أخطاء شائعة غير مستحبّة حول المسجد الأقصى وقبّة الصخرة

تاريخ الإضافة الإثنين 7 نيسان 2008 - 10:43 ص    عدد الزيارات 17235    التعليقات 0     القسم

        



كثيرٌ من الناس يبالغون في تعظيم ما لم يُعَظّم، وفي تقديس ما لم يقدَّس، إمّا بدافع حبّهم للدين وآثاره ومعالمه، وإمّا زيادةً في نسك العبادة والتقرّب من الله سبحانه حسب اعتقادهم، وهذا ليس من الدين في شيءٍ كما قرّر علماؤنا الأفاضل العارفين والدارسين والمطّلعين على حقيقة الأمور.

 

ومن أكثر الأخطاء شيوعاً تلك التي تتعلّق بآثار ومعالم مدينة القدس، في المسجد الأقصى المبارك، أو الصخرة المشرّفة، أو ما تناقلته الناس وجاء عن اليهودية أو الأحاديث الضعيفة غير المحققة.

 

وكي لا نقع ولا يقع المسلمون المعظِّمون لبيت المقدس والمسجد الأقصى والصخرة المشرّفة في الالتباس، فقد قام علماؤنا الأفاضل بشرح الأمور المبالغ فيها، وبيّنوا حقائقها معتمدين على ما جاء في القرآن الكريم، وفي أحاديث سيدنا محمد عليه الصلاة وأتمّ التكريم والتسليم.

 

ونحن بدورنا حرصاً منا على التوعية وبيان الحقائق نورد نقلاً ما جاء من علمائنا وشيوخنا..
والله من وراء القصد.

 

من الأخطاء الشائعة حول المسجد الأقصى المبارك أنّ للصخرة المبنيّ عليها القبة الذهبية والتي تسمى (مسجد قبّة الصخرة)، والتي تركّز عليها وسائل الإعلام الإسلامية والعالمية على أنّها هي المسجد الأقصى، أنّ لها قداسة خاصّة، وقد ظهر من بعض المسلمين المغالاة في تقديس الصخرة ووصل الأمر بهم إلى حدّ التجاوز والإفراط حيث قيل في صخرة بيت المقدس:

 

كان عليها ياقوته تضيء بالليل كضوء الشمس، ولا تزل كذلك حتى خرّبها بختنصر!
أنّها من صخور الجنّة !.
تحول صخرة بيت المقدس مرجانه بيضاء!.
إليها المحضر ومنها المنشر!.
سيد الصخور صخرة بيت المقدس!.
مياه الأرض كلها تخرج من تحت الصخرةّّ!
صخرة معلّقة من كل الجهات!!.
عليها موضع قدم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم!.
وعليها أثر أصابع الملائكة!.
الماء الذي يخرج من أصل الصخرة!.
أنّها على نهرٍ من أنهار الجنّة!.
المياه العذبة والرياح اللواقح من تحت صخرة ببيت المقدس!.
عرش الله الأدنى، ومن تحتها بُسِطت الأرض!.
الصخرة وسط الدنيا، وأوسط الأرض كلها!.
عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم منها إلى السماء، وارتفعت وراءه، وأشار لها جبريل أنْ اثبتي!!.
لها مكانة الحجر الأسود في الكعبة!!.

 

وقد أنكر علماء المسلمين هذا التعلّق بالصخرة، وبيّنوا أنّها صخرة من صخور المسجد الأقصى، وجزءٌ منه، وليس لها أية ميزة خاصة.

 

فقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى مجلد: 27-كتاب الزيارة بتصرف ص11،12،13): "أمّا أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ فلم يكونوا يعظّمون الصخرة، وما يذكره بعض الجهال فيها من أنّ هناك أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وأثر عمامته، وغير ذلك، فكلّه كذب، وأكذب منه من يظن أنّه موضع قدم الرب، وكذلك المكان الذي يذكر أنّه مهد عيسى عليه السلام كذب، وإنّما كان موضع معمودية النصارى، وكذا من زعم أنّ هناك الصراط والميزان، أو أنّ السور الذي يضرب بين الجنة والنار هو ذلك الحائط المبني شرقي المسجد، وكذلك تعظيم السلسلة أو موضعها ليس مشروعاً.

 

والصخرة لم يصلْ عندها عمر رضي الله عنه، ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة، بل كانت مكشوفة في خلافة عمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية، ويزيد، ومروان، وبنى عليها عبد الملك بن مروان القبة".

 

وقال: "إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما فتح البلد قال لكعب الأحبار: أين ترى أنْ أبني مصلّى المسلمين؟ قال: ابنه خلف الصخرة، قال: خالطتك يهودية، بل أبنيه أمامها، فإنّ لنا صدور المساجد، فبنى هذا المصلّى الذي تسمّيه العامة "المسجد الأقصى" وهو البناء الأوّل للجامع القبلي ولم يبقَ من بناء عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيء "أمّا البناء الحالي فهو البناء الأموي"، ولم يتمسّح بالصخرة، ولا قبّلها ولا صلى عندها، كيف وقد ثبت عنه في الصحيح: "أنّه لما قبل الحجر الأسود قال: والله إني لأعلم أنّك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّلك لما قبلتك".

