تقدير استراتيجي l فوز بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية وانعكاساته على القضية الفلسطينية
الأربعاء 18 تشرين الثاني 2020 - 4:53 م 2405 168 مختارات |
ملخص:
من المتوقّع أن تواصل السياسة الأمريكية في عهد بايدن، بعد استلامه للحكم، خطوطها العامة الرئيسية تجاه القضية الفلسطينية، مع بقاء الكيان الإسرائيلي حجر الزاوية في هذه السياسة. وربما خففت من الطريقة الفجة والضاغطة لترامب، غير أنها لن تتراجع عن نقل السفارة الأمريكية للقدس ولا عن الموقف من المستوطنات في الضفة؛ في الوقت الذي ستحاول فيه إعادة الحياة لمسار المفاوضات، وتقديم بعض المغريات للسلطة الفلسطينية لدفعها لذلك، ولتجميد تحرك قيادة فتح والسلطة باتجاه المصالحة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
وربما لن تكون الإدارة الأمريكية متسقة تماماً مع هوى نتنياهو واليمين الإسرائيلي، ولكنها ستحاول إدارة العلاقة بما ترى أنه يخدم المشروع الصهيوني بشكل أفضل. ومن المستبعد أن تسعى لإجبار “إسرائيل” على تنفيذ أمور ترفضها؛ بينما ستسعى لتوسيع دائرة التطبيع العربي والإسلامي مع الكيان الإسرائيلي.
وفي مثل هذه الظروف، على الفصائل والقوى الفلسطينية تعزيز وحدتها وتفعيل عملها باتجاه إنفاذ المصالحة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني. وعلى الإدارة الأمريكية أن تفهم أن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقوقه، وأن شعوب المنطقة ترفض سياسات الهيمنة الأمريكية كما ترفض التطبيع مع العدو الصهيوني.
تمهيد: محددات سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية:
سيطرت حالة من التوتُّر الشديد على العلاقة بين القيادة الرسمية الفلسطينية وإدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب Donald Trump؛ بفعل سياساته شديدة الانحياز لصالح “إسرائيل”، وتجاهله الكامل للحقوق الفلسطينية، وإجراءاته المستفزة فيما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتوقيع “صفقة القرن”، وتأييد خطة ضمّ الأغوار والمستوطنات. وقد ترجم التوتر في العلاقات بين الجانبين إلى إجراءات عقابية نفذتها إدارة ترامب بحق السلطة، على صعيد وقف المساعدات المباشرة، وإغلاق مكاتب تمثيل منظمة التحرير في الولايات المتحدة، ووقف مخصصات الولايات المتحدة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees in the Near East (UNRWA).
في المقابل، وصل الانحياز الأمريكي لصالح “إسرائيل” إلى مستوى غير مسبوق في السياسة الأمريكية، التي تماهت بشكل كامل مع رؤية اليمين الإسرائيلي تجاه مختلف الملفات السياسية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، وقد عبّرت “صفقة القرن” وخطة الضمّ بوضوح عن هذا الانحياز والتبني الكامل لأطروحات اليمين الإسرائيلي.
وثمة العديد من العوامل التي يرجّح أن تؤثر في موقف إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن Joe Biden تجاه العديد من الملفات ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية، على الرغم من الانحياز الأمريكي التقليدي لوجهات النظر الإسرائيلية، ومن أبرز تلك العوامل:
1. رغبة الديموقراطيين بالعودة إلى المسار التفاوضي، وتبنيهم مواقف أقلّ انحيازاً تجاه ملفات الحل النهائي، ضمن سقف الرؤية الأمريكية. ويدرك الديموقراطيون صعوبة إطلاق المسار التفاوضي دون تجاوز أزمة العلاقة مع السلطة الفلسطينية التي تسببت بها سياسات ترامب.
