مصلّى باب الرحمة: التطوّرات والمآلات


تاريخ الإضافة الخميس 7 آذار 2019 - 1:04 م    عدد الزيارات 7208    التحميلات 873    القسم أوراق بحثية

        


مصلّى باب الرحمة: التطوّرات والمآلات

إعداد: براءة درزي

إصدار قسم الأبحاث والمعلومات

مؤسسة القدس الدوليّة

7/3/2019

 

مصلّى باب الرحمة: التطوّرات والمآلات

 

مقدّمة

 

تشهد منطقة باب الرحمة منذ 14/2/2019 تطوّرات بدأت من نقطتين متعاقبتين: جلسة مجلس الأوقاف في مبنى باب الرحمة يوم الخميس 14/2/2019، والكشف، مساء 17/2/2019، عن جنزير وقفل وضعهما الاحتلال على البوابة الصغيرة أعلى الدرج المؤدّي إلى مبنى باب الرحمة. وتبيّن أنّ القفل وضعته قوات الاحتلال يوم الجمعة 15/2/2019 كإجراء عقابي يحمل رسائل تحذير للأوقاف بعد جلسة الخميس بأنّ الأوقاف لا يمكن أن تخالف قرارات الاحتلال المتعلقة بالأقصى، وأنّ الوضع القائم هو ما يفرضه الاحتلال، لا ما كان الوضع عليه قبل احتلال الأقصى في حزيران/يونيو 1967، ضمن ما اصطلح على تسميته بالوضع القائم التاريخي.

 

مع تمسك دائرة الأوقاف، مدعومة من الحكومة الأردنية والحراك الجماهيري، بموقفها بالإبقاء على مصلى باب الرحمة مفتوحًا، يقف الاحتلال أمام معضلة يحاول حلّها بالتهديد والتخويف، والضغط على الأردن لإغلاق المصلّى، وفي مقدّمة وسائل الضغط حملة الاعتقالات والإبعاد التي صعّد الاحتلال وتيرتها على خلفية التطوّرات في باب الرحمة، وقد طالت الحملة قيادات مقدسية وأعضاء مجلس الأوقاف في القدس المحتلة، ناهيك عن حراس المسجد، لا سيّما من شاركوا في فتح المصلّى.

 

من الصعب على الاحتلال القبول بالخسارة إن أمكن الإبقاء على مصلى باب الرحمة مفتوحًا، لا سيّما أنّ هذه الخسارة ستدخل في حسابات الانتخابات التشريعية الإسرائيلية المبكرة التي تضيّق في الوقت ذاته هامش التحرّك بالنسبة إلى الاحتلال الواقع حاليًا بين نارين: عدم السماح للمقدسيين بإنجاز انتصار باب الرحمة من جهة، وعدم السّماح بانفجار الوضع الأمني في القدس المحتلّة من جهة أخرى. ولعلّ هذه من عوامل القوّة التي يمكن الاستفادة منها لانتزاع الحقّ في فتح المصلّى والمحافظة عليه.

 

أولاً: تطوّر الأحداث

 

في 14/2/2019، وافق مجلس الوزراء الأردني على إعادة تشكيل مجلس الأوقاف وشؤون المقدّسات الإسلامية في القدس المحتلة، بتركيبة موسعة، وزاد عدد الأعضاء من 11 إلى 18 عضوًا. وعقدت أولى جلسات المجلس الجديد، صباح 14/2، بالنّصاب الكامل للأعضاء، وحضور كلّ من الأمين العام لوزارة الأوقاف وشؤون المقدّسات الأردنية ومنسق عمل المجلس مع الوزارة عبد الله العبادي، والمدير التنفيذي للصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى وصفي كيلاني[1]. وعقدت الجلسة في مبنى باب الرحمة في المسجد الأقصى، واطلع الأعضاء على الوضع الميداني وسمعوا تقييم خبراء الإعمار الهاشمي لحالة الحفاظ على المبنى والحاجة الملحّة إلى ترميمه.

