ورقة علمية: الانتخابات الإسرائيلية المبكرة: الأسباب والنتائج


تاريخ الإضافة الإثنين 25 كانون الثاني 2021 - 10:53 ص    عدد الزيارات 2042    التحميلات 177    القسم مختارات

        


مقدمة:

 

مع طي الأيام الأخيرة من سنة 2020، بدأت في “إسرائيل” التحضيرات الميدانية للانتخابات البرلمانية المبكرة في آذار/ مارس 2021، عقب سلسلة أزمات داخلية مستحكمة: سياسية، واقتصادية، وحزبية، وفشل أحزاب الائتلاف الحاكم في التوصل إلى تسويات ثنائية لوقف العصي التي توضع في دواليبه منذ اللحظة الأولى لتشكيله في أيار/ مايو 2020.

 

اضطرت هذه الأزمات المتصاعدة في دولة الاحتلال إلى إجرائها أربع جولات انتخابية مبكرة خلال عامين، الأمر الذي لم تشهده في تاريخها، وينبئ عن حالة من عدم الاستقرار والتشظي الداخلي، ومخاوف من حدوث المزيد من الانقسامات الرأسية والأفقية.

 

للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط:
 

 

تتناول هذه الورقة التالي أهم محاور هذه الانتخابات المبكرة، وما يتعلق بها من ارتباطات داخلية على الصعيد الإسرائيلي:

 

أولاً: أسباب اللجوء الإسرائيلي للانتخابات المبكرة:

 

وصل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الذي تمّ الإعلان عنه في أيار/ مايو 2020، إلى نهايته مساء 22 كانون الأول/ ديسمبر، حين فشل الكنيست في المصادقة على مشروع قانون لتأجيل الموعد النهائي لإقرار الميزانية العامة، مما قلص فرص التسوية بين قطبي الائتلاف؛ حزب الليكود Likud وأزرق – أبيض Blue and White، وعزز فرص الذهاب إلى انتخابات مبكرة جديدة في 23/3/2021، وهي الرابعة خلال عامين، بعد أن عارض القانون 49 عضو كنيست، وأيده 47 آخرون.

 

لم يكن إخفاق الائتلاف الحكومي الإسرائيلي في إقرار الميزانية العامة، سوى قمة جبل الجليد في جملة خلافاته الداخلية التي تزايدت يوماً بعد يوم، ليس أقلها الهواجس المتبادلة بين “الشريكين المنفصلين” بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu زعيم الليكود ورئيس الحكومة، وبني جانتس Benny Gantz زعيم أزرق – أبيض ووزير الحرب، فالأخير لم تغادره لحظة واحدة مخاوف ألا يمنحه الأول فرصة التناوب على رئاسة الحكومة المنصوص عليها في اتفاق الائتلاف، ويمنحه حقّ تولي رئاسة الحكومة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، لكنه علم منذ اللحظة الأولى أن وصوله لهذا المنصب لن يكون معبداً، وأن شريكه سيختلق المزيد من الإشكاليات للحيلولة دون تحقق حلمه.[1]

 

امتدت مشاكل الائتلاف الحكومي لتشمل المزيد من نقاط الخلاف، بدءاً بأزمة كورونا Corona (كوفيد-19 أو COVID-19)، والاعتراضات التي أبداها شركاء نتنياهو حول إدارته للأزمة، وتسييسه لها من خلال تساهله مع شركائه الحريديم Haredim في الائتلاف بالسماح لهم بفتح مؤسساتهم الدينية، على الرغم من تحذيرات وزارة الصحة.

 

كما امتد الخلاف إلى اتهامات أزرق – أبيض لليكود بتغييبه عن مساعي التطبيع مع الدول العربية، وظهور جانتس وجابي أشكنازي Gabi Ashkenazi آخر من يعلم بتحركات نتنياهو مع دول الخليج، مما عبَّر عن أطماعه الشخصية والحزبية، ورغبته بأن تكون جهوده الإقليمية خدمة لأغراضه الانتخابية المقبلة.[2]

 

لعلها المرة الأولى التي يتم فيها حل الكنيست بسبب عدم المصادقة على الميزانية، فيما تواصل الحكومة الحالية عملها في مرحلة انتقالية حتى آذار/ مارس 2021، بانتظار الانتخابات الـ 24 للكنيست، على أن تجري الأحزاب الإسرائيلية انتخاباتها الداخلية، التي ستبرز المزيد من “النجوم الجدد” في قوائمها الانتخابية، وظهور القوائم الجديدة قبل موعد الانتخابات.