 

وقد ضعّف الإمام ابن القيم كلّ الأحاديث الواردة في الصخرة، فقال في المنار المنيف (87-88): (وكل حديثٍ في الصخرة فهو كذب مفترى، والقدم الذي فيها كذب موضوع ممّا عملته أيدي المزوّرين، الذين يروّجون لها ليكثر سواد الزائرين، وأرفع شيءٍ في الصخرة أنّها كانت قبلة اليهود، وهي في المكان كيوم السبت في الزمان، أبدل الله بها هذه الأمة المحمدية الكعبة البيت الحرام، ولما أراد أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب أنْ يبني المسجد استشار الناس، هل يجعله أمام الصخرة، أو خلفها؟ فقال له كعب: يا أمير المؤمنين ابنه خلف الصخرة، فقال يا ابن اليهودية، خالطتك اليهودية! بل أبنيه أمام الصخرة حتى لا يستقبلها المصلون، فبناه حيث هو اليوم).

 

وقال عبد الله بن هشام صاحب كتاب "تحصيل الأنس لزائر القدس" ( مخطوط) ص64: "قد بلغني أنّ قوماً من الجهلاء يجتمعون يوم عرفة بالمسجد، وأنّ منهم من يطوف بالصخرة، وأنّهم ينفرون عند غروب الشمس، وكلّ ذلك ضلال وأضغاث أحلام".

 

ومما تدلّ عليه عبارة صاحب المخطوطة: أنّ هناك تجاوزات لبعض عامة الناس في تقديس الصخرة.

 

وكان رفضاً واضحاً من علماء المسلمين لهذه التجاوزات، وتحذيراً للعامة منها.

 

ويقول شيخنا محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- عن تقديس الصخرة في المسجد الأقصى "الفضيلة للمسجد الأقصى، وليست للصخرة، وما ذكر فيها لا قيمة له إطلاقاً من الناحية العلمية، ولا ينبغي تقديس ما لم يقدّسه الشرع، ولا تعظيم ما لم يعظّمْه الشرع".

 

وممّا يُذكَر في سيرة الصحابة وأئمة المسلمين أنّهم إذا دخلوا المسجد الأقصى قصدوا الصلاة في المصلّى الذي بناه عمر، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم ج2 ص817): "وأمّا المسجد الأقصى فهو أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال، وهو الذي يسمّيه كثيرٌ من العامة اليوم: الأقصى، والأقصى اسم للمسجد كله، ولا يسمّى هو ولا غيره حرماً، وإنّما الحرم بمكة والمدينة خاصة.

 

فبنى عمر المصلّى الذي في القبلة، ولم يصلِّ عمر ولا المسلمون عند الصخرة، ولا تمسّحوا بها، ولا قبّلوها, وقد ثبت أنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان إذا أتى بيت المقدس دخل إليه، وصلى فيه، ولا يقرب الصخرة ولا يأتيها، ولا يقرب شيئاً من تلك البقاع، وكذلك نقل عن غير واحد من السلف المعتبرين، كعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهم.

 

فصخرة بيت المقدس باتفاق المسلمين لا يسنّ استلامها، ولا تقبليها، ولا التبرّك بها كما يفعله بعض الجُهّال، وليس لها خصوصية في الدعاء، ويجب تحذير المسلمين من هذا الفعل.

 

ولم يثبت حديث صحيح في فضل الصخرة، وكلّ ما قيل فيها لا يصحّ سنده على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وروى مسلمٌ في صحيحه عن مسلم بن يسار أنّه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان دجّالون كذابون يأتون من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإيّاكم وإياهم، لا يضلونكم، ولا يفتنونكم".

 

وقد برّر البعض ممّن كتب في فضائل بيت المقدس التساهل في التدقيق بالأحاديث الواردة من باب أنّه في فضائل الأعمال يعمل بالأحاديث الضعيفة، وقد تجاوز البعض حتى نقل المكذوب والموضوع، وأخذ من كلام القصّاص ممّا لا ينبغي ذكره.

 

ويقول شهاب الدين أبو محمود المقدسي في مخطوطة (مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام) وهو يرفض التجاوز في تقديس المسجد الأقصى، والوصول به إلى ما فوق المنزلة المقبولة في عقيدة الإسلام: "قاتل الله القصّاصين والوضّاعين، كم لهم من إفكٍ على وهبٍ وكعب، ولا شكّ في فضل هذا المسجد، ولكنهم قد غلوا".

 

وهما كعب الأحبار ووهب بن منبه أسلما بعد أنْ كانا يدينان باليهودية.

 

والبعض يسرد تلك الأحاديث، ولا يشير أدنى إشارةٍ إلى ضعفها ووهنها، بل ويروونها وكأنّها من الصّحاح التي لا خلاف فيها.

 

وتنبيه الناس على أمر صخرة بيت المقدس لا يقلّل من فضائل المسجد الأقصى وبيت المقدس بالبركة والفضيلة، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب الصحاح والسنن الكثير من الأحاديث التي نصّت على ما حباه الله تعالى من الخير والبركة، وبيّنت الخصائص التي تميّز بها المسجد الأقصى وأرضه لما لها من مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة في الشرع الإسلامي.

 

وكما قيل: مهما جلست تحدّث بفضائل المسجد الأقصى فلن تنتهيَ إلى ما انتهى الله إليه في قوله تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير".

 

فبركة المسجد الأقصى ثابتة بالكتاب والسنة، ولنا غنى في الصحيح منها عن الموضوع والمكذوب.

 

والخلاصة: أنّ كل ما قيل في هذه الصخرة أصله من أهل الكتاب، وليس له أصلٌ في كتب العقيدة الإسلامية، ولا في الصحيح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

 

أجارنا الله من فتنة القلوب، وألهمنا اتّباع شرعته ودينه وتعاليمه، وحفظ لنا وللمسلمين والعالمين المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى من كل شر وعدوان.

 

والله قادر حكيم.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

القدس لنا.. ولكن

التالي

مقتطفات من قصائد للقدس

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »