقافي فقد استمر استهداف الاحتلال للمسجد الأقصى عبر الاقتحامات التي تتواصل مع تصريحات ودعوات إلى تشريع صلاة اليهود في الأقصى والإسراع في بناء "المعبد". وفي ندوة عقدها مركز القدس للدراسات الإسرائيلية في 26/3/2015 بعنوان "الصراع على جبل المعبد" عرض المجتمعون للتحديات التي تهدد الأقصى مع التركيز على الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. وقدم البروفيسور يتسحاق رايتر عرضًا عن الصراع السياسي حول الأقصى حيث اقترح التقسيم الفعلي للمسجد على المستويين الزماني والمكاني، أو توسيع مساحة المسجد ومن بعدها تنفيذ التقسيم والطرح الثالث التقسيم العسكري للمسجد على شاكلة المسجد الإبراهيمي بالخليل حيث تفرض الشراكة بين المسلمين واليهود ويوضع المسجد تحت رقابة جيش الاحتلال.
وفي الإطار المتعلق بالتهويد الديموغرافي، وتحديدًا بالاستيطان، فقد كان من المقرر طرح مخطط لتوسعة مستوطنة "هار حوما" إلا أن وزارة الإسكان الإسرائيلية تلقت أوامر بوقف المضي قدمًا بالمخطط، كما قالت بلدية الاحتلال في القدس إنّ المخطّط ألغي من أجندة اللجنة المحلية للتخطيط التابعة لوزارة الداخلية، من دون أي معلومات حول وقت استئناف المخطط أو ما إذا كان سيتم استئنافه بالفعل. ويعتبر مخطط توسيع مستوطنة "هار حوما" من المشاريع الثابتة على أجندة الاحتلال وإن كان يُطرح ثم يسحب من التداول ويؤجل إلى أن تسنح الفرصة لتنفيذه، علمًا أن خلافًا دبلوماسيًا نشب بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" في أوائل التسعينات عند بدء البناء في المستوطنة من دون أن يمنع ذلك دولة الاحتلال من المضيّ في مخططاتها.
ويعتبر تجميد المخطط خطوة طبيعية في ضوء حاجة نتنياهو إلى عدم إذكاء التوتر في العلاقة مع البيت الأبيض. ولا شك في أن الخطوة لا تعني إخراج المخطط من دائرة مشاريع التّوسع الاستيطاني بل هي استكانة ريثما تتوافر الظروف المناسبة للسير بالمشروع، مع العلم أن اعتراضات البيت الأبيض على مشاريع الاستيطان أو على بدء البناء في مستوطنة "هار حوما" لم تمنع الاحتلال من المضي في سياساته.
وفي سياق التهويد الديموغرافي أيضًا، تعمل سلطات الاحتلال ضمن مخططات جدية على تهويد القدس بكلّيّتها تحت مسمّى "التطوير" و"التحسين"، ولذلك تأتي مخططاتها التي تلحظ شرق القدس مفصّلة على قياس المستوطنين ومكرّسة لخدمتهم لتعزز بقاءهم وتستقطب المزيد منهم. ويبقى المقدسيون الواقعون تحت الاحتلال خارج إطار هذه المخططات إلا بما يمكن أن يقوّض وجودهم في المدينة ويدفعهم إلى خارجها. وفي هذا الإطار، وافقت اللجنة المحلية للتخطيط والبناء في بلدية الاحتلال في القدس في شباط/فبراير 2015، على مخطط لإنشاء مكب للنّفايات في خراج القدس من النّاحية الشرقية. وتنصّ الخطة، التي أعدتها بلدية الاحتلال بالتعاون مع سلطة الأراضي الإسرائيلية، على ملء مجرى نهر وادي مملك (ويسميه الاحتلال "ناحل أوج") الذي يصب في البحر الميت بآلاف الأطنان من مخلفات البناء التي سيتم جلبها من مختلف أنحاء القدس على مدار السنوات العشرين القادمة، ويصار بعد ذلك إلى إنشاء حديقة فوق المكب بعد ملئه. وقد رفضت