 

في 15/2/2019، وضعت سلطات الاحتلال سلسلة حديدية وقفلاً على البوابة أعلى الدّرج المؤدي إلى مبنى باب الرحمة المغلق بقرار من شرطة الاحتلال منذ عام 2003، وبقرار من محكمة الصلح في عام 2017، بذريعة استعماله من لجنة التراث المحظورة بموجب القانون الإسرائيلي. ولم تكن رسائل القفل والسلسلة خافية بل واضحة وصريحة وموجهة بالدرجة الأولى إلى الأوقاف ومن ورائها الأردن بأنّ الوضع القائم في الأقصى يحدّده الاحتلال، والمجلس الجديد لا يمكنه التفكير أو الإقدام على أيّ خطوة لاستعادة الوضع القائم التاريخي، الذي تعدّ الوصاية الأردنية على الأقصى أبرز ركائزه.

 

مساء 17/2/2019، خرج إلى الإعلام خبر القفل والسلسلة على بوابة مبنى الرحمة، وبدأت ردة الفعل على الخطوة الإسرائيليّة في 18/2/2019، إذ صلّى المقدسيون صلاة الظهر في منطقة باب الرحمة، وخلع عدد من الشبان البوابة فيما اشتبك عدد منهم مع قوات الاحتلال. وتحوّلت منطقة باب الرحمة إلى نقطة تجمع ورباط حرص عدد من المقدسيين على أداء الصلاة فيها، فتحوّلت إلى نقطة مواجهة في المسجد.

 

ومع تعنّت الاحتلال، وجهت دعوات مقدسية إلى الاعتصام في باب الرحمة بالأقصى على مدار يوم 19/2/2019، وفي محاولة لتهدئة الوضع ونزع فتيل الأزمة، أعادت الأوقاف القفل على البوابة في 19/2/2019، وأعلن مسؤولون من الأوقاف أنّ "الأمور عادت إلى ما كانت عليه"، أي استبدل قفل الأوقاف بقفل الاحتلال الذي وضع قبل أيام، ما يعني إنفاذ قرار الاحتلال منذ عام 2003 بإقفال مبنى باب الرحمة ومنع المسلمين من الدخول إليه والصلاة فيه.

 

لكنّ المقدسيّين وجدوا في التّطورات فرصة لكسر كلّ الأقفال، فالخلاف "ليس على جنسيّة القفل أو اليد التي وضعته" بل على وجود القفل في المقام الأول، ومنع الصلاة في مصلى باب الرحمة، وهو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى، أي أنّه خاضع للوصاية الأردنية، لا لسيادة الاحتلال. وحوّل الشبان منطقة باب الرحمة إلى ساحة رباط ونقطة مواجهة، وحرصوا على أداء الصلاة وإقامة الدعاء فيه مساء 19/2، فاعتدت عليهم قوات الاحتلال وأوقعت إصابات استدعت نقلها إلى المستشفى، واعتقلت عددًا منهم في محاولة لمنع استمرار الرباط في منطقة باب الرحمة. لكنّ إرادة كسر قرار الاحتلال حول مبنى باب الرحمة كانت أقوى وأصلب، واستمرّ وصول الجموع إلى المنطقة يوم 20/2 لتأدية الصلاة فيها، وهو إصرار حمل مجلس الأوقاف على إصدار بيان رفض إجراءات الاحتلال والقيود التي فرضها على حرية العبادة والصلاة في مصلى باب الرحمة، وأعلن عن تكليف المستشار القانوني إبلاغ سلطات الاحتلال بقرار المجلس بأنّه لن يتوانى عن القيام بمسؤولياته في ترميم مصلى باب الرحمة والصلاة فيه، وأن المسجد الأقصى بجميع ساحاته ومرافقه ومصلياته فوق الأرض وتحت الأرض بما فيه مصلى باب الرحمة هو حقّ خالص لجميع المسلمين في العالم، ولا يقبل الشراكة وليس لغير المسلمين أي حق فيه، ولا يسري ولا يجوز أن ينطبق عليه أيّ قانون غير القانون الإسلامي[2].