 

ثانياً: الانشقاقات والتحزبات الجديدة:

 

شهدت الحلبة الحزبية الإسرائيلية في حالات متلاحقة من التشظي والانقسامات، ليس بين اليمين واليسار فحسب، ولكن داخل كل معسكر بعينه، مما أشار لقراءة ضبابية لما قد تسفر عنه الانتخابات القادمة، مع خوض العشرات من القوائم الانتخابية والحزبية للجولة القادمة، وتشتت أصوات الناخبين الإسرائيليين.

 

كل ذلك قد يصعب على أي حزب امتلاك زمام المبادرة بتشكيل حكومة منفردة، واضطراره للدخول في ائتلافات غير مستقرة، بل أقرب لما أن تكون هشة ومتذبذبة، وقد نكون أمام استحقاق خامس من الانتخابات المبكرة، إن فشل أي ائتلاف قادم في البقاء أطول فترة زمنية ممكنة، وإنقاذ نفسه من أي أزمات مرتقبة في الطريق.

 

تَمثَّل الانشقاق الأخطر بما قام به جدعون ساعر Gideon Sa’ar، أبرز خصوم نتنياهو، بانفصاله عن الليكود، وخوض الانتخابات القادمة بشكل مستقل عبر حزبه “أمل جديد New Hope”، مما شكل زلزالاً سياسياً كبيراً، عقب ما حققه من نتائج لافتة في استطلاعات الرأي على حساب الليكود، ودفع قادته لمهاجمته، واتهامه بخدمة مصالحه الشخصية.[3]

 

حاول ساعر قبل عام إحداث ذات السلوك الانشقاقي، والترشح ضدّ نتنياهو لقيادة الليكود، لكنه لم ينجح، مما دفعه لاتهام الحزب بأنه أصبح أداة لتنفيذ مصالح رئيسه، ودفع المزيد من أقطابه للانضمام إليه، وعلى رأسهم الوزير زئيف ألكين Ze’ev Elkin المقرب جداً من نتنياهو، وكاتم أسراره في مفاوضات الائتلافية مع باقي الأحزاب، ويحافظ على علاقات جيدة مع المتدينين المتطرفين ومع الصهيونية الدينية، كما انشقت عضو الكنيست شاران هاسكل Sharren Haskel عن الليكود وانضمت إليه.[4]

 

استقطب ساعر قيادات حزبية إسرائيلية أخرى من خارج الليكود، كوزير الاتصالات يوعاز هندل Yoaz Hendel، وتسفي هاوزر Zvi Hauser رئيس لجنة الخارجية والأمن بالكنيست، وهما من حزب أزرق – أبيض، مما دفع جانتس لإقالتهما، وأعلنت عضو الكنيست يفعات شاشا-بيطون Yifat Shasha-Biton، انشقاقها عن حزب “كلنا Kulanu”، والانضمام لساعر.

 

كان طبيعياً أن يواجه ساعر اتهامات قاسية وشخصية من الليكود، لأنه خصم عنيد لنتنياهو، ويخشى الأخير أن يشكل انشقاقه محاولة جديدة لتقسيم معسكر اليمين، وتكرار انشقاقات سابقة قام بها آخرون مثل تسيبي ليفني Tzipi Livni، وموشيه يعلون Moshe Ya’alon، ودان مريدور Dan Meridor، وآخرين.

 

تكمن خطورة خطوة ساعر، فضلاً عن ثقله داخل الليكود، في توقيتها الصعب على نتنياهو، وهو يعالج أزمات جدية مثل تفشي كورونا، والمشكلة الاقتصادية، وصولاً للخلافات الحزبية داخل الائتلاف الحكومي قبل انهياره فعلياً، وفي النهاية فإن انشقاق ساعر هبط مثل صاعقة على نتنياهو في يوم صافٍ، وأظهر إصراره على إذلال نتنياهو، وإهانته، لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون عمن سينضم لهذه العاصفة، لأنه سيخلط الأوراق مرة أخرى داخل الليكود.[5]

 

نتنياهو من جهته يسعى لتعزيز صفوف الليكود بمرشّحين جدد، أبرزهم سفيره في واشنطن منذ 2013، رون دريمر Ron Dermer، المقرّب جداً منه، وسبق أن طرح اسمه خلفاً له برئاسة الحكومة، والجنرال جال هيرش Gal Hirsch، الذي رشّحه لمنصب قائد جهاز الشرطة قبل اتهامه بالفساد، وجلعاد شارون Gilad Sharon، نجل رئيس الحكومة الأسبق، أريل شارون Ariel Sharon، الذي انشقّ عن الليكود مع والده لتشكيل حزب كاديما، قبل أن يعود إليه لاحقاً.[6]

 

امتدت عدوى الانشقاقات إلى حزب أزرق – أبيض، حيث انفصل عنه آفي نيسانكورن Avi Nissenkorn وزير القضاء، عقب اتهامه لجانتس بالتوافق مع نتنياهو، بـ”تسييس” اختيار المدّعي العام والمستشار القضائي للحكومة، مما دفع جانتس لوصف نيسانكورن بأنه “خان ثقته” حين غادر صفوف الحزب. وقد شكَّل انشقاقه إضافة نوعية في مسلسل انهيار أزرق – أبيض وتفككه، بعد انشقاق العديد من نوابه في الكنيست، فيما أكد جانتس اعتزامه خوض الانتخابات على رأسه، على الرغم من حظوظه الضئيلة بتجاوز نسبة الحسم، بحسب مختلف استطلاعات الرأي العام.

 

أما وزير الخارجية جابي أشكنازي، نائب جانتس بقيادة أزرق – أبيض، فأعلن انسحابه من الحياة السياسية، وعدم خوضه الانتخابات عقب خلافاته مع شريكه بسبب مفاوضاته مع الليكود، وهو سادس عضو كنيست ينسحب من الحزب بعد: آفي نيسانكورين، وآساف زامير Asaf Zamir، وميكي حيموفيتش Miki Haimovich، وميخال كوتلير، ووونش عيناف، وترى أوساط أشكنازي أن قراره نبع من الفشل الواضح والمتوقع للحزب في الانتخابات، وتوتراته مع جانتس حول أسلوب القيادة، الذي يعتقد أشكنازي أنه لم يكن مشتركاً بما فيه الكفاية في عملية اتخاذ القرار.[7]

 

وفيما أعلن عضو الكنيست عوفر شيلح Ofer Shelah عن انسحابه من حزب يش عتيد (يوجد مستقبل) Yesh Atid برئاسة يائير لابيد Yair Lapid، وعزمه تأسيس حزب جديد، عقب رفضه إجراء انتخابات داخلية على رئاسة الحزب، فقد أعلن رئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي، عن تشكيل حزب أطلق عليه اسم “الإسرائيليون”، لخوض الانتخابات في قائمة تضم نيسانكورن، الذي اتصل مع وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، وعلى الرغم من زعمها أنها لن تعود للحياة السياسية، فقد شاركت مؤخراً بمظاهرة ضدّ نتنياهو قرب منزله.

 

لم تستثنِ حالة عدم الاستقرار الحزبي أياً من القوى السياسية الإسرائيلية، فحزب العمل Labor Party أعلن رئيسه عمير بيرتس Amir Peretz تخليه عن موقعه، على خلفية توقع كافة الاستطلاعات بأنه لن يتجاوز نسبة الحسم، ودعا حزبه لانتخاب رئيس وقيادة جديدة، حيث أعلنت عضو الكنيست ميراف ميخائيلي Merav Michaeli، تنافسها على هذا الموقع، وسط تقديرات بأنها اتفقت مع خولدائي على خوض الانتخابات المقبلة في قائمة مشتركة.

 

الخلاصة أن هناك جملة تحديات أساسية أمام “المنشقين” الإسرائيليين الجدد عن أحزابهم الأصلية، من اليمين واليسار والوسط، كي لا يكرّروا “ظواهر استطلاعية” سابقة، مثل آفي جاباي Avi Gabay في حزب العمل، الذي أعطته استطلاعات الرأي 25 مقعداً فور اختياره، قبل أن يتراجع إلى دون 10 مقاعد، و”يمينا” الذي بدأ قوياً في استطلاعات الرأي، ثم سرعان ما تراجع، وفي انتخابات نيسان/ أبريل 2019 لم يجتز نسبة الحسم.