2. العلاقات غير الودية بين بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu وحكومة اليمين الإسرائيلي وبين إدارة باراك أوباما Barack Obama الديموقراطية، التي كان بايدن نائباً للرئيس خلالها. كما أنّ هناك توقعات بأنّ يكون لجون كيري John Kerry وزير الخارجية الأمريكية الأسبق في عهد أوباما دور مؤثر في إدارة بايدن المرتقبة، وهو لا يحظى بعلاقات جيدة مع حكومة نتنياهو، وسبق له أن حمّلها في خطابه الأخير، قبل أيام من نهاية ولاية أوباما الثانية، مسؤولية إفشال المفاوضات. صحيح أن بايدن سعى في تلك الأثناء لتخفيف حدّة الاحتقان والتوتر في العلاقة مع الإسرائيليين، لكنّ مواقفه تظلّ متأثّرة برؤية الحزب الديموقراطي للصراع العربي الإسرائيلي.
3. توجّهات التيار التقدمي الأمريكي، الذي يصفه البعض باليسار التقدمي داخل الحزب الديموقراطي، والذي يعبر عنه بصورة أساسية بيرني ساندرز Bernie Sanders، المنافس السابق لجو بايدن المحسوب على التيار المحافظ في الحزب. وعلى الرغم من انسحاب ساندرز من السباق الانتخابي داخل الحزب الديموقراطي لصالح بايدن في وقت لاحق، فإنّ التيار التقدّمي بات يُنظر إليه كقوة مؤثرة داخل الحزب، حيث يحظى بتأييد مُتنامٍ في أوساط الشباب، وصوّت معظم أعضائه عبر البريد ولعبوا دوراً مهماً في تقدّم بايدن في انتخابات الرئاسة. وعلى الرغم من توجهات بايدن المحافظة، يُرجّح أن يكون للتيار التقدمي تأثير على سياساته إزاء العديد من الملفات.
ومع أنّ التباين بين التيارين التقدمي والمحافظ يتركّز بصورة أساسية على الملفات الداخلية، خصوصاً ما يتعلق بالنظام الضريبي والصحة والتعليم والهجرة والتجارة والبيئة، إلا أن الملفات الخارجية لم تغب عن دائرة النقاش، خلال الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديموقراطي بداية العام الحالي، بخصوص سياسات الولايات المتحدة، ودورها في المنطقة، وانتشار قواتها العسكرية في العديد من المواقع. وكان التيار التقدمي قد عارض الغزو الأمريكي للعراق، الذي أيّده بايدن آنذاك، ويتبنى التيار طروحات مُؤيّدة للسلام ومُعارضة للحلول العسكرية.
4. تأثير الكتلة التصويتية الإسلامية في الانتخابات الأمريكية، حيث أسهمت بصورة واضحة في حسم نتائج بعض الولايات المتأرجحة لصالح بايدن. وهذه الكتلة لم تكن مؤثرة بالدرجة ذاتها في فترة أوباما، ويرجّح أنْ تدخل توجُهاتها في حسابات بايدن كمتغيّر جديد يؤخذ بالحسبان.
5. موقف بايدن المؤيد للتوصل لاتفاق مع إيران بخصوص ملفها النووي، حيث كان من الضاغطين بقوة للتوصل إلى الاتفاق السابق، وكان أحد المُنظِّرين لذلك. ومن شأن تمسك بايدن بالاتفاق النووي أنْ يثير قلق اليمين الإسرائيلي الحاكم في “إسرائيل”، وفي الوقت ذاته قلق السعودية والإمارات، حيث حظي موقف ترامب المتشدد إزاء إيران وإلغاؤه الاتفاق النووي الموقّع معها برضى تلك الأطراف، التي ترى في الملف النووي الإيراني خطراً يتهدّدها.
6. انشغال إدارة بايدن بمواجهة مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية. ومن أهم الأولويات لدى الإدارة الجديدة على المستوى الداخلي؛ معالجة حالة الانقسام التي يعانيها المجتمع الأمريكي بفعل سياسات ترامب التي مزّقت المجتمع وهددت وحدته وتماسكه، وضغط وباء كورونا على الوضع الصحي والاقتصادي.
