حال القدس (2) 2017
الأربعاء 19 تموز 2017 - 7:20 م 25758 2093 حال القدس الفصلي |
الملخّص التنفيذي
يستمرّ الاحتلال في استهداف المسجد الأقصى بشكل متصاعد ومن دون هوادة، لا سيما مع غياب موقف عربي وإسلامي واضح وحاسم تجاه الاعتداءات اليومية على المسجد وعملية التهويد التي بدأت باحتلال المسجد عام 1967 ولا تزال مستمرة وتتوسّع في محاولة من الاحتلال لفرض قواعده وإدخال المزيد من الخروقات على الوضع القائم التاريخي. وقد شهد الأقصى في مدة الرصد تصعيدًا في الاقتحامات بالتزامن مع الأعياد اليهودية، ومن ذلك على سبيل المثال وصول عدد المقتحمين على مدى أيام الفصح السبعة إلى ما يقارب 1600 مستوطن وذلك مقابل 1015 مستوطنًا اقتحموا الأقصى في الفصح الماضي. وإلى جانب الاقتحامات، تكررت حالات إغلاق الاحتلال المسجد بوجه المسلمين ومنعهم من دخوله أو الخروج منه كما يوم 29/6 بالتزامن مع اقتحامٍ قاده قائد شرطة الاحتلال في القدس يورام هليفي. وشهدت مدة الرصد كذلك عقد قران ناشطين من منظمات "المعبد" في الأقصى بحماية شرطة الاحتلال مع توثيق ذلك في مقطع فيديو انتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في ما يشبه دعوة إلى نشطاء "المعبد" لعقد قرانهم في الأقصى.
وفيما باب الاقتحامات والاعتداءات مشرّع أمام الاحتلال ومستوطنيه فإنّ السلطات الإسرائيلية لا تزال تلاحق المرابطين والمرابطات فتعتقل بعضهم للتحقيق في تهم متعلقة بالأقصى، أو تبعد البعض الآخر عن المسجد أو البلدة القديمة أو القدس كلها. وكان من حالات الإبعاد اللافتة في الأشهر الثلاثة الماضية حملة إبعاد جماعية حيث أصدرت سلطات الاحتلال في 9/4/2017 قرارات بإبعاد 23 مقدسيًا عن الأقصى لفترات تتراوح بين 15 يومًا وستة أشهر. وفي سياق مشابه، اعتقل "الشاباك" وشرطة الاحتلال 13 شابًا مقدسيًا بتهمة الانتماء إلى "تنظيم شباب الأقصى" وجّهت لوائح اتهام ضد عدد منهم فيما عدد آخر لا يزالون معتقلين من دون أيّ تهم واضحة وإن كانت التحقيقات تدور على خلفية تهم تتعلق بوجودهم ونشاطهم في الأقصى واهتمامهم بأخباره وأخبار الاقتحامات، والمسؤولية عن تنظيم الاعتكاف في الجامع القبلي في الاقتحامات التي شهدها المسجد في فترة الأعياد اليهودية.
وتوّج الاحتلال مسار اعتداءاته على الأقصى باجتماع الحكومة في أنفاق البراق في 28/5/2017 كجزء من الاحتفال بـمرور 50 عامًا على احتلال الشطر الشرقي للقدس أو ما يسميه الاحتلال "توحيد القدس". الاجتماع الذي تمخّضت عنه قرارات تهويدية لتنفيذها في القدس على مدى السنوات القادمة يعكس اتجاه الاحتلال إلى مزيد من الخروقات في الوضع القائم التاريخي وتكريس الحقائق على الأرض. لكن هذا الاجتماع، الذي مر من دون أي يثير أي موقف عربي أو إسلامي رافض له تزامن مع تصريح مدير عام أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى الشيخ عزام الخطيب حول إمكانية صلاة اليهود عند حائط البراق، ومن بعده بأيام تصريح القيادي في حركة فتح جبريل الرجوب للقناة الثانية العبرية بأنّ حائط البراق له مكانة وقدسية لدى الشعب اليهودي، ويجب أن يبقى تحت السيادة اليهودية.
وفي إطار التعليم، فإنّ الاحتلال يستهدف هذا القطاع كغيره من القطاعات الحياتيّة في المدينة المحتلة، وفي سياق هذا الاستهداف صادقت حكومة الاحتلال على خطة تتضمن عددًا من الإجراءات، تنفذ خلال خمس سنوات قادمة. وتعمل الخطة على زيادة عدد الصفوف التي تطبق المنهاج الإسرائيلي، واختار الاحتلال الصف الأول لكونه يشكل ابتداء المراحل التعليميّة، وتركز الخطة على مادتين أساسيتين هما اللغة الإنجليزيّة والرياضيات.
وإلى جانب هذا الإجراء، سيعمل الاحتلال على زيادة عدد الطلاب الذين يمكنهم الحصول على شهادة "البجروت" الإسرائيليّة، ويقدم الاحتلال مساعداتٍ سخية للمدارس التي تشاركه تنفيذ هذه الخطة، فإلى جانب الدعم المالي، ستتلقى هذه المدارس تمويلًا لزيادة حصص التدريس وتوسيع برامج التعليم وتحسين البنية التحتيّة فيها. وهي إجراءات يسعى من خلالها الاحتلال لفرض روايته المكذوبة، ويبعد التعليم في القدس عن أداء دوره الوطني.