 

تحدٍّ آخر يبرز أمام مؤسسي الأحزاب الجديدة، وهو عدم تكرار تجربة وزير المالية السابق موشيه كحلون Moshe Kahlon، الذي انشقّ عن الليكود، وأسّس حزب كُلنا Kulanu سنة 2015، وحصد في أوّل انتخابات خاضها 10 مقاعد، قبل أن ينتهي به المطاف عائداً إلى الليكود مرة أخرى، واليوم قرر اعتزال الحياة السياسية نهائياً.

 

ثالثاً: التحالفات الحزبية الناشئة:

 

في ظلّ ما يشهده جناحا الائتلاف الإسرائيلي الحاكم المنهار أزرق – أبيض والليكود، من انشقاقات وانسحاب أعضاء مؤثرين، فإن ذلك قد يغير الخريطة السياسية، وفقاً لما تنشره استطلاعات الرأي بين حين وآخر، وتكاد تقدم نتائج متشابهة تذهب بمعظمها إلى إمكانية استبدال حكم نتنياهو وفق توزيع مقاعد الكنيست.

 

في الوقت ذاته، يمارس الليكود ضغوطاً على رئيس حزب “الاتحاد القومي” عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش Bezalel Smotrich، كي يخوض الانتخابات من خلال ترؤسه لحزب البيت اليهودي The Jewish Home (HaBayit HaYehudi)، عقب إعلان رئيسه الحالي الوزير رافي بيرتس Rafi Peretz أنه لن يشارك بالانتخابات. وتأتي ضغوط الليكود على سموتريتش على خلفية احتمال انشقاقه عن تحالف أحزاب اليمين المتطرف “يمينا”، بسبب خلافاته مع زعيمه نفتالي بينيت Naftali Bennett، ويأمل الليكود أن يجمع سموتريتش حوله مجموعة من التيار الديني القومي، وينجح بتجاوز نسبة الحسم، وهو ما يحتاجه الحزب.

 

تشير المعطيات الأخيرة أن خلاف بينيت وسموتريتش ما زال مستمراً، حيث يطالب الأول بأن يكون لمرشحي حزبه أربعة أماكن بين الأماكن الثمانية الأولى بقائمة مرشحي يمينا، وهو ما يعارضه الأخير، كما تجري اتصالات بين يمينا والبيت اليهودي، الذي أعلن زعيمه نير أورباخ، أنه سينافس على رئاسته، ولديه علاقات قوية مع بينيت، ويفضل التحالف معه، وليس مع سموتريتش، وأعلن حزب البيت اليهودي الشروع بمفاوضات مع حزب يمينا لخوض الانتخابات في قائمة واحدة تجمع بين أحزاب تيار الصهيونية الدينية.

 

يتخوف نتنياهو من فقدان تأثيره على أحزاب الصهيونية الدينية، خصوصاً بعد توقيع بينيت لاتفاق فائض أصوات مع ساعر،[8] مما سيبقي الليكود بدون اتفاق فائض أصوات مع أي حزب يميني، وهذه خطوة لافتة، تجعله خارج اتفاقيات تبادل الأصوات مع الأحزاب اليمينية، وتخرج بينيت من عباءة نتنياهو، وسط توقعات بأن يستفيد بينيت من الاتفاق مع ساعر، ويحرم الليكود من أحد مقاعده، ويصب بالمحصلة لصالح ساعر الذي ينافس على رئاسة الحكومة،[9] وهو ما قام به أيضاً لابيد مع أفيجدور ليبرمان رئيس حزب “إسرائيل بيتنا (يسرائيل بيتينو) Yisrael Beitenu”، كي لا تتسرب الأصوات إلى الليكود.[10]

 

وفيما تحدثت أوساط حزبية إسرائيلية عن إمكانية إنشاء قائمة جديدة تضمّ رموز اليسار الصهيوني، تشمل خولدائي ونيسنكورين وشيلح”،[11] فإن جانتس يدرس إمكانية التحالف مع بينيت، وخوض انتخابات الكنيست بقائمة واحدة، ولعل أحد دوافع هذا التحالف المحتمل، إن نشأ أصلاً، بقاء أزمة قادة معسكر اليمين، خصوصاً بينيت وسموتريتش، التي باتت أزمة حقيقية، صحيح أن بينيت لا ينفي إمكانية التحالف مع جانتس، لكنه يسعى لحل الخلافات مع سموتريتش أولاً.