 

فتح مصلى باب الرحمة يوم الجمعة 22/2/2019 ليشهد أول صلاة جمعة بعد 16 عامًا من إغلاقه، وأعاد مشهد الجموع التي احتشدت للصلاة المشهد الذي شهده الأقصى في هبّة باب الأسباط في تموز/يوليو 2017، وكلا المشهدين تداعت أمامهما مزاعم الاحتلال حول السيادة الإسرائيلية على الأقصى، وفرضا على الاحتلال تراجعًا أمام إرادة الجموع المقدسية. ولعّل تكرار هزيمته في المسجد، التي تضاف إلى هزائمه على المستوى العسكري في لبنان وغزّة، ستجعل الاحتلال أكثر إصرارًا هذه المرة على محاولة إعادة الوضع إلى ما فرضه عام 2003.

 

يكن دخول المصلين إلى مصلى باب الرحمة وأداء الصلاة في قاعاته خاتمة التطورات في باب الرحمة، بل بداية معركة جديدة للمحافظة على النصر الذي تحقّق. ومع عجز الاحتلال عن فرض كلمته وإقناع الأردن بإعادة إغلاق باب المصلّى، فقد شنّ حملة اعتقالات وإبعاد عن الأقصى بحقّ حرّاسه، لا سيما من شاركوا في فتح مصلى باب الرحمة، وترواحت مدد الإبعاد بين أسبوع وستة أشهر. كذلك اعتقل الاحتلال كلًّاً من الشيخ عبد العظيم سلهب، رئيس مجلس الأوقاف في القدس، ونائب مدير الأوقاف في القدس الدكتور ناجح بكيرات، وقد أصدرت الشرطة قرارات بإبعادهما مدة 40 يومًا وأربعة أشهر على التوالي[3]. وتجاوز عدد اعتقلين والمبعدين عن الأقصى منذ فتح المقدسيون مصلى باب الرحمة في 22 شباط/فبراير 300 معتقل ومبعد.

 

 

ثانيًا: الموقف الإسرائيلي

 

حاول الاحتلال تضليل المقدسيّين عبر تأكيد "إعادة الوضع القائم" وإعادة الوضع إلى ما كان عليه، وحقيقة الأمر أنّ الوضع القائم في مصلى باب الرّحمة هو الوضع الذي كان معمولاً به قبل عام 2003 عندما أغلق الاحتلال المبنى وحظر على المسلمين دخوله والصلاة فيه بذريعة استعماله من لجنة التراث التي حظرتها سلطات الاحتلال بموجب القانون الإسرائيلي. والوضع القائم الذي يتمسّك به الاحتلال يناسب التعريف الذي فرضه منذ عام 2003، بما يسمح له بالإمساك بزمام المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى التي يحضّر لها لتكون منطلقًا لتنفيذ مخطّط التقسيم المكاني للمسجد، وهو ما بات ملحوظًا بوضوح مع تصاعد استهداف المنطقة الشرقية، بما فيها الساحات، ومقبرة باب الرحمة المتاخمة لباب الرحمة من الخارج، وذلك عبر منع المسلمين من الوجود في المنطقة بالتزامن مع اقتحامات المستوطنين لها، والسماح لهم بأداء الصلوات التلمودية فيها، ومنع الحراس من الاقتراب من المستوطنين لمنعهم من تأدية الطقوس التلمودية، ومحاولة منع المسلمين من ترميم المقبرة، وغير ذلك من الممارسات والاعتداءات على الوضع التاريخي القائم.