اللجنة كل الاعتراضات المقدمة من المتضررين من إنشاء المكب واعتبرت أنّ المكب" ضروري للتأمين البناء المتواصل في القدس وجوارها"، كما اعتبرت المخطط متوافقًا مع أنظمة حماية البيئة. وفي السياق البلدي أيضًا، أعلن رئيس بلدية الاحتلال أن الحكومة ستضخّ ما يقارب 770 مليون شيكل لدعم ميزانية القدس، حيث سيشمل مخططه زيادة كبيرة في الإنفاق على تطوير الأحياء والثّقافة والتّعليم والرّياضة والخدمات والنّقل والتّطوير الاقتصادي، أي تهويد القدس بشكل عام. وعلى الرغم من أن بلدية الاحتلال، بما هي إحدى أذرع الاحتلال، ملزمة وفق القانون الدولي بتأمين حاجات المدنيين الواقعين تحت الاحتلال إلا أنها تستمر في إهمال معالجة أزمة انقطاع المياه في الأحياء الواقعة خارج جدار الفصل العازل.
وإذ يتفاعل مشروع التهويد في القدس تبقى المواقف المتفاعلة مع تطورات المشهد في المدينة المحتلة ضعيفة وأسيرة الجمود. فقد سرّبت الغارديان البريطانية التقرير السنوي الداخلي لرؤساء البعثات الأوروبية العاملين في القدس ورام الله والذي يناقش في مقر الاتحاد الأوروبي في جنيف. وتضمن التقرير عرضًا للتطورات في القدس خلال عام 2014 وقدّم جملة من التوصيات، نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ودعت إلى تعزيز مكانة شرق القدس بالإضافة إلى تفعيل خطوة تحديد بضائع المستوطنات لإعطاء المستهلك في أوروبا خيار المقاطعة. وعلى الرغم من أن التّقارير السابقة للبعثات الدبلوماسية الأوروبية تضمنت نصوصًا متعلقة بالاستيطان إلا أن الاتّحاد الأوروبي لم يفعّل إلى الآن خطوات عملية في هذا الاتجاه، ما يجعل التوصيات فارغة من مضمونها ويثير التساؤل حول حقيقة موقف الاتحاد الأوروبي، مع العلم بأن بعض الشركات والصناديق الأوروبية قاطعت المستوطنات كخطوات أحادية تستلهم المسار العام الذي يحاول الاتحاد أن يقاربه لينسجم مع قواعد القانون الدولي. وسبق تسريب التقرير الأوروبي الكشف عن نية البيت الأبيض اتخاذ إجراءات عقابية بحق "إسرائيل" عبر تأييد مشروع يدين الاستيطان في مجلس الأمن وذلك على خلفية تصريح نتنياهو عشية الانتخابات أن حل الدولتين لم يعد صالحًا أو ممكن التطبيق، بالإضافة إلى تحريضه على الناخبين العرب يوم الانتخابات التشريعية ومحاولة استنهاض الناخبين اليهود عبر تخويفهم من زحف العرب إلى صناديق الانتخابات.
وبالحديث عن الانتخابات، فقد حرص المرشّحون لانتخابات الكنيست العشرين، التي جرت بشكل مبكّر في 17/3/2015، على استعادة الخطاب التقليدي حيال القدس لجهة أنها العاصمة الأبدية للدولة العبرية وأنها لن تقسّم وستبقى بقسميها الغربي والشرقي تحت السيادة الإسرائيلية. وكان لافتًا تسريب "وثيقة تنازلات" كشفت عن قبول نتنياهو، خلال مفاوضات جرت مع الفلسطينيين ما بين 2009 و2013، بجملة من التنازلات تتعلق بتبادل الأراضي وتقسيم القدس وعودة اللاجئين. إلا أن تسريب الوثيقة لم يكن له كبير أثر على توجّهات الناخبين الذين إما لم يعبأوا بالوثيقة أساسًا أو اقتنعوا بتعليق نتنياهو عليها حيث أكّد أنّه "يحافظ على موقف ثابت يرفض الانسحاب إلى حدود عام 1967 أو تقسيم القدس أو عودة اللاجئين".