هذا على مستوى التهويد الديني والثقافي، أما على مستوى التهويد الديمغرافي، فقد شهدت أشهر الرصد استمرارًا لسياسات الاحتلال الاستيطانية، واستكمالًا لثنائية الهدم والبناء، بوتيرة متفاوتة ولكن مستمرة، وعملت أذرع الاحتلال على إقرار تشريعاتٍ قانونية تهدف إلى تسريع خطوات هدم منازل الفلسطينيين وحرمان الفلسطيني من اللجوء للمحاكم أو تأجيل الهدم لفترات محددة، في مقابل مشاريع تهدف لتطبيق القوانين الإسرائيليّة على المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة في القدس والضفة الغربية، أو توسيع حدود القدس وضم عددٍ من المستوطنات حولها لتغيير تركيبة القدس السكانية لمصلحة اليهود.
واستفاد الاحتلال من الظرف الإقليمي، فقد شهدت مدّة الرصد مشاريع بناء وتنفيذ آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وهي خطوات ستنعكس على زيادة الوجود اليهودي في الميزان الديمغرافي للقدس المحتلة.
في ما يتعلق بالموقف السياسي والتفاعل مع القدس فإنّ أبرز ملامح الأشهر الثلاثة الماضية رسمها استمرار انتفاضة القدس بعمليات توزعت على مدى الأشهر الثلاثة الماضية في رفض واضح للاحتلال وسياساته التهويدية، ولاحتفالاته باستكمال احتلال القدس التي وزّعها ما بين الأراضي الفلسطينية المحتلة وفرنسا والولايات المتحدة لتكون رسائله عابرة للمنابر ولانتزاع اعتراف دولي بشرعية ما أنشأه على الأرض من وقائع ليست قانونية إلا في مخياله. وفي هذا السياق تأتي احتفالاته بمرور 50 عامًا على احتلال كامل القدس، أو ما يسمّيه تحرير القدس وتوحيدها، ليحاول تكريسها عاصمة له. ويمكن وضع الفعاليات التي أقيمت في المناسبة ضمن ثلاثة محاور رئيسة: واحد سياسي، وثانٍ ثقافي، وآخر متعلق بالضغط الذي يمارسه الاحتلال خصوصًا في الولايات المتحدة لضمان مواقف أمريكية داعمة ومتناغمة مع الموقف الإسرائيلي. وبالنّظر إلى الفعاليات التي أقامها الاحتلال من رفع الأعلام في القدس إلى الجلسة الخاصة التي عقدت في "الكنيست" أو تلك التي عقدتها الحكومة في أنفاق البراق والتصريحات التي أطلقت في المناسبة، أو فستان وزيرة الثقافة في مهرجان كان السينمائي، حتّى الفعالية التي أقامها "الكونغرس" بطلب إسرائيلي، يمكن ملاحظة هذا السعي الإسرائيلي المحموم إلى أن تقترن الإجراءات التهويدية على الأرض بما يجعلها حقائق ثابتة لا مجال للمطالبة بعكسها.
وإذ يتمسّك الاحتلال بتثبيت الحقائق على الأرض وبالاحتفال بـ "إنجازاته" يتمسّك الفلسطينيون بمقاومته والتصدي لسياساته حيث يتجلى ذلك في استمرار انتفاضة القدس والعمليات التي لم يفلح الاحتلال في إنهائها. فقد شهدت مدة الرصد 12 عملية إطلاق نار، و11 عملية طعن، وانفجار 21 عبوة ناسفة، وعمليتي دهس، بالإضافة إلى رشق سيارات المستوطنين بالحجارة، وإلقاء الزجاجات الحارقة، ضمن متوسط 380 نقطة مواجهة شهريًا. وكانت أبرز العمليات العملية المزدوجة التي نفذها ثلاثة شبان فلسطينيين من دير أبو مشعل بالضفة الغربية في القدس المحتلة في 16/6/2017، وتبرز أهميتها بشكل خاص في تمكن الشبان من الوصول إلى القدس، وفي سلاح الكارلو المستعمل إلى جانب السكين، على الرغم من الإجراءات الاستخباراتية والأمنية والعسكرية التي يفرضها الاحتلال منذ اندلاع انتفاضة القدس. وتعددت التصريحات الإسرائيلية حول انتفاضة القدس و"التدابير" التي يتخذها الاحتلال لمنع حصول عمليات، ويبدو أن التركيز الأكبر هو على العمل الاستخباري وتتبع حسابات الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي حيث قالت "هآرتس" في تقرير إن "الشاباك" طوّر، بالتعاون مع جهاز المخابرات، بنك معلومات يصنّف، أوتوماتيكيًا، منشورات الفلسطينيين وتعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد اعتقل "الشاباك" وجيش الاحتلال حوالي 400 فلسطيني بعد فحص عميق لمنشورات 2200 فلسطيني اتهموا بأن لديهم دوافع تشير إلى احتمال تنفيذهم عمليات فيما سلّمت أسماء 400 فلسطيني آخر إلى السلطة الفلسطينية فاعتقلتهم الأجهزة الأمنية وسلّمتهم إنذارات.
وعلى أيّ حال، يبدو أن الاحتلال خفض سقف تصريحاته فبات يتحدّث عن تقليص العمليات بعدما كانت تصريحاته وعودًا متواترة بإنهاء انتفاضة القدس والقضاء على جذوتها. يمكن القول إنّ استمرار العمليات يعبّر عن واقع إرادة المقاومة والنضال التي لم تهزم أو تنطفئ، والسلاح الذي لم يستكن، وإجراءات الاحتلال التي لم تنجح. وليس أدلّ على عدم قدرة الاحتلال على إنهاء انتفاضة القدس من تصريح القائد السابق لمنطقة القدس أرييه آميت عقب عملية وعد البراق حيث قال: "إنّ الشيء الوحيد الذي نجيد فعله هو الاستفادة من العمل الاستخباري، لكنّ الفلسطينيين هم من يتحكمون في وتيرة العمليات".