 

لكن رياح وعي المقدسيين سارت بعكس ما اشتهت طموحات الاحتلال، وجاء تمسّكهم بالوضع القائم التاريخي وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2003 ليحبط محاولات التضليل والتعمية. وأمام الإصرار المقدسي، حاولت الأجهزة الأمنية التابعة للاحتلال تخدير التحركات الشعبية ووأدها قبل أن تجتمع لأداء صلاة الجمعة في مصلى باب الرحمة، فوزّعت مخابرات الاحتلال في هواتف المقدسيين رسالة حملت بعدًا شرعيًا، في غير محلّه، وتطمينات بالتسهيلات التي سيقدّمها الاحتلال في شهر رمضان. ونصت الرسالة: "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فالمسجد الأقصى كما تعلمون هو ثالث الحرمين وكما قال الرسول تشد الرحال لثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا فشد الرحال للعبادة وليس لإثارة الفتن الفتنة أكبر من القتل البقرة آية 217 ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ونحن على أبواب شهر الخير والبركة وبإذن الله ستحلّ كل العقبات وسيكون هناك تسهيلات خلال هذا الشهر الفضيل نحن نعمل كل جهدنا لحل كل المشاكل بطريقة حضارية ودون أي عنف ونحافظ معًا على قدسية هذه الأماكن المقدسة فليكن شعارنا احترام الأديان واحترام متبادل من كل الأطراف".

 

لكن هذه المحاولة لم تكن "موفقة"، ولعلّها أعطت دافعًا للمقدسيين للمضيّ في ما بدأوه، من دون أن يلينوا أو يتراجعوا. وأمام التفاف المقدسيّن على الأوقاف وتكامل الأدوار بين الجانبين، صعّد الاحتلال من حملات الاعتقال التي استهدفت حراس المسجد، وهؤلاء لم يكونوا قبل هبّة باب الرحمة خارج دائرة الاستهداف بالاعتقال والإبعاد. لكن هذه المرة، الاعتقالات لها عدة دلالات: الضغط على الأردن للتراجع، والضغط على الحراس لتخويفهم وحملهم على التراجع عن فتح المصلى، علاوة على امتصاص غضب نشطاء "المعبد" وإحباطهم من تطورات باب الرحمة، التي وصفها أحد هؤلاء النشطاء بالقول: ضاع جهد ثلاث سنوات في يوم واحد. ونقل موقع "كان" العبري، في 3/3/2019، عن مصادر سياسية قولها إنّ رئيس حكومة الاحتلال أصدر توجيهاته بعدم السماح بتحويل مبنى باب الرحمة إلى مصلّى، فيما أصدر وزير الأمن الداخلي توجيهاته إلى الشرطة بإخلاء المصلى من محتوياته بما يشمل المعدات والسجاد المستخدم في الصلاة. وسواء صحّ هذا الخبر أو لا، فإنّ الموقف الإسرائيلي يحاول استيعاب التطورات، والتّوصل إلى اتفاق مع الأردن والأوقاف من دون الاضطرار إلى تصعيد الأمور في اتّجاهات يمكن أن تخرج عن السيطرة.

 

وما بين المحاولات السياسية والأمنية، دخلت محاكم الاحتلال على خطّ التطورات فأمهلت، مساء 4/3/2019، مجلس الأوقاف أسبوعًا للردّ على طلب سلطات الاحتلال إغلاق مصلى باب الرحمة، وهددت المحكمة بأنه إذا لم يستجب المجلس في غضون أسبوع فإنها ستصدر أمر إغلاق المصلى[4].