وعلى المستوى الخارجي تتزايد حدّة التنافس مع الصين، التي تَعدُّها الولايات المتحدة المنافس الأكبر المحتمل. ومع اتفاق الحزبين الجمهوري والديموقراطي على هذا التقدير، فإنهما يختلفان في توجهاتهما العملية لإدارة التنافس، حيث يستبعد الحزب الديموقراطي خيار التصعيد والمواجهة مع الصين، فيما رفع ترامب درجة التصعيد والتوتر معها إلى مستويات متقدمة، ولجأ لاتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية، وهدّد بإجراءات أكثر خشونة. كما ستسعى إدارة بايدن لترميم علاقات الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية، ولمعالجة الاحتقانات التي تسببت بها سياسات ترامب في العديد من الملفات.
7. محاولات روسيا المتواصلة الدخول على ملفات المنطقة، وسعيها الدؤوب للعب دور أكبر في القضايا الإقليمية، وضمن ذلك القضية الفلسطينية، وتوجّس الولايات المتحدة من احتمالات تنامي الدور الروسي في الملف الفلسطيني، في ظلّ التوتر الحالي في العلاقة الأمريكية مع السلطة الفلسطينية.
التداعيات المتوقعة لفوز بايدن في الانتخابات:
في ضوء المحددات السابقة التي يُرجَّح أن تؤثر في مواقف بايدن وسلوك إدارته تجاه القضية الفلسطينية خلال المرحلة القادمة، يمكن تَوقُّع التداعيات التالية لفوزه في انتخابات الرئاسة الأمريكية وانتقال السلطة من الجمهوريين إلى الديموقراطيين:
أولاً: الموقف من السلطة وحماس، وانعكاسات ذلك على ملف المصالحة:
يرجح أن تتبنى إدارة الرئيس بايدن توجهات سياسية قريبة من تلك التي تبناها الديموقراطيون في عهد الرئيس أوباما، وأن تسعى لإنهاء حالة القطيعة وخفض مستوى التوتر واستئناف العلاقات مع السلطة الفلسطينية، بما يقتضيه ذلك من حراك ديبلوماسي، وإعادة المساعدات الأمريكية للسلطة، وفتح مكاتب منظمة التحرير التي أغلقتها إدارة ترامب في الولايات المتحدة. لكنْ، يتوقّع أن تربط إدارة بايدن بين هذه الإجراءات وبين عودة السلطة الفلسطينية إلى المسار التفاوضي.
ومن غير الواضح حتى اللحظة كيف ستؤثر توجهات إدارة بايدن المتوقعة في الانفتاح على السلطة ورغبتها باستئناف المسار التفاوضي على سلوك الإدارة الأمريكية تجاه حركة حماس من جهة، وكذلك على سلوك السلطة الفلسطينية تجاه ملف المصالحة، الذي شهد انفراجاً خلال الشهور الأخيرة بتأثير التوجهات المتشددة لإدارة ترامب تجاه السلطة والقضية الفلسطينية، وتبنيها لـ”صفقة القرن”، وخطة الضم، والضغط على الدول العربية من أجل تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل”، واستشعار قيادة السلطة الخطر الذي يتهددها ويتهدد القضية الفلسطينية نتيجة هذه التوجهات الأمريكية المندفعة.
في ما يتعلّق بموقف إدارة بايدن المتوقّع تجاه حركة حماس، يرجّح أنْ تتبنى الموقف التقليدي للإدارات الأمريكية، الذي لم يختلف كثيراً في عهد ترامب عنه في عهد أوباما، والذي يمكن تلخيصه فيما يلي:
• مواصلة التعامل مع الحركة على المستوى الرسمي كـ”حركة إرهابية” تستخدم العنف لتحقيق أهدافها السياسية، مع السماح بالتواصل معها سياسياً بعيداً عن الجانب الرسمي، كما كان الحال خلال عهد أوباما.
• النظر للحركة كطرف مُعيق لمسار المفاوضات والتسوية؛ نتيجة تمسكها بخيار المقاومة ورفضها الاعتراف بـ”إسرائيل”.
