احتلال القدس
كانت التنظيمات العسكرية الصهيونية قد احتلت الجزء الغربي من مدينة القدس عام 1948م، وظلّ الجزء الشرقي منها تحت الحكم الأردني إلى عام 1967م.
عندما يتحدّث الناس بشكلٍ عام عن حرب حزيران (يونيو) 1967، يركّزون على ما حدث على الجبهة المصرية، ويهملون ما جرى على الجبهة السورية، ولعلّ ذلك عائد لمكانه مصر، وقوّتها مقارنة بالأردن وسوريا، لكنّ أمراً مهماً يغيب عن بالنا، هو احتلال القدس، وخضوع المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله؛ في هذه الحرب للاحتلال "الإسرائيلي".
الجبهة الأردنية كانت أفضل بكثيرٍ من الناحية العسكرية من الجبهة المصرية، فمناطق الضفة الغربية جبلية، يمكن أنْ تتمّ فيها عمليات مقاومة شرسة لأيّ قوةٍ تريد ذلك، كما أنّ هذه المناطق قريبة من مدن فلسطينية تحتلّها (إسرائيل) منذ عام 1948م، ويمكن منها ضرب تل أبيب، ونتانيا وهرتسليا كتجمّعات سكانية كثيفة، على عكس الجبهة المصرية، فأمام القوات مناطق صحراوية مكشوفة، والتجمّعات السكنية الصهيونية بعيدة عن مرمى النيران المصرية.
بدأت الحرب صباح الخامس من حزيران 1967م، وتمكّنت (إسرائيل) من تدمير سلاح الجو المصري خلال ساعتيْن فقط، هذا في الوقت الذي قامت فيه القوات "الإسرائيليّة" بغارة جوية على مطاريْ المفرق وعمّان، وتمّ تدمير القوات الجوية الأردنية والبالغ عددها 22 طائرة فقط، لتبقى القوات الأردنية طوال أيام الحرب بدون غطاء جوي، تماماً كالقوات المصرية، وهذا ما سهّل العمليات العسكرية "الإسرائيلية" ضدّهما على حدٍ سواء.
بدأت أعمال (إسرائيل) العسكرية تجاه مدينة القدس، أو الجزء الشرقيّ منها بعد أنْ سيطرت القوات الأردنية على مقرّ الأمم المتحدة في المدينة (دار المعتمديّة)، وتمّ عزل جبال الخليل عن منطقة القدس، وذلك بالهجوم على منطقة صور باهر الواقعة على طريق الخليل القدس، ثم كانت الخطوة الثانية وهي عزل القدس عن الإمدادات التي قد ترد إليها من الشمال، فتمّت السيطرة على قمة الجبل والطريق الذي يربط القدس برام الله، كما سيطرت القوات "الإسرائيلية" على جنوب المدينة لقطع الاتصال ببيت لحم.
وبدأت الطلعات الجوية "الإسرائيلية"، بعد تدمير الطيران الأردني في أجواء منطقة القدس، وتركّزت على الاحتياطات الأردنية في وادي الأردن، لمنع إمداد القوات الأردنية التي تقاتل في القدس، وقد أجبرت الضربات الجوية "الإسرائيلية" القوات الأردنية وقيادتها على التراجع، وازدحم الطريق من أريحا إلى القدس، بالدبابات الأردنية المبعثرة التي تحاول الوصول إلى القدس لكن الطيران "الإسرائيلي" كان يقتنصها خاصةً وأنّها كانت بدون غطاء جوي، كما تمّ تدمير محطة الإرسال في رام الله.
وصلت مدرعات اللواء 60، وكتيبة مشاة لنجدة القدس، وبينما كانت في طريق أريحا-القدس، تعرّضت لقصف الطيران الإسرائيلي ليلاً.
وقبل منتصف ليلة 5/6 يونيو (حزيران) 1967م، بدأ قصف مدينة القدس، وتدمير المواقع العربيّة، وتقدّمت كتيبة من جهة الشمال مهاجمةً حيّ الشيخ جراح، ويذكر "الإسرائيليون" أنّ القوات الأردنية "قاتلت قتالاً شرساً على مدى أربع ساعات" وبعدها اقتحمت القوات "الإسرائيلية" المدينة، وسيطرت فجْراً على المنطقة الواقعة بين سور المدينة وجبل سكوبس وتل أوغستا فيكتوريا المواجهة لسور المدينة القديم.
وفي اتجاهٍ آخر كانت قوات لواء "هريئيل" تحتلّ منطقة النبي صموئيل، لتعزّز الوجود "الإسرائيلي" على طريق القدس-رام الله.
وأصبحت قوات (مردخاي غور) جاهزة للمعركة الأخيرة في القدس، ووصل القائد الأردني العميد عطا علي، قائد اللواء 27 (مشاة)، إلى قناعةٍ أنّه من غير الممكن مواصلة القتال، فبدأ بسحب قواته بشكلٍ تدريجي، فيما كانت القوات "الإسرائيلية" تتقدّم نحو البلدة القديمة، وأفشلت أيّ إمدادٍ أردني لها، ولم تجدْ القوات "الإسرائيلية" مقاومة تذكر، ووصلت طلائع هذه القوات إلى حائط البراق الساعة العاشرة من صباح السابع من حزيران ودخلت ساحات المسجد الأقصى، واحتفلت بهذا (النصر التاريخي) وعربد الجنود، وشربوا الخمر