 

وإزاء خطورة التّطور بالنسبة إلى جماعات "المعبد"، عقد "اتحاد منظمات المعبد" اجتماعًا في 3/3/2019، لمناقشة سبل التّصعيد في وجه فتح مصلى باب الرحمة، وختم الاجتماع بأربعة قرارات: تنفيذ اقتحام كبير وحاشد للأقصى يوم الخميس 7/3/2019، وإعلان هذه الجماعات عن عزمها إقامة كنيس في مصلى باب الرحمة، وتنظيم تظاهرة ضخمة يوم الخميس 21/3/2019، من ميدان سفرا إلى باب الرحمة، للمطالبة بطرد الأوقاف من المسجد وإعلان السيادة التامة على الأقصى، والإعلان أنّ شرط دخول أي من نشطاء هذه الجماعات في تحالف قادم بعد انتخابات "الكنيست" هو التزام حكومة الاحتلال بفرض صلاة اليهود العلنية في الأقصى[5].

 

ثانيًا: الحكومة الأردنية والأوقاف

 

فتح مجلس الأوقاف بالاجتماع الذي عقده في مصلى باب الرحمة المجال أمام معركة استعادة الوضع القائم التاريخي في المبنى، الذي ينصّ على أنّ المبنى مفتوح لصلاة المسلمين. وعلى الرّغم من أنّ الأوقاف حاولت سحب فتيل الأزمة بإعلانها تركيب قفل جديد مكان القفل الذي وضعه الاحتلال، إلّا أنّها عادت لتصيغ موقفها على وقع ما طالب به المقدسيون من ضرورة استعادة مبنى الرحمة وإخراجه من ربقة القرار الإسرائيلي بإغلاق المبنى منذ عام 2003، وهو القرار الذي بيّن المحامون الذين تابعوا اعتقالات الحراس أنّه لا ينص أساسًا على إغلاق المصلى[6]، وقد أصدرت دائرة الأوقاف في 26/2/2019 بيانًا أوضحت فيه لـماذا لم تكتشف أوقاف القدس منذ 16 عامًا أنه لا يوجد أمر قانوني يمنع على الأوقاف استخدام باب الرّحمة وفتحه[7].

 

صدرت بيانات متوالية عن مجلس الأوقاف تؤكّد أنّ باب الرحمة لن يغلق، منها بيان في 24/2/2019 أكّد أنّ المجلس في حالة انعقاد دائم ومستمر من أجل متابعة الأحداث والتّطورات وتأكيد التمسّك بقراره الإبقاء على مبنى مصلى باب الرحمة مفتوحًا وعدم الاعتراف بأيّ قرار من جانب سلطات الاحتلال يتعلّق بالمسجد الأقصى[8]. وأعلن المجلس بعد الاجتماع الطّارئ الذي عقده في 5/3/2019 لبحث طلب سلطات الاحتلال الإسرائيلي إغلاق مصلى باب الرحمة، أنّه لن يمتثل لأمر محكمة تابعة للاحتلال الإسرائيلي بإغلاق باب الرحمة، وقال الشيخ عبد العظيم سلهب، رئيس المجلس، في تصريحات صحفية إنّ المجلس لا يعترف بالمحاكم الإسرائيلية وقراراتها مؤكّدًا أنّ مصلى باب الرحمة سيبقى مفتوحًا أمام المصلين كأي جزء من الأقصى، وأشار أيضًا إلى أنّ المصلى بحاجة إلى ترميم، وطالب شرطة الاحتلال بعدم إعاقة إدخال المواد اللازمة لذلك[9].

 

هذا الموقف الذي تمسّك به مجلس الأوقاف يأتي مدعومًا على المستوى الحكومي من عبد الناصر أبو البصل، وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردني، الذي قال في 3/3/2019، إنّ "باب الرحمة لا يقبل التفاوض ولا التقسيم ولا التنازل"، ورفض قرار الإبعاد الصادر بحقّ الشيخ سلهب والمضايقات التي يتعرّض لها أعضاء مجلس الأوقاف من قبل الاحتلال[10]. وكان الوزير أبو البصل وجّه دائرة أوقاف القدس، في 25/2/2019، لدراسة ما يناسب لاستخدام مبنى باب الرحمة، وطلب إلى مدير عام أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى اتخاذ القرار لأنسب أوجه استخدام مبنى باب الرحمة بهدف فتحه على الدوام كمكتبة وقفية ومقر لاجتماعات مجلس الأوقاف ومقر لوقفية الملك عبد الله الثاني بن الحسين إضافة إلى إقامة صلاة الجماعة فيه[11].

