حال القدس 2016: تصاعد التهويد وتراجع التضامن
الأحد 16 نيسان 2017 - 2:46 م 32464 2121 حال القدس السنوي |
المقدمة
"عام الاستيطان وهدم البيوت واقتحامات الأقصى"...بهذه الكلمات القليلة يمكن أن نختصر مشهد القدس خلال عام 2016. في كلّ عنوان من هذه العناوين شهدت القدس اعتداءات لم تشهد مثلها منذ نحو 50 عامًا، تاريخ احتلالها بالكامل. شهوة الاحتلال لتسجيل أرقام قياسيّة في جُلّ مسارات تهويد القدس فرّغها على شكل مشاريع استيطانية وتهويدية غير مسبوقة، واعتداءات على الأقصى تتصدر مثيلاتها منذ احتلال المسجد عام 1967. لقد كان عام 2016 ميدان الاختبار الفعليّ لقدرة الاحتلال على فرض ما يريد في الأقصى، وتنفيذ ما يشاء من مشاريع تهويدية في القدس، وتحدّي أي قرارات من أي جهة كانت حتى لو كانت مجلس الأمن، ويبدو أنه نجح إلى حدٍّ بعيد في كلّ تلك الاختبارات، وهو بصدد تطوير أدائه ميدانيًّا بما يخدم رؤيته للقدس كعاصمة يهودية، وتطوير أدائه سياسيًّا بما يوجد له غطاء لتنفيذ ما يخطط له بالاستناد إلى الدعم الأمريكيّ المرتقب من قبل إدارة ترمب المتحمس لتصحيح خطأ سلفه أوباما المتهم بالتخلّي عن دولة الاحتلال، حليفة أمريكا، وطعنها في ظهرها رغم كل الدعم الذي قدمه أوباما أثناء حكمه. وليس الموقف الأمريكيّ وحده المعوّل عليه لدى الاحتلال لتشكيل غطاء لجرائمه في القدس، فثمّة رهان على تطوّر كبير في العلاقات التطبيعية مع العرب والمسلمين، ورهان على انفتاح أكبر على مساحات واسعة من التنسيق مع السلطة الفلسطينية عبر بوابة "التنسيق المدني" و"لجنة التواصل الاجتماعي". ولكنّ نجاح الاحتلال في التهويد ومحاولات فرض سيطرته على الأقصى لم ينسحب بصورة ترضيه على محاولاته لإخماد انتفاضة القدس التي اندلعت في تشرين أول/أكتوبر 2015، وبقيت شعلة الانتفاضة تقاوم ظلم الاحتلال رغم بعض التراجع الذي انتباها جرّاء انعدام الدعم العربيّ والإسلامي، وضعف أداء الفصائل والقوى الفلسطينية في القدس، وتكثيف الإجراءات الانتقامية التي نفّذها الاحتلال بحقّ بيئة الانتفاضة وحاضنتها ومنبعها، وجهد السلطة الفلسطينية لوقفها ومنع تمددها. وظلت هذه الانتفاضة خلال عام 2016 تنتظر من يستثمر إنجازاتها لكنّ غياب الرؤية السياسية الجامعة في البيت الفلسطيني ضيّع فرصة الانتفاضة.
لم تكن انتفاضة القدس الفرصة الوحيدة التي يضيّعها العرب والمسلمون، فثمّة أوراق رابحة أعادت للقدس بعض الاعتبار على مستوى المواقف الدوليّة لم تُستثمر بصورة مناسبة، ومن ذلك قرار اليونسكو في 18/10/2016، وقرار مجلس الأمن في 23/12/2016؛ وهو ما يعكس فقدان الرؤية والاستراتيجية المطلوبة لنصرة القدس وليس عقم الوسائل المقتصرة على الخطابات فقط.
يصعب على تقرير من صفحات قليلة بالمقارنة مع حجم الوقائع في القدس أن يحيط بكل تفاصيل المشهد في المدينة المحتلة، فزخم التهويد أكبر من أن ينحصر في تقرير أو كتاب؛ لأن آثاره تتبدّى في كلّ ناحية صوّبت وجهك نحوها في القدس. ولكنّ هذا التقرير محاولة متواضعة لوضع أبرز المعطيات والأرقام والإحصائيات المتعلقة بتطور التهويد والمواقف والأحداث في القدس خلال عام 2016 بين يدي صنّاع القرار، والمؤثرين، والإعلاميين، والباحثين، والعاملين للقدس، والمهتمين بشأنها عسى أن ينجح في رسم صورة لواقع الحال في المدينة المحتلة خلال العام المنصرم.
ميزة هذا التقرير أنه مكثف ومركز ودقيق فهو يُجري مقارنات ومقاربات بين المصادر المختلفة وعلى مدار أعوام وأشهر مختلفة، ويقدم مادة خالية من التفاصيل ليلبّي حاجة المختص المتعمق، والإعلامي الباحث عن مادة للإعداد، والمسؤول الذي يبحث عن رسم موقفه بدقة بالاستناد إلى معطيات موثقة. وهناك مصادر متعددة ومختلفة في معطياتها وقد اجتهدنا في التحليل والدراسة والمقارنة للوصول إلى نتائج دقيقة وموثقة.
هذا التقرير يتوجه إلى كلّ من يعنيهم أمر القدس ليتنبهوا إلى الخطورة الكبيرة التي تستهدف هويّة القدس، ومكانة الأقصى والمقدسات، والوجود الفلسطيني برمّته في المدينة المقدسة، وهو يقرع ناقوس الخطر بأنّ الوقت ليس لمصلحة القدس، وكلّ يومٍ يتأخر فيه الدعم الحقيقي للقدس والمقدسيين يتقدم فيه الاحتلال خطوات في طريق اقتلاعهم، وتحويل القدس إلى مدينة المستوطنين، وعاصمة يهودية للاحتلال.
هشام يعقوب
رئيس قسم الأبحاث والمعلومات