قانون أملاك الغائبين من أجل التزوير والتهويد
تُعَدّ مدينة القدس بكلّ ما فيها آثارًا تاريخية للمسلمين والمسيحيين، وتضمّ إلى جانب المساجد والكنائس والأديرة مدارس ومنازل وقبابا وأسبلة، وأهمّ آثارها هو المسجد الأقصى الذي بُنِي قبل الميلاد بأكثر من ألفيْ سنة، وهو ثاني مكانٍ للعبادة بعد المسجد الحرام في مكة. والقدس هي أكثر الأماكن قدسيّة عند المسيحيين، ولهم فيها كنيسة القيامة التي بنيت في القرن الرابع الميلادي، أما عند المسلمين فهي مسرى الرسول وأولى القبلتين، ولا يوجد لليهود أي دليل تاريخي أو أثري يثبت أنه كان لليهود وجود في هذه المدينة، فهم يسعون ومنذ سنوات عديدة للبحث عن أدلة أو أثار تربطهم بهذه المدينة، فمنذ أنْ وضع قادة الحركة الصهيونية مدينة القدس في بؤرة تطلعاتهم التوسعية، تزاحمت الأساطير الصهيونية والقصص لتربط مسعى إقامة وطن قومي لليهود بالعودة إلى "أرض الميعاد" ، واتّخاذ جبل "صهيون" الذي يشرف على مدينة القدس رمزاً لهذه العودة . وكانت تسمية الحركة الصهيونية ذاتها لتعزيز آليات الإشباع العقائدي في رؤوس المستوطنين اليهود في فلسطين.
فقد استخدم الصهاينة الحفريات والاستيطان لزرع أدلة لهم داخل هذه المدينة، وذلك لتزوير التاريخ والجغرافيا بما يثبت أنّ لهم وجوداً في هذه المدينة، وقد استخدموا الكثير من الوسائل، والتي منها سحب هويات المقدسين وتزوير وثائق الملكية للاستيلاء على البيوت والممتلكات وقد استغلت في ذلك قانون أملاك الغائبين، وبموجب هذا القانون، فإنّ الفلسطينيين الذين يسكنون في الضفة الغربية سيفقدون ملكيّتهم لأراضيهم في القدس المحتلة باعتبارهم غائبين، وتُقدّر الأراضي التي ستُسلب إذا ما تم تفعيل هذا القانون بآلاف الدونمات.
فقد كشفت مصادر صحافية "إسرائيلية" النقاب عن اتخاذ الحكومة "الإسرائيلية" قراراً يقضي بتطبيق قانون أملاك الغائبين في القدس الشرقية، ليشمل الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية، الأمر الذي يعني فقدانهم لممتلكاتهم داخل حدود المدينة المحتلة، حيث ينصّ أحد بنود القانون العنصري، المسمى "قانون أملاك الغائبين"، على أنّ أملاك كلّ من يعيش في "أرض (إسرائيل)" حسب نص القانون أي فلسطين التاريخية، ولا يعيش ضمن دولة الاحتلال، بمعنى حيث لا يسري القانون "الإسرائيلي"، في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، فإنّ أملاكه ستعتبر أملاك غائبين، وتكون تحت تصرف «حارس الأملاك»، الذي ينقلها بدوره لأملاك "الدولة". وحسب القانون لا يحقّ للمتضرر التوجه للقضاء أو حتى المطالبة بتعويضه عن أرضه التي صودرت منه عنوةً، ومعنى القرار هو أنّ آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية سيفقدون ملكيّتهم على أملاكهم في القدس الشرقية. وتُقدّر مصادر حكومية بأنّ الحديث يدور عن آلاف الدونمات. وحسب تقديرات أخرى، فإنّ نحو نصف الأملاك في شرقي المدينة هي فلسطينية. قرار الحكومة اتُّخِذ في تموز 2004، للمصادقة على قرار اتخذته اللجنة الوزارية لشؤون القدس في حزيران من ذات السنة.
وفي هذه الأيام تعتزم وزارة الإسكان "الإسرائيلية" بناء أكثر من ألف وحدة استيطانية سكنية في أحياء جديدة في جبل أبو غنيم، من خلال تطبيق قانون "أملاك الغائبين" الذي فُرِض على المناطق المحتلة عام 1948 بعد سنتين من احتلالها، أيْ عام 1950، وذلك استكمالاً لمخطط التزوير والتغيير الذي تنتهجه الحكومات الصهيونية المتعاقبة منذ عشرات السنين، وذلك من أجل الوصول إلى لحظة تهويد مدينة القدس بشكل كامل.
وإزاء كلّ ما سبق؛ كان يتمّ التشديد على موقع المدينة المقدسة كجزءٍ من المشروع الصهيوني، ابتداءً بديفيد بن غوريون وهو القائل "لا معنى لـ (إسرائيل) بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل"، وبالتالي استخدموا جميع الوسائل والحِيَل من أجل تهويد القدس، مستغلين بذلك أملاك الغائبين. أمّا الفلسطينيّون والعرب والمسلمون ككلّ؛ فقد فهموا مغزى التطلّع إلى الهيكل المزعوم الذي كان يعني بكلّ بساطة محو التاريخ العربي والإسلامي للمدينة، واستهداف الحرم القدسي بما لا يمكن استبعاده من الفظائع والجرائم الصهيونية، ولكن دون بذل الجهد اللازم من أجل حماية المدينة وسكانها من التهويد وسقوطها في يد الصهاينة.