 

وعبّر عن الموقف ذاته وزير الخارجية أيمن الصفدي في كلمة المملكة الأردنية بالدورة السادسة والأربعين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، في 2/3/2019، إذ قال إنّ "الأردن سيظل يكرس كل إمكاناته للحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في الأماكن المقدسة، ولضمان احترام إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بموجب القانون الدولي، لالتزاماتها ولضمان سلامة المصلين وسلامة المكان، وعدم المساس بحرية دخولهم الحرم والخروج منه، وإبقاء بوابات الحرم الشريف، بما فيها باب الرحمة، مفتوحة".

 

ثالثًا: إلى أين تتّجه الأمور؟

 

يبدو أنّ سلطات الاحتلال عالقة بين فكّي كماشة: فمن جهة أولى مزاعمها حول السيادة الإسرائيلية على المحك، مثلما كان الوضع عليه في هبة باب الأسباط حيث انتهى الأمر على إثبات السيادة للمقدسيّين، واليوم تكاملت إرادة الجماهير مع موقف الأوقاف في مواجهة "السيادة" الإسرائيلية، وإلى الآن لا تزال الغلبة للجماهير والأوقاف؛ ومن جهة أخرى، فإنّ محاولة إغلاق باب الرحمة بالعنف ستقلب الوضع الأمني في القدس وتشكّل بيئة خصبة لعودة قويّة للمواجهات والعمليات الفدائية. ووفقًا لأليئور ليفي، المحلل في "يديعوت أحرونوت"، فإنّه في ظلّ انصباب الاهتمام الإسرائيلي على الانتخابات الداخلية القريبة، ثمة تدحرج خطير للسياسات والاعتداءات الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين سيؤدّي إلى انفجار وتصعيد خطير؛ وفي القدس المحتلّة تتخوّف سلطات الاحتلال من إعادة إغلاق مصلى باب الرحمة، خصوصًا في ظلّ التوتر الفلسطيني حوله واستمرار فتحه والرباط فيه[12].

 

وما بين خسارة الاحتلال في معركة السيادة والوضع القائم، وخوفه من انفجار الوضع الأمني في القدس عشية الانتخابات التشريعية في حال اتّخاذ قرار متهوّر وعدم تقبل الخسارة يحاول الاحتلال المناورة وإدخال الأوقاف في معركة قانونية مع سلطات الاحتلال، وإخضاعها للقوانين والمحاكم الإسرائيلية، والضغط على الحكومة الأردنية، في محاولة لتحصيل أكبر مكسب بأقل الخسائر، وإغلاق مبنى باب الرحمة بموافقة الأوقاف والأردن ومنع استعماله كمصلّى. ويمكن القول، إنّ احتمالات لجوء الاحتلال إلى العنف لإغلاق المصلى ومنع المسلمين من الصلاة فيه تتضاءل في ظلّ حسابات مصلحة الاحتلال في عدم انفجار الوضع الأمني، لا سيّما أنّ الأجهزة الأمنية تحذّر من هذا الانفجار، وتوصي بعدم استعمال العنف والاكتفاء باعتقال الحراس. وفي ضوء ذلك، ستحرص سلطات الاحتلال على منع أي احتكاك بين المستوطنين والمسلمين، أي ستّتجه إلى منع التظاهرات التي دعت إليها جماعات "المعبد" يومي 7/3 و21/3/2019 على خلفية التطورات في باب الرحمة. وفي الوقت ذاته، سيحاول الاحتلال الالتفاف على دعوات النفير التي وجهت إلى المقدسيين للرباط في الأقصى، لا سيما باب الرحمة، يوم 8/3/2019 في ما سمي بجمعة كسر الإبعاد التي تأتي في سياق الاستجابة لنداء حراس الأقصى الذين دعوا إلى التضامن معهم في وجه قرارات إبعادهم عن المسجد. و"الحل" الذي سيقرره الاحتلال سيمليه موقف الجماهير والالتفاف الشعبي حول نصر هبة باب الرحمة، وثبات الأردن على الموقف الذي عبّرت عنه الأوقاف وعدم الرضوخ للضغوط الإسرائيلية.

