عملية القدس
وجّهت العملية البطولية النوعية الجريئة التي نفّذتها المقاومة الإسلامية في المعهد التلمودي «مركاز هارف»، عدداً من الرسائل المكتوبة بالدم الطاهر الزكي للشهيد علاء هشام أبودهيم.
أبرز هذه الرسائل أنّ الأمن "الإسرائيلي" لا يمكن أنْ يتحقّق من خلال الجدران العنصرية العازلة، أو اقتراف الجرائم الإرهابية وأساليب الإبادة الجماعية والحرب المفتوحة وإهراق دم الأطفال والنساء الأبرياء التي تقترفها حكومة العدو الصهيوني، بل بالرضوخ لمنطق الحق والعدالة، والاعتراف الكامل وغير المشروط بالحقوق التاريخية الكاملة للشعب الفلسطيني على ترابه الوطني.
الرسالة الثانية يمكن قراءتها بعيون الصهيونية، والتي عبّر عنها فايتان هابر -مدير مكتب رئيس الوزراء "الإسرائيلي" الأسبق إسحاق رابين- بوصفه لاستهداف ذلك المعهد بالقول: «كي يثبتوا أنّ بوسع رجالهم التسلّل إلى لبّ لباب معقل المستوطنين وغوش إيمونيم -الحركة الاستيطانية الأكثر تطرفاً- ممّن يُعتَبرون في نظر (الإرهابيين) -المقاومين- رأس الحربة ضدهم»، فـ"إسرائيل" التي سارعت في وتيرة الاستيطان بعد مؤتمر أنابوليس وفي ظلّ صمتٍ عربي، كان لا بدّ للمقاومة منْ أنْ تحذّرها من استمرار عقلية الاستيطان الصهيونية وبأنّها لنْ تكون دون ثمن، بل إنّ فاتورتها ستكون أبهظ مما يمكن أنْ تتحمّله "إسرائيل"، فوجّهت عمليّتها إلى المركز الذي يخرّج عتاة المستوطنين العنصريين، ويهيمن على عقلية جيش العدوان الصهيوني وعلى السياسة "الإسرائيلية"، وهو ما عبّر عنه الصحافي الصهيوني بن حاييم بوصفه للمعهد بأنّه «إحدى المؤسسات التعليمية ذات النفوذ الأكبر على "إسرائيل" بعد عام 1967».
أمّا الرسالة الثالثة فهي التأكيد على أنّ قوى مشروع المقاومة الفلسطينية في المنطقة وبالذات المقاومة اللبنانية وثيقة الارتباط في مواجهة المشروع الأمريكي-الصهيوني، وأنّ مشروع المقاومة في حالة تطوّرٍ نوعيّ قادر على تحقيق «توازن الرعب»، مع الهجمة العنصرية التي تتعرّض لها المنطقة، والشعب الفلسطيني بشكلٍ خاص. وجاءت العملية في مرحلةٍ تغوّلت فيها الذهنية الأمريكية-الصهيونية العنصرية ضدّ المسلمين وهو ما عبّر عنه مؤخّراً تقرير لجنة التمييز العنصري التي انتقدت هذا التغوّل العنصري، ودعت إلى مراجعة تعريف العنصرية في التشريعات الفيدرالية الأمريكية وفي الولايات وفي ممارسات المحاكم ضدّ المسلمين في الولايات المتحدة وخارجها، وهو تغوّل بتأثير اللوبي الصهيوني.
ما يثير التساؤل أنّه في ظلّ اعتراف القادة الصهاينة بارتباط موقع العملية «مركاز هارف» المعهد الذي أُسّس في عام 1924 بتخريج أبرز قادة العنصرية اليمينية الصهيونية في "إسرائيل" ورموز الحركة الاستيطانية الاحتلالية، فإنّ العملية تجد انتقاداً من قادة عرب ومسلمين.. فبأيّ عيونٍ يرى هؤلاء القادة مثل هذا المعقل الصهيوني المتطرف؟ ولصالح من تتمّ إدانة هذه العملية البطولية؟ ربما.. هو الخوف من صحوةٍ شعبية على أنّ إمكانية تحقيق «توازن الرعب» ليست مستحيلة، كما صوّرها عجز الأنظمة العربية عن امتلاك قرارٍ سياسيّ حقيقيّ بالتصدّي للجرائم الوحشية الصهيونية -الجرائم ضدّ الإنسانية- في ظلّ حالة التبعية للولايات المتحدة المفروضة على المنطقة.