على المستوى العربي استمر تآكل الموقف العربي كما تبدّى في القمة العربية العادية لجامعة الدول العربية المنعقدة في شرم الشيخ في آذار/مارس 2015 حيث تقدم الهم الأمني على ما سواه ووردت الإشارة إلى القضية الفلسطينية على قاعدة أنها بند ثابت لم يحن وقت "سقوطه سهوًا". أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فبدا خلال الكلمة التي ألقاها في اليوم الأول من القمة غائبًا عن التحديات والمخاطر التي تواجهها القدس، فكرّر دعوته أبناء الدول العربية إلى زيارة القدس والصلاة فيها "من دون أن يعني ذلك التّطبيع مع الاحتلال"، وفقًا لتعبيره. ويقدّم عباس زيارة القدس كحبل خلاص للمقدسيين وحل لمعاناتهم في القطاعات الاقتصادية كافة في وقت تغيب أيّ استراتيجية حقيقية داعمة للقدس بشكل فاعل وواقعي، وإن وجدت خطة، كالخطة الاستراتيجية للتنمية القطاعية في القدس الشرقية 2011-2013 والتي نشرتها وحدة القدس في ديوان الرئاسة عام 2010، فهي تعنى بالتنمية تحت الاحتلال وتتعامل معه كواقع ينبغي التأقلم معه من دون السعي إلى إنهائه.
وفي مقابل ذلك، وفي الوقت الذي يوغل الاحتلال في تهويد القدس والاعتداء على الأقصى كان الأردن يستعيد العلاقات الطيبة مع "إسرائيل" مع عودة السفير الأردني إلى "تل أبيب" التي كان غادرها في أواخر 2014 بسبب الاعتداءات على الأقصى وذلك على الرغم من استمرار الاعتداءات. كما وقّع الأردن و"إسرائيل" في 26/3/2015 اتفاقيّة للبدء بالمرحلة الأولى من مشروع ناقل البحرين الذي يقضي بربط البحرين الأحمر والميت بقناة وإقامة مجمع لتحلية المياه شمال مدينة العقبة الأردنية ضمن اتفاقية وصفها وزير التعاون الإقليمي، سيلفان شالوم، الذي وقع عن الجانب الإسرائيلي، بأنها أهم اتفاقية بين البلدين منذ توقيع اتفاق السلام عام 1994. وقد مضى الأردن في توقيع الاتفاقية على الرغم من المعارضة التي رافقت بدء الحديث عن هذا المشروع، بذريعة أنه الخيار الوحيد لتحقيق الأمن المائي.
وكانت وزارة التربيّة الأردنية عملت ما بين أيار/مايو وأيلول/سبتمبر 2014 على تعديل المناهج التعليمية واستبدال اسم "إسرائيل" بـ "فلسطين المحتلة" على الخرائط الرسمية التي تدرس للطلاب. وأثارت الخطوة معارضة أردنية باعتبارها انتهاكًا للقيم الدينية والوطنية التي تميز الهوية الأردنية وتقوّض استعداد الجيل القادم للدفاع عن فلسطين، فيما اعتبر الباحث الإسرائيلي عوفر فنتر أنه "وفقًا لرؤية المؤسّسة الرّسمية الأردنيّة على المدى الطّويل فإنّه من الممكن والمطلوب تطبيق إجراءات متدرّجة للحد من رمزيّة الصّراع مع إسرائيل حتى في ظل وضع سياسي لا يبدو في ظله أن تسوية الصراع تلوح في الأفق".