 

توصيات:

 

  • إنّ النصر في باب الرحمة صنعته بالدرجة الأولى الجماهير المقدسية والحراس والأوقاف، والمحافظة على هذا النصر منوطة بالدرجة الأولى بهم، وقد أثبتوا إلى الآن وعيًا بمخططات الاحتلال في ما يتعلق بباب الرحمة، وتصدوا لها، من دون أن يعفي ذلك كل المعنيين بمعركة الأقصى من مسؤولياتهم. ومن المهمّ في هذا السياق:
  • تمسّك الأردن بموقفه من الوضع القائم التاريخي في مصلى باب الرحمة، وعدم الخضوع للضغوطات الإسرائيلية أيًا تكن، لا سيّما أن ميزان القوى يميل لغير المصلحة الإسرائيلية. وجهود الأردن مطلوبة للدفاع عن موظفي الأقصى وحمايته من سياسات الإبعاد والاعتقال التعسفيّة.
  • عدم السماح للاحتلال بالالتفاف على النصر في هبة باب الرحمة عبر أنصاف حلول، أو محاولة العودة إلى باب الرحمة من أي باب خلفي، فالأقصى ومصلى باب الرحمة خاضع للوصاية الأردنية، وليس لقوانين الاحتلال.
  • تكاتف الأوقاف والجماهير أثبت قوّته في مواجهة مخططات الاحتلال، ويمكن البناء عليه في المرحلة القادمة.
  • توفير الدعم والإسناد لحراس الأقصى، وعدم السماح للاحتلال بالتّفرّد بهم عبر سياسة الإبعاد عن الأقصى.
  • نصر هبة باب الرحمة رسالة قوية في مواجهة "خطة السلام" الأمريكية بأنّ الأقصى غير قابل للصفقات والتنازلات، ومن المهمّ التمسّك به والبناء عليه كمنطلق لإحباط أي مخططات تعدّ لطمس القضية الفلسطينية.
  • الإسناد الخارجي للمقدسيين على مختلف المستويات وفي كلّ الوسائل المتاحة.

 

الهوامش:

[1] روسيا اليوم، 14/2/2019. https://ar.rt.com/lgku

[2] وكالة بيت المقدس للأنباء، 20/20/2019. https://tinyurl.com/y24cjysf

[3] وكالة بيت المقدس للأنباء، 3/3/2019. https://tinyurl.com/y2auysll

[4] الجزيرة، 4/3/2019. https://tinyurl.com/yx8ze45w

[5] وكالة بيت المقدس للأنباء، 4/3/2019. https://tinyurl.com/yxmt6gzm

[6] وكالة بيت المقدس للأنباء، 24/2/2019. https://tinyurl.com/yy9q4wx9

[7] نص البيان على صفحة دائرة الأوقاف الإسلامية على موقع فيسبوك: https://tinyurl.com/y4b2x73m

[8] نص بيان مجلس الأوقاف في 24/2/2019 على صفحة دائرة الأوقاف الإسلامية على موقع فيسبوك: https://tinyurl.com/y6lxb5fn

[9] الجزيرة، 5/3/2019. https://tinyurl.com/y2up9mpx

[10] الغد، 3/3/2019. https://tinyurl.com/y69xu4kc

[11] السبيل، 25/2/2019. http://assabeel.net/373835

[12] يديعوت أحرونوت مترجم في شبكة قدس الإخبارية، 5/3/2019. https://qudsn.co/post/165685

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »