لقاء خاص مع الأستاذ عبد الناصر فروانة
الأسير المقدسيّ هو جزءٌ من الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال، يعاني معاناتهم ويشاركون أمالهم، إلا أنّ معاناته تتضاعف أحياناً كونه يحمل "البطاقة الزرقاء" التي تعتبره مقيماً في حدود الدولة العبرية... التقينا الأستاذ عبد الناصر عوني فروانة، الأسير السابق والباحث المختصّ في شؤون الأسرى وأجريْنا معه الحوار التالي لتسليط الضوء على أوضاع الأسرى المقدسيّين:
حدّثنا عن واقع الأسرى المقدسيين عموماً ومعاناتهم؟
- أبناء شعبنا الفلسطيني المقيمين في القدس هم جزءٌ لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، بل هم جزءٌ هامّ وأصيل، تعرّضوا لما تعرّض له الشعب الفلسطيني عامة من ظلمٍ وقهْر وتشريد، وانخرطوا في النضال ضدّ الاحتلال، بهدف تحرير القدس وفلسطين من دنس الاحتلال فقدّموا آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، ولا زالوا صامدين، رافضين لكلّ ممارسات القمع والقهر والذل التي يمارسها الاحتلال، حالمين بمستقبلٍ أفضل لمدينتهم ولوطنٍ لا احتلالَ فيه ولا سجونَ وقضباناً.
والأسرى المقدسيّون هم جزءٌ من السكان المقدسيّين عامّة، الذين فرضت عليهم سلطات الاحتلال قيوداً متعدّدة منذ العام 1967، ومنحتهم بطاقات هوية "زرقاء" وتعاملت معهم على أنّهم مواطنون مقيمون دائمون لديها في حدود الدولة العبرية، واعتبرت أنّ سجْنَ أيّ شخصٍ منهم هو شأنٌ داخلي، شأنهم شأن السجناء "الإسرائيليين" الجنائيين، لكنّها في حقيقة الأمر لا تمنحهم ربع الحقوق التي تمنحها للسجناء "الإسرائيليين الجنائيين" وترفض اعتبارهم أسرى فلسطينيين، وفي الوقت ذاته تزجّهم في ظروفٍ صعبة وقاسية كتلك التي يعيشها باقي الأسرى وتخضعهم للتعذيب وللمعاملة الوحشية، وقائمة الانتهاكات بحقّهم هي طويلة وطويلة جداً تبدأ من الاعتقال مروراً بالتعذيب والإهمال الطبي، العزل والحرمان من الزيارات، القمع والتفتيشات الليلية، الفصل عن باقي الأسرى في أقسام وسجون محدّدة وسحب الهوية "الزرقاء" أو التهديد بسحبها ومعاقبة الأهل أو مضايقتهم فعلياً..الخ.
وإذا ما حدث تقدّمٌ في العملية "السلمية" أو حديثٍ عن صفقات تبادل ترفض إدخالهم في هذا الإطار ولا تسمح لأية جهة فلسطينية أو عربية بالحديث عنهم باعتبارهم "إسرائيليين" وأنّ اعتقالهم شأنٌ داخلي، وبالتالي ترفض إدخالهم ضمن الإفراجات السياسية أو صفقات التبادل، بمعنى تتعامل معهم كيفما أرادت وبأيّ صفةٍ تريدهما ووقتما تشاء حسب تفسيراتها وبما يخدم رؤيتها، فهي تتعامل معهم على أنّهم أسرى فلسطينيّون حين اعتقالهم وتعذيبهم والزجّ بهم في السجون، وكذلك حين يطالبون بتحسين شروط احتجازهم وبحقوقهم وفقاً للاتفاقيات الدولية الخاصة بالأسرى وتطلق عليهم أوصافاً ومصطلحاتٍ عديدة مثل: "إرهابيون" و"أيادي ملطخة بالدماء".