 

وفي حال لم ينجح بينيت بذلك، فإن الطريق ستكون مفتوحة أمام تحالف مع جانتس، الذي يجلب معه تمويل أحزاب بمبلغ 20 مليون شيكل (نحو 5.6 مليون دولار)، وخبرة عسكرية غنية، لكن الانهيار الكبير لأزرق – أبيض في الاستطلاعات، والتوقعات بعدم تجاوزه نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة، تقلل من فرص هذا التحالف.

 

يريد جانتس من جهته التحالف مع بينيت دون سموتريتش، بادعاء أن الأخير “متطرف”، مع أن بينيت لا يقل تطرفاً عنه، وعلى الرغم من أن هذا التحالف يمثل المستوطنين، ويتبع نهجاً معادياً لجهاز القضاء، وحقوق الإنسان، فإن بينيت يفضل التوصل إلى اتفاق مع سموتريتش وباقي أجزاء تيار الصهيونية الدينية قبل جانتس.[12]

 

الأحزاب الحريدية من جهتها تبدو دائماً كتلة سياسية مستقرة، من حيث عدد ممثليها في الكنيست، وتحالفها مع نتنياهو، لكن هذا الوضع قد يتغير عشية الانتخابات، على خلفية “تمرد” داخل حزب أغودات يسرائيل Agudat Yisrael الذي يرأسه الوزير يعقوب ليتسمان Yaakov Litzman، وإمكانية أن يشكل مع حزب ديغل هتوراة Banner of the Torah—Degel HaTorah برئاسة موشيه غفني Moshe Gafni كتلة يهود التوراة (يهدوت هتوراة) United Torah Judaism—Yahadut HaTorah.

 

يقود هذا “التمرد” نائب وزير التعليم مئير بوروش Meir Porush، وعضو الكنيست يسرائيل آيخلر Israel Eichler، اللذان يستعدان لخوض صراع غير مسبوق على السيطرة داخل أغودات يسرائيل، ولم يستبعدان انضمامهما إلى ساعر، على الرغم من أنها قد تعد مناورة سياسية للحصول على أماكن أفضل في قائمة المرشحين، وسيطرة على مؤسسات حريدية.

 

رابعاً: ظاهرة الجنرالات المسيسين:

 

شهد انطلاق الانتخابات في “إسرائيل” ظاهرة تتمثل بانضمام الجنرالات للأحزاب السياسية، وكلما تمّ الإعلان عن حملة انتخابية جديدة، فإن كل حزب يرغب في التباهي بالجنرالات في صفوفه، ولعل نظرة فاحصة إلى الحكومة الحالية، نرى أنها تتألف من خمسة عسكريين: بني جانتس، جابي أشكنازي، يوآف جالنت Yoav Galant، ميري ريغف Miri Regev، ورافي بيرتس، وفيما أسهم أشكنازي بإعادة تأهيل وزارة الخارجية، فليس من الواضح مدى تأثير الوزراء الأربعة الآخرين على وزاراتهم.[13]

 

يشكك الإسرائيليون في جدية ما فعله بيرتس في وزارة شؤون القدس، وجانتس لم يعلن رأيه بشأن الهجمات في سورية، أو حلّ المشكلة القائمة مع حماس في غزة، أما جالنت فيطالب بتطوير نظام التعليم، دون تقديم خطة تفصيلية، فيما تعارض ريغيف إنشاء مترو الأنفاق الرابط بين منطقتي غوش دان Gush Dan بسهل الشارون.

 

وكما أن حملة الانتخابات الحالية قد تشهد أفول نجم جنرالين كبيرين وهما جانتس وأشكنازي، لكنها أظهرت نجماً صاعداً لم يحسم خياره الانتخابي بعد، وهو غادي آيزنكوت Gadi Eisenkot القائد السابق للجيش الإسرائيلي، الذي تسابقت الأحزاب لضمه إلى صفوفها، دون أن يعلن موافقته على أي عرض، على الأقل حالياً، على الرغم من تحضيرات يوسي كوهين Yossi Cohen رئيس جهاز الموساد Mossad بالانضمام لليكود فور انتهاء ولايته في الصيف المقبل.[14]

 

