اغتيال المؤسسات المقدسية
المخطّطات "الإسرائيلية" في القدس خطيرة جداً، وتسعى بكلّ قوةٍ وجُهدٍ إلى طمس معالم المدينة العربية، وتحاول جاهدةً تغيير طابعها ومعالمها ووجهها الحضاري والقومي العربي، وسيظلّ الأمر كذلك إلى أنْ يتمّ ابتلاع مدينة القدس بأكملها، وحقيقة الأمر أنّ القدس تضيع بأيدينا وأصبح الصراع عليها في سباقٍ مع الزمن وخصوصاً في ظلّ وجود فتنةٍ داخلية بين الفلسطينيين أنفسهم.
وقد أساءت هذه الخلافات الداخلية كثيراً للقضية الفلسطينية بكلّ ما فيها من معنى وأوجدت هذه الظروف كثيراً من المتسلّقين والمتعاونين محاولين تبييض صفحاتهم على حساب الآخرين العاملين بجهدٍ وإخلاص للوطن والقدس والقضية.
إنّ ما جرى للمؤسسات المقدسية على وجه الخصوص والمقدسيّين على وجه العموم من هجرةٍ إلى خارج المدينة لأسباب متنوّعة ومختلفة؛ منها التمويل والإغلاق القسريّ من قِبَل سلطات الاحتلال والبحث عن لقمة العيش...الخ من أسبابٍ كثيرة وما حصل؛ كان مخطّطاً "إسرائيلياً" جهنمياً يسعى لتفريغ القدس من سكانها وأهلها ومؤسساتها لتصبح مهيأة في المستقبل أنْ تكون مدينة "إسرائيلية" موحّدة بامتياز لأنّنا في النهاية إنْ فاوضنا على القدس لن نجِدَ ما نفاوض عليه، فالأرض مهوّدة والسكان مهجّرون والمؤسسات رحلت إلى خارج المدينة، ومنها ما أُغلِق لعدة أسبابٍ أهمّها نقص التمويل والخلافات الداخلية والمناكفات بين المؤسسات والمواطنين حيث انتقلت عدوى التشرذم والخلافات من الأحزاب إلى المؤسسات، وبينما ينادي الجميع بالحفاظ على القدس ومؤسساتها من خلال المهرجانات والخطابات والمؤتمرات والندوات نرى هنالك فئةً همّها الوحيد زرع الفتنة وإذاعة الإشاعات واستغلال الانفلات الأمنيّ الحاصل في القدس لعدم وجود سلطةٍ حقيقية فيها محاولةً القضاء على ما تبقّى عربياً في هذه المدينة المقدسة، ناهيك عن التّجار والسماسرة الذين استعدّوا لبيع ضمائرهم مقابل حفنةٍ من المال والعمل على تزوير الحقائق ونزع الملكيات وما إلى ذلك من أمورٍ مخزية تعيب كلّ من يتعامل بها، وللأسف أنّ محاولات البعض بزجّ الكثير من الأسماء الشريفة في بياناتٍ ملفتة وباتفاقيات مشبوهة من الاحتلال "الإسرائيلي" للنيل من كلّ الأفراد والمؤسسات ومحاولة إغلاق ما تبقّى منها في القدس أو حملها إلى الهجرة إلى الخارج، وللأسف أنّ السلطة الوطنية الفلسطينية مدركةٌ لكلّ هذه الأمور ولكنّها لا تفعل شيئاً وتقف عاجزةً لأنّ هنالك من المتنفّذين متورّطون في بعض القضايا، والحقيقة الدامغة أن استغلال الخلافات الفلسطينية الداخلية ليس فقط من الاحتلال "الإسرائيلي"، بل من نفسيات مريضة عفنة أساءت لشعبنا وقضيته مما أدّى إلى التراجع الكبير في التعاطف والتعاضد مع قضية شعبنا وعدالتها ولأنّ الوقت كالسيف إنْ لم نقطعه قطعنا، هنا على الجميع العمل بكلّ الوسائل على إنهاء الخلاف الداخليّ بين الأحزاب وأنْ يكون همّنا إعادة الوحدة واللحمة الوطنية، لهذا الشعب الذي أُنْهِك من التضحيات وتقديم الشهداء والجرحى والأسرى المتحمّل الصابر الصامد على كلّ ويلات الاحتلال من تجريف وتقتيل وهدم ومصادرة كلّ الحقوق الإنسانية والسماوية التي منحها الله لعباده. فكفاكم خفافيش الليل من صبّ الزيت على النار واتّقوا الله في أولادكم وأنفسكم وأوطانكم ولإنْ نامت عين البشر فعين الله ساهرة لا تنام وهو أعلم بعباده.
إنّ إغلاق أيّ مؤسسةٍ أو ترحيل عائلة أو فردٍ من القدس والمساهمة بأيّ شكلٍ من الأشكال في ذلك هو جريمة ضدّ الشعب الفلسطيني بأكمله. وهذا ليس اتهاماً بل هو تفسيرٌ لكلّ فعلٍ من هذه الأفعال.
جميعاً نقول إنّ "إسرائيل" وحدها هي المسؤولة عن كلّ المشكلات التي يعاني منها الشعب الفلسطيني وهي الوحيدة التي تتحمّل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن ذلك، لكن الخطيئة والجريمة الكبرى هي لكلّ من يساعد الاحتلال على ذلك سواءً بقصدٍ أو بغير قصد.
الأمل أنْ تكون العبرة من هذا قد وصلت لأصحابها لأنّ القدس ستبقى هي السبب المتكرّر لإفشال أي اتفاقية "سلام" أو غيره بغضّ النظر عن مدى نجاح هذه الاتفاقيات من خلال التصالح بين طرفيْ الصراع الفلسطيني-"الإسرائيلي". فإنكار "إسرائيل" بأنّ القدس عربية فلسطينية هو السبب الرئيسي لانهيار أي اتفاقية "سلام" سابقة ولاحقة.
إنّ النزاعات والمشاعر الانتقامية والعدائية لدى البعض داخل البيت الواحد سيعجّل باغتيال الأفراد والمؤسسات والوطن بأكمله، وهذه جريمة. الفتنة ونقل الإشاعات هي الجريمة الوحيدة التي يكون حُكّامها الجماهير والتاريخ. الأمل الوحيد لنا ولبقاء ما تبقّى من مؤسسات مقدسية والحفاظ عليها عربية في ظلّ الهجمة الوحشية "الإسرائيلية" واستمرارها هو المحافظة على أخلاقنا ووحدتنا ونضالنا ضدّ الاحتلال وأنْ نتطوّر إيجابياً من خلال سياسة واستراتيجية مدروسة ومواصلة الجهود لوضع قضية القدس في مركز اهتمام العالم ووعيه بدلاً من الانتباه إلى العمليات الكيديّة والمناكفات التي ستصيب الكلّ بالخسارة، فلا بدّ لنا جميعاً نحن محبّي هذه الأرض والقدس بأنْ نعمل لإيقاف ارتكاب جرائم اغتيال الأرض والقدس مؤسساتٍ وأفراداً قبل أنْ يفوت الأوان.