ومن الناحية الثانية تتعامل معهم كمواطنين "إسرائيليون" دائمين لديها وأنّ اعتقالهم شأنٌ داخلي، في حالة طالبت السلطة الوطنية والفصائل الفلسطينية والعربية إدراجهم في الإفراجات السياسية أو صفقات التبادل.
باختصار شديد تتعامل معهم فلسطينيون في الزنازين والقمع والتعذيب، و"إسرائيليون" في صفقات التبادل. هذا الوضع المعقّد للأسرى المقدسيّين فاقم من معاناتهم وأصبح الأسير المقدسيّ يعاني أضعاف ما يعانيه باقي الأسرى.
كم هو عدد الأسرى المقدسيّين الآن؟
- يقبع الآن في سجون الاحتلال أكثر من (400) معتقل مقدسيّ موزّعين على بعض السجون وبعضهم في أقسام لوحدهم مع أسرى الأراضي المحتلة عام 1948 وهذا يندرج في إطار سياسة فصلهم عن باقي الأسرى، ويوجد من بين الأسرى المقدسيين (5 أسيرات) وقرابة (10 أطفال) قاصرين، كما يوجد من بينهم العديد من الأسرى المرضى الذين يعانون من أمراض صعبة وخطيرة تهدّد حياتهم بالخطر مثل الأسير جمعة موسى والأسير محمد خنافسة.
ومن بين الأسرى يوجد (6) نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني بينهم وزير شؤون القدس السابق، وهؤلاء اعتُقِلوا بعد عملية الوهم المتبدّد التي أُسِر فيها الجندي "الإسرائيلي" جلعاد شاليط من قِبَل فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أواخر حزيران 2006.
هل تضمّنت قائمة شهداء الحركة الأسيرة أسرى مقدسيّين؟
- نعم.. إنّ قائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة وصلت إلى (195) شهيداً منذ العام 1967 وهم من كافة المناطق، وقد تضمّنت القائمة (13) شهيداً من القدس استشهدوا بعد الاعتقال، حيث إنّ الأسرى المقدسيّين كما بقيّة الأسرى الفلسطينيين يعانون من سوء ظروف الاعتقال المعيشيّة والصحيّة ومن وحشيّة تعامل جنود الاحتلال معهم، ومن هؤلاء استشهدوا نتيجة الإهمال الطبّي المتعمّد الذي يمارس داخل السجون ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر إسحاق مراغة بعد أنْ أمضى قرابة 14 عاماً، وعمر القاسم بعد مضيّ أكثر من عشرين عاماً، ومحمد أبو هدوان بعد مضي 19 عاماً في الأسر.
لقد أنجزتم مؤخّراً دراسة حول قدامى الأسرى المقدسيّين المعتقلين قبل "اتفاقية أوسلو"، هل ممكن أنْ تحدّثنا عنها؟
- الدراسة تعتبر الأولى من نوعها ولم يسبقْ لأية جهة أنْ قدّمت دراسة بهذا المستوى، وهي دراسة سلّطت الضوء على قدامى الأسرى المقدسيين الأكثر معاناة، وعددهم (49 أسيراً) وهم المعتقلون قبل اتفاقية أوسلو وقبل قدوم السلطة الفلسطينية في مايو/أيّار 1994، وأقلّ واحدٍ منهم مضى على اعتقاله أكثر من (14) عاماً، فيما أقدمهم وهو الأسير فؤاد الرازم مضى على اعتقاله بشكلٍ متواصل أكثر من (27) عاماً، ومجموع من مضى على اعتقاله منهم أكثر من عشرين عاماً يصل إلى (21) أسيراً.
واعتمدت الدراسة على آلية مدروسة، كفلت الالتقاء بالأسير داخل سجنه، وبذويه في منزلهم، ومنحتنا الدراسة قاعدة بيانات كاملة ودقيقة عن هؤلاء الأسرى، وأوضاعهم الصحية والقانونية والمعيشية، وعن معاناتهم ومعاناة ذويهم، واحتياجاتهم واحتياجات ذويهم الآنية والمستقبلية.. الخ، في محاولةٍ جادة ونوعية ومميزة في تسليط الضوء على معاناتهم ونقلها للعالم، وهنا لا يسعني إلا أنْ أتقدّم بفائق الشكر والتقدير لمؤسسة القدس الدولية التي تبنّت قضيتهم واحتضنتهم ووفّرت كلّ الإمكانيات والطواقم لإنجاح الدراسة ولولا هذه الرعاية الصادقة لما رأتْ الدراسة النور ولما أنجزت.
وبالمناسبة في العام الماضي أصدرنا أيضاً دراسة شاملة عن كافة الأسرى المقدسيّين، فيما هذا العام خصّصت الدراسة للأسرى المقدسيّين القدامى.
هل لديكم النيّة بالاستمرار بتوثيق باقي معاناة الأسرى المقدسيين خصوصاً وأنّ العديد منهم اعتُقِل بعد "اتفاقية أسلو" ويُمضي أحكاماً عالية؟
- بالتأكيد آمل بالاستمرار في توثيق معاناة الأسرى عموماً والمقدسيّين خصوصاً، لا سيما وأنّ التجربة كبيرة وتتضمّن صوراً مريرة، ومعاناةً تفوق الوصف، وحكاياتٍ تعكس حقيقة الاحتلال وبشاعته وإجرامه وعنصريته، وقصصاً تعكس ظلم السجن "الإسرائيلي" وقسوة سجّانيه، ولكلّ أسيرٍ منهم قصصه وحكاياته التي تعتصر لها القلوب ألماً، فلماذا لا نستمرّ في التوثيق التراكمي، وأنا شخصياً أولي موضوع التوثيق أهمية فائقة بالنسبة لقضايا الأسرى عموماً والمقدسيّين منهم خصوصاً، وبكلّ صراحة لديّ النية في ذلك وامتلك العديد من الأفكار والمشاريع، ولكن ترجمتها على أرض الواقع يحتاج لتوفّر الرعاية والإمكانيات والدعم والمساندة، وبدون ذلك أعتقد أنّ الأمر صعب، ولكنْ يبقى الحلم في أنْ أنجز سلسلة دراسات تراكمية عن الأسرى والأسيرات المقدسيين وعن الأسرى السابقين من المقدسيّين أيضاً، وحتى عن الشهداء الذين استشهدوا داخل سجون الاحتلال، وآمل من مؤسسة القدس الدولية أنْ تستمرّ في احتضانها وتبنّيها لهذه القضية وثقتي عالية بهم..
ما هو الدور المطلوب تجاه هؤلاء الأسرى؟
- الأسرى عموماً بمنْ فيهم المقدسيّون ناضلوا وضحّوا وأفنوا زهرات شبابهم خلف القضبان من أجل قضية عربية إسلامية مقدسة، وبالتالي دعمهم ومساندتهم والسعي لتحريرهم أيضاً هو واجبٌ وطني وقومي وإسلامي، وهذا يقودنا إلى أنّ الدور المطلوب تجاه الأسرى عموماً وعلى كافة الأصعدة يقع على عاتق الجميع وبدون استثناء، والأسرى المقدسيّون خصوصاً بحاجةٍ إلى منْ يحتضنهم ويتبنّى قضيتهم من الألف إلى الياء ويعمل وفق أجندة واضحة واستراتيجية تتناول مجمل قضاياهم.
والمطلوب وعلى وجه السرعة تسليط الضوء على معاناتهم وإبرازها في وسائل الإعلام العربية المختلفة، ويجب مساعدتهم ومساعدة ذويهم بهدف تعزيز صمودهم ورفع معنوياتهم، والتأكيد على فلسطينيّتهم من خلال إدراجهم ضمن أيّ اتفاقٍ سياسيّ ما بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة الاحتلال أو ضمن أية صفقة محتملة ما بين الفصائل الفلسطينية أو حزب الهن مع حكومة الاحتلال، وبتقديري أنّه لا معنى لأيّ اتفاقٍ سياسيّ أو صفقة تبادل أسرى لا تتضمّن الأسرى المقدسيّين.