تظهر إسهامات العسكريين الإسرائيليين السياسية أنه من بين 22 من قادة الجيش، تولى اثنان فقط منهم رئاسة الحكومة وهما إسحق رابين Yitzhak Rabin وإيهود باراك Ehud Barak، وأربعة تولوا وزارة الحرب، واثنان شغلا منصب نائبي رئيس الوزراء، أما أحدهم فعمل وزيراً للزراعة، والبقية تسلموا حقائب وزارية، وعملوا أعضاء كنيست، وعلى الرغم من أنهم قدموا أداء أثار إعجاب الإسرائيليين في النواحي العسكرية القتالية، لكنهم لم يكونوا كذلك في العمل الحزبي والسياسي.[15]

 

هناك جملة فروقات بين الجنرالات الإسرائيليين الذين نجحوا في السياسة في الماضي، وفشل نظرائهم الحاليين، مما قد ينذر بنهاية عصر الجنرالات في السياسة الإسرائيلية، عقب الإعلان عن تقاعد مبكر لأشكنازي، وتأكيد آيزنكوت عدم الانضمام لأي قائمة حزبية، والكشف أن جانتس لن يتجاوز نسبة الحسم في الانتخابات.

 

اللافت أنه قبل عامين نظر الإسرائيليون إلى حزب أزرق – أبيض على أنه البديل الأبرز لنتنياهو، عقب ترؤسه من قادة أركان الجيش السابقين: جانتس، وأشكنازي، وموشيه يعلون، لكنه تراجع بعد عامين فقط في الساحة السياسية، وأعلن أشكنازي أخذ استراحة من السياسة، ولم ترتفع حظوظ جانتس في استطلاعات الرأي، مما قد يؤثر بدوره على حجم اندفاع آيزنكوت نحو الماراثون السياسي الجاري.

 

يظهر إخفاق العسكريين الإسرائيليين في المجال السياسي إلى أي مدى لا يفهمون “الحامض النووي” للسياسات الحزبية في “إسرائيل”، فآخر مهمة شاركوا فيها بحياتهم هي الجيش، على الرغم من أن السؤال يطرح عن سبب نجاح أريل شارون، وإسحق رابين، وإيهود باراك، في المجال السياسي، وحكموا “إسرائيل” عدة سنوات.

 

ربما يحتم التراجع الجاري في حظوظ الجنرالات الإسرائيليين في الممارسة السياسية والحزبية عليهم عدم القفز مباشرة إلى المركزين الأول والثاني في القوائم الانتخابية فور تقاعدهم من الجيش، وإلا سيكون مغامرة سياسية لهم، ولعل الأصوب أن يكونوا في المرتبتين الثالثة والرابعة، صحيح أن هناك عدداً من الدوافع التي تقود في هذا الاتجاه، وتشجع الجنرالات على الانخراط في العمل السياسي والحزبي، لكنه في الوقت ذاته هناك عدد من القيود والكوابح المفروضة عليهم.

 

وإلى أن تنتهي الجولة الانتخابية الحالية، ويتضح فيها حجم انخراط الجنرالات في غمارها، فسوف يكون من الصعب معرفة جدوى إسهامهم في السياسة الإسرائيلية، وما إذا كان الأمر يستحق محاولة إقناع مجموعات أخرى من الجنرالات بالانضمام للمجال السياسي بشكل جماعي.

 

خامساً: استشراف الواقع الحزبي والسياسي الإسرائيلي:

 

يتوافق الإسرائيليون أن الانتخابات المبكرة الرابعة المقبلة، تعني أن نتنياهو في خطر حقيقي، مما يجعله يتعامل معها بطريقة مغايرة تماماً، مع وجود قضايا مختلفة على جدول الأعمال، خصوصاً وأنه يتعرض للهجوم من معسكر اليمين، عقب تحديه من بينيت وساعر، مما يجعله بحاجة إلى تكتيك جديد.[16]

 

في الجولة الانتخابية المقبلة، إذا أتت النتائج في صندوق الاقتراع مماثلة للموجودة في استطلاعات الرأي، فلن يكون نتنياهو صاحب اليد الأقوى، لأن هيكل النظام السياسي الإسرائيلي تغير من ثنائي الكتلة مع نتنياهو من جهة، وزعيم يسار الوسط من جهة أخرى، وأصبح نظاماً مكوناً من أربع كتل حزبية على الأقل، على الرغم من أن نتنياهو ما يزال يحوز كتلة برلمانية من 45 مقعداً.