غير أن المرونة التي أظهرتها الحركة في وثيقتها السياسية، والتي تعبّر عن استعداد للتعاطي بواقعية أكبر مع المعطيات السياسية، ربما تلعب دوراً في تشجيع إدارة بايدن على اختبار إمكانية التأثير في الموقف السياسي للحركة، واستثمار دور دول صديقة للحركة لا تعارض خيار التسوية السياسية، وتسعى لتطوير علاقاتها مع الإدارة الأمريكية وتعزيز حضورها الإقليمي.
• التعامل مع الحركة كجزء من تيار الإسلام السياسي الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، وبالتالي يرجّح أن ينعكس الموقف الذي تتبناه إدارة إوباما من هذا التيار خلال الفترة القادمة على تعاملها مع حركة حماس، مع بعض الخصوصيات المتعلقة بحساسيات الوضع الفلسطيني.
وفي ما يتعلّق بموقف السلطة المتوقّع من المضي قدماً في مسار المصالحة مع حركة حماس وإجراء الانتخابات، فثمة ثلاثة احتمالات:
1. مواصلة مسار المصالحة والمضي في إجراء الانتخابات.
2. التريث وتهدئة مسار المصالحة لحين اتضاح آفاق العودة إلى مسار المفاوضات، والتعرّف على توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة من ملفات القضية الفلسطينية.
3. التراجع عن مسار المصالحة في ظلّ المعطيات الجديدة، وانتفاء بعض دوافع التقدم نحو إنهاء الانقسام وترتيب البيت الداخلي.
ومن أهم المحددات التي يتوقّع أن تلعب دوراً مؤثراً في توجّه السلطة تجاه ملف المصالحة والانتخابات:
1. موقف الإدارة الأمريكية الجديدة ومدى حرصها على تحسين العلاقات مع السلطة، وموقفها من المصالحة و”صفقة القرن” وخطة الضم.
2. الإجراءات الإسرائيلية على الأرض، وخصوصاً ما يتعلق بملف الاستيطان والإجراءات أحادية الجانب.
3. الموقف المصري الذي يلعب دوراً مؤثراً في خيارات السلطة من ملف المصالحة.
4. مسار عملية التطبيع مع “إسرائيل”، وسلوك الدول المطبّعة.
5. توجهات القيادات السياسية والأمنية الوازنة في السلطة، التي تخضع لارتباطاتها وطموحاتها المستقبلية.
وعلى الرغم من انشغالها بالملفات الداخلية، يرجّح أن تظهر إدارة بايدن حرصاً على تجاوز أزمة العلاقة مع السلطة، وأن تسعى لجذبها مجدّداً نحو مسار المفاوضات، وبعيداً عن الاندفاع في العلاقة مع حماس، إلا إذا تلقت تطمينات بأنّ العلاقة مع حماس يمكن أنْ تؤثر إيجاباً في موقفها السياسي.
كما يرجّح أنْ تتجنّب حكومة نتنياهو خلال الفترة القريبة اتخاذ إجراءات كبيرة استفزازية، على صعيد تطبيق خطة الضم وزيادة وتيرة عمليات الاستيطان؛ وذلك لاعتبارين مهمين، الأول: عدم الرغبة بإحراج الدول العربية التي طبّعت العلاقات معها، وتشجيع مزيد من الدول العربية على اتخاذ خطوات مشابهة. والثاني: عدم الرغبة بالتصعيد وتوتير العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة في وقت مبكر.
أما الموقف المصري من ملف المصالحة، فيرجّح أنْ يتأثر بمجموعة اعتبارات، مِن أهمّها الرغبة بقطع الطريق على أي دور تركي أو قطري محتمل في ملف المصالحة يزاحم الدور المصري واحتكاره للملف الفلسطيني، وكذلك العلاقة المتوترة نسبياً في الوقت الراهن بين مصر وحركة حماس، كما أن توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه ملف المصالحة ستلعب دوراً مؤثراً في الموقف المصري. ولكن، بالمحصلة لا يرجّح أن تدفع القيادة المصرية نحو تقدم جهود المصالحة الحالية ووصولها إلى نتائج قريبة.
وفي ما يتعلّق بمسار التطبيع، فإنّ المؤشرات ترجّح أنْ تواصل الدول التي طبّعت علاقاتها مع “إسرائيل” اندفاعها نحو تعزيز هذه العلاقات، بعد أن تجاوزت الحرج في فتح العلاقات معها، وهو ما سيثير قلق السلطة الفلسطينية ويبقيها في حالة توتر وتوجّس من تجاوز تلك الدول للموقف الفلسطيني.
وفي ضوء ما سبق، يرجّح أن لا تتراجع السلطة عن مسار المصالحة، لكن دون حماس واندفاع كبير، وربما يكون الاحتمال الثاني، وهو التريث وتهدئة مسار المصالحة لحين اتضاح مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة وآفاق العودة إلى مسار المفاوضات، هو المرجّح في ظل المعطيات الحالية، حيث تشكل المصالحة مع حركة حماس ورقة ضغط مهمة في يد السلطة في الوقت الراهن، لا ورقةَ ضغطٍ عليها كما كان الأمر في وقت سابق، كما أنّ بعض القيادات الفلسطينية المؤثّرة، خصوصاً جبريل الرجوب، مُتحمّسة لمواصلة مسار المصالحة مع حماس باعتباره ورقة مهمة في تعزيز حضورها في المعادلة القيادية، وفي تعزيز فرصها في عملية التنافس الداخلي على قيادة السلطة في مرحلة ما بعد عباس.
ثانياً: العلاقة مع حكومة نتنياهو واليمين الإسرائيلي:
على الرغم من توتر العلاقة بين الإدارة الأمريكية في عهد أوباما وبين حكومة نتنياهو، يرجّح أن يحرص الطرفان على تجنب حصول خلاف سريع؛ لاعتبارات عديدة من أهمها:
1. انشغال الإدارة الأمريكية الجديدة بمعالجة ملفاتها الداخلية، وعدم رغبتها بإدارة أزمات سياسية في بداية عملها.
2. رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة بتهيئة الظروف لإعادة فتح المسار التفاوضي، وهو ما يتطلب دراسة آفاق ذلك، وتشجيع الجانب الإسرائيلي على اتخاذ مواقف إيجابية.
3. إدراك حكومة نتنياهو الكلف العالية غير المرغوبة للدخول في مواجهة مع الإدارة الأمريكية، حيث بات نتنياهو في ظلّ تجاربه السابقة أقلّ اندفاعاً وأكثر استعداداً للتكيّف مع توجهات الإدارة الأمريكية وتجنّب الصدام معها، لكنْ دون التخلي عن توجهاته الأساسية، وهو ما يدفعه للمناورة وتجنب المواجهة.
حاجة حكومة نتنياهو لإسناد الإدارة الأمريكية الجديدة لملف تطبيع علاقات الدول العربية مع “إسرائيل”، حتى لو اقتصر الدعم على التشجيع ولم يصل مستوى الضغط والابتزاز، كما كان الحال في فترة ترامب.
ثالثاً: “صفقة القرن” وملف المفاوضات ومسار التطبيع:
على الرغم من رغبة الإدارة الأمريكية بإطلاق عملية مفاوضات مثمرة يمكن أن تفضي لإنجاز اتفاق سياسي وفق صيغة حلّ الدولتين التي تبنتها الإدارات الأمريكية السابقة، إلا أنها تدرك حجم العقبات التي تعترض طريق التقدّم في مسار المفاوضات في ظلّ التوجهات المتشددة لليمين الإسرائيلي، الذي نجح بتمرير “قانون القومية اليهودية”، وكذلك في ضوء العقبات الكبيرة التي أضافتها “صفقة القرن” والإجراءات الأحادية التي أقدمت عليها إدارة ترامب.
ومع إدراكها لصعوبة تجاوز هذه العقبات، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة تعلم السلبيات المترتبة على استمرار حالة الفراغ السياسي. وهو ما يرجّح أن تسعى لإطلاق حراك سياسي وعملية سياسية، حتى لو كانت لا تراهن على فرص نجاحها وتحقيق إنجاز مُهمّ على هذا الصعيد.
أمّا بخصوص “صفقة القرن” وخطّة الضمّ، فيرجّح أنْ لا تتقيّد إدارة بايدن بمضامينها التي تدرك مدى رفض السلطة الفلسطينية وجميع المكونات الفلسطينية لها، وصعوبة إطلاق عملية تفاوضية على أساسها. فيما يرجّح أنْ تتشبث حكومة نتنياهو بالصفقة وتتمسك بها.
وفي ما يتعلّق بملف التطبيع، يرجّح أنْ تواصل إدارة بايدن تشجيع مزيد من الدول العربية على تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، لكنْ دون ممارسة ضغوط قوية ودونما ابتزاز للدول العربية؛ بُغية التقدّم في هذا المسار.
رابعاً: تداعيات فوز بايدن على أدوار القوى الإقليمية في القضية الفلسطينية:
تدرك الإدارة الأمريكية أهمية الدور المصري في الملف الفلسطيني؛ كما أنْ مصر هي الطرف الإقليمي المفضّل إسرائيلياً، للإشراف على الملف الفلسطيني والتأثير في توجهات السلطة؛ نظراً للتقارب الكبير في الموقفين المصري والإسرائيلي من ملف المصالحة، والتطبيع، واستمرار الحصار على قطاع غزة. غير أن المواقف السلبية، التي عبّر عنها بايدن خلال حملته الانتخابية تجاه عبد الفتاح السيسي، قد تُلقي بظلال سلبية على العلاقات المصرية الأمريكية. وبالتالي، ربما تؤثر على مدى رغبة الإدارة الأمريكية بمواصلة مصر احتكار إدارة الملف الفلسطيني.
والمرجّح في ضوء هذه المعطيات:
1. نظراً لامتلاكها العديد من أوراق القوة والتأثير، يرجّح أن تواصل مصر لعب دور مهم ومؤثر في الملف الفلسطيني، لكنه قد لا يصل إلى درجة احتكار الملف، بسبب مواقفها التي انطوت على كثير من التشدُّد في التعامل مع السلطة وحركة حماس خلال الشهور الأخيرة، وبفعل اندفاعها في تأييد السياسات الإماراتية في ملف التطبيع، وضبابية موقفها من “صفقة القرن” وخطة الضم. وسيُشكّل موقف بايدن السلبي من السيسي تحدياً إضافياً، على الرغم من إدراك أن سلوك بايدن الرئيس سيختلف عن سلوك بايدن المُرشّح، الذي يطرح الشعارات الانتخابية ولا يتعامل مع المعطيات الواقعية.
2. يرجّح أن تكون هناك فرصة أكبر لدخول أطراف إقليمية غير مصر على الملف الفلسطيني، خصوصاً قطر، التي تملك أوراقاً مهمة على هذا الصعيد؛ نظراً لعلاقاتها الجيدة مع حماس والسلطة، ولتقبّل الجانب الإسرائيلي لبعض أدوارها في التأثير على حركة حماس وقطاع غزة خلال فترة ترامب، حيث حققت العديد من النجاحات على صعيد استمرار التهدئة بين الطرفين، ويرجّح أن ترحب إدارة بايدن باستمرار هذا الدور، وربما تسعى إلى تطويره.
3. يملك الأردن فرصة مهمة للعب دور أكبر في القضية الفلسطينية، إنْ قرّر التقدّم نحو هذا الدور، وخرج من حالة التردد والإحجام، وتخفّف من حساسيته الزائدة تجاه الموقف المصري؛ فعلاقاته مع أطراف المعادلة الفلسطينية جيدة، والموقف السياسي الأردني ينسجم مع مواقف الإدارة الأمريكية، لكنّه يفتقد إلى عنصر المبادرة الذي تملكه قطر.
4. يمكن لتركيا أنْ تكون لاعباً مُهمّاً مُؤثّراً في الملف الفلسطيني خلال المرحلة القادمة، إنْ تجاوزت أزمة العلاقة مع بايدن، بعد مواقفه السلبية التي أعلنها بحق الرئيس التركي في وقت سابق. فوزن تركيا الإقليمي الكبير، ورغبتها المتزايدة بلعب أدوار إقليمية فاعلة، عامل مهم يؤخذ بالحسبان في الموقف الأمريكي، كما أنّ علاقاتها القوية مع السلطة وحماس عامل مهم آخر، عبّر عنه لقاء الوفدين القياديين لحماس وفتح خلال الشهور الفائتة في تركيا.
في المقابل، ثمّة تحفظ ورفض مصري سعودي إماراتي لتعزيز الدور التركي في الملف الفلسطيني، كما أن علاقات تركيا مع حكومة نتنياهو متوترة وليست في أحسن أحوالها. وفي ضوء ذلك، تبدو تركيا مرشحة للعب دور ما في المصالحة الفلسطينية حيث ستتم محاولة ملأ الفراغ، بقدر الضعف والتراجع في الدور المصري.
5. يرجّج أن تتوجه إدارة بايدن للعودة إلى مسار التفاهم مع إيران بخصوص الملف النووي، ويحظى هذا التوجّه بتأييد أوروبي قوي. ومن شأن العودة إلى مسار التوافق مع إيران، بما يتضمّنه مِن تخفيف أو إلغاء للعقوبات الاقتصادية، واستئناف السماح ببيع النفط، أنْ يعزّز قدرات إيران الاقتصادية، ويخفّف ضائقتها الحالية، وهو ما يمكن أنْ يُسهم في تحسين مستوى الدعم للقوى الفلسطينية.
6. من غير الواضح حتى اللحظة كيف سيؤثر فوز بايدن على موقف السعودية والإمارات من الوضع الفلسطيني ومن السلطة والقوى الفلسطينية. حيث يتوقّع أن تسعى الدولتان للتفاهم مع الإدارة الجديدة، ولإقناعها بمواصلة الموقف المتشدّد من إيران والملف النووي. كما ستسعيان لاستثمار تطبيعهما وانفتاحهما على “إسرائيل”؛ من أجل تحسين العلاقة مع إدارة بايدن.
وفي ضوء الموقف المتوقّع لإدارة بايدن من مسار المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتراجع فرص تنفيذ “صفقة القرن” وخطة الضم، يرجّح أن تسعى السعودية والإمارات لتجاوز أزمة العلاقة مع السلطة الفلسطينية. فيما يتوقّع أن تواصلا مواقفهما السلبية من حركة حماس وتيار “الإسلام السياسي”، وأن تسعيا لإقناع إدارة بايدن باتخاذ مواقف متشددة تجاهه؛ باعتباره داعماً لـ”الإرهاب” ومُعارضاً لجهود التسوية السياسية.
المقترحات:
في ضوء التوقّعات السابقة، يُقترح ما يلي:
1. مواصلة جهود المصالحة مع حركة فتح، وإبداء المزيد من الحرص على إنجاحها، وتبنّي مواقف مرنة لتذليل العقبات التي تعترض طريقها، وتحويلها إلى برامج عملية يتم جدولتها وإنفاذها.
2. دعوة الإدارة الأمريكية الجديدة إلى احترام إرادة الشعب وحقّه في التحرّر والاستقلال وتقرير المصير.
3. دعوة الإدارة الأمريكية الجديدة لتبني سياسات إيجابية عاقلة ومتوازنة تجاه مختلف قضايا المنطقة، بما يسهم في استقرارها وتهدئة التوتر، واحترام حقوق الإنسان، واحترام إرادة شعوب المنطقة في حكم نفسها، وصناعة قراراتها، واستغلال ثرواتها.
4. فتح قنوات اتصال مع رموز وفاعليات مؤثرة في التيار التقدمي الأمريكي، المؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني.
للاطلاع على التقرير وتحميله من هنا
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2020/11/17