 

الكتل الانتخابية المنافسة لنتنياهو تشمل ساعر، وبينيت، وليبرمان، ولابيد معاً، وإذا تعاونوا جميعاً، فلن يتمكن من تشكيل حكومة يمينية، بعد إعلان بينيت في الانتخابات السابقة أنه قادر على تشكيل حكومة بديلة لنتنياهو، مع أنه مع بدء العد التنازلي لإجراء الانتخابات الإسرائيلية، تشرع مراكز استطلاعات الرأي بتنظيم العديد منها بين حين وآخر لقياس مدى شعبية وجماهيرية كل حزب، وتقدم أرقاماً ونسباً مئوية قريبة من الدقة بسبب اعتمادها على معايير علمية مهنية.

 

وطالما أن هذا التقدير يصعب عليه حصر جميع الاستطلاعات، وسرد نتائجها، بسبب كثرتها، لكن من الواضح أنها تمنح الأحزاب الجديدة نسباً متقدمة على حساب القائمة أصلاً، وهذا لا يمنع حصول مستجدات مفاجئة، وغير متوقعة، قد تقلب النتائج رأساً على عقب، كما حصل في دورات انتخابية سابقة.

 

ما قد تتفق عليه المحافل الإسرائيلية أننا أمام جولة انتخابية جديدة، مختلفة عن سابقاتها، سواء من حيث القوى المشاركة فيها، كماً ونوعاً، أو طبيعة الائتلاف الذي ستسفر عنه، ومدى تماسكه أو هشاشته، والأهم تأثير هذه الانتخابات الجديدة على إحداث مزيد من التهتك في المجتمع الإسرائيلي، ونشوب المزيد من الأزمات البنيوية التي لم يعرفها الإسرائيليون من قبل، على الأقل وفق آخر تقدير استراتيجي إسرائيلي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي The Institute for National Security Studies (INSS).ا[17]

 

من المؤشرات الجديدة على الانتخابات الإسرائيلية القادمة ما يصفه الإسرائيليون بـ”موت الأيديولوجيا”، وانتشار الفوضى، ويشمل جميع الأحزاب: الليكود، وأزرق – أبيض، وأمل جديد، ويش عتيد (يوجد مستقبل)، والعمل، و”إسرائيل بيتنا”، وشاس Shas، وميرتس Meretz، الجميع متشابهون وغير مبالين، وباتت السياسة الإسرائيلية بلا منصة حقيقية، بل أصبحت مملة، وتحولت مرتعاً خصباً للاضطرابات، وكشفت عن نقاط ضعف وفشل لـ”إسرائيل”.

 

ومن المتوقع أن تحمل الانتخابات الإسرائيلية القادمة مؤشرات جديدة مفادها أن الاضطرابات التي شهدتها “إسرائيل” في عقود سابقة بين معسكرات اليمين والوسط والمتدينين، أو بين اليمين واليسار، وبين الأيديولوجيات المختلفة والمتعارضة والمتضاربة، انتقلت اليوم إلى داخل المعسكر الواحد.[18]

 

يؤكد كل ذلك أن المعركة السياسية اليوم في “إسرائيل” التي ستجد تعبيرها في الانتخابات المقبلة ستكون ذات أبعاد شخصية، والنقاش الوحيد المتبقي هو من سيكون “سائق المركبة”، دون حديث عن السيارة والأمتعة. وبات الوضع الذي تعيشه “إسرائيل” يشبه الرمال المتحركة، وهبطت التطورات المتلاحقة على ساستها مثل العاصفة التي ستجد طريقها في صناديق الاقتراع التي ستفتح في آذار/ مارس 2021.

 

الهوامش:


[1] ماتي توكفيلد، الضغوط تتواصل على الليكود وأزرق – أبيض، صحيفة إسرائيل اليوم، 26/11/2020، انظر: https://www.israelhayom.co.il/article/823795%20 (بالعبرية)


[2] عامي روحكس دومبا، إسرائيل تسعى لـ”سرقة” التطبيع مع السعودية، مجلة يسرائيل ديفينس، 24/11/2020، انظر: https://www.israeldefense.co.il/he/node/46686 (بالعبرية)


[3] موران أزولاي، ساعر يغادر الليكود ويسعى للإطاحة بنتنياهو، صحيفة يديعوت أحرونوت، 8/12/2020، انظر: https://www.ynet.co.il/news/article/ByTyUNpiD#autoplay (بالعبرية)


[4] ماتي توكفيلد، انشقاق ألكين ضربة نموذجية لنتنياهو، إسرائيل اليوم، 25/12/2020، انظر: https://www.israelhayom.co.il/article/833225 (بالعبرية)


[5] أريئيل كالنر، ساعر يفضل إسقاط نتنياهو على كل شيء، موقع ميدا، 3/1/2021، انظر: https://mida.org.il/2021/01/03/%d7%93%d7%a2%d7%94-%d7%aa%d7%99%d7%a7%d7%95%d7%a0%d7%99-%d7%a1%d7%a2%d7%a8-%d7%91%d7%9e%d7%a2%d7%a8%d7%9b%d7%aa-%d7%94%d7%9e%d7%a9%d7%a4%d7%98-%d7%94%d7%9f-%d7%94%d7%91%d7%98%d7%97%d7%95%d7%aa-%d7%9c/ (بالعبرية)


[6] دفنا ليئيل، نتنياهو في خطر حقيقي أمام الانتخابات الرابعة، موقع القناة العبرية 12، 24/12/2020، انظر: https://www.mako.co.il/news-columns/2020_q4/Article-3083ea7db3f8671026.htm (بالعبرية)


[7] تال شاليف، أشكنازي أعلن عدم الترشح في الانتخابات على قائمة أزرق – أبيض، موقع والا العبري، 30/12/2020، انظر: https://elections.walla.co.il/item/3408476 (بالعبرية)


[8] ليئور كينان، حزبا “يمينا” و”أمل جديد” يوقعان اتفاقا ثنائياً، موقع القناة الإسرائيلية 13، 4/1/2021، انظر: https://13news.co.il/item/news/politics/state-policy/bennet-saar-1189454/ (بالعبرية)


[9] أهارون غال-تال، الخطأ الأكبر لنفتالي بينيت، صحيفة مكور ريشون، 6/1/2020، انظر: https://www.makorrishon.co.il/opinion/300767/ (بالعبرية)


[10] حازكي باروخ، لابيد يتفق مع ليبرمان، موقع القناة السابعة، 4/1/2021، انظر: https://www.inn.co.il/news/463147 (بالعبرية)


[11] موران أزولاي، معسكر الوسط واليسار يشهد حملة تسخين مكثفة، يديعوت أحرونوت، 25/12/2020، انظر: https://www.ynet.co.il/news/article/HkyyqvG6v#autoplay%20 (بالعبرية)


[12] إيتمار فلايشمان، فرضيات سموتريتش وتحدياته، إسرائيل اليوم، 5/1/2021، انظر: https://www.israelhayom.co.il/opinion/837227 (بالعبرية)


[13] روني دانيئيل، لماذا يخفق الجنرالات الإسرائيليون في العمل السياسي، صحيفة معاريف، 31/12/2020، انظر: https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-811997 (بالعبرية)


[14] تال شاليف، التوجهات السياسية لكوهين بعد انتهاء ولايته في الموساد، موقع والا العبري، 16/12/2020، انظر: https://news.walla.co.il/item/3405569%20 (بالعبرية)


[15] روعي أورن، إسهام ضباط الجيش الإسرائيلي في العمل الحزبي، موقع نيوز ون، 24/12/2020، انظر: https://www.news1.co.il/Archive/0026-D-145351-00.html (بالعبرية)


[16] يورام يوفال، الفئران تقفز من السفينة: بداية النهاية لنتنياهو، يديعوت أحرونوت، 25/12/2020، انظر: https://www.ynet.co.il/news/article/SyXOAGXpw?utm_source=Taboola_internal&utm_medium=organic (بالعبرية)


[17] إيتاي بارون وعنات كورتس، التقدير الاستراتيجي السنوي الإسرائيلي، موقع معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، جامعة تل أبيب، 2021، انظر: https://www.inss.org.il/he/publication/strategic-survey-israel-2020-2021/ (بالعبرية)


[18] نحمان شاي، موت الأيديولوجيا في إسرائيل، يديعوت أحرونوت، 14/12/2020، انظر: https://www.ynet.co.il/news/article/rJj7400mhD#autoplay%20 (بالعبرية)

 

 

المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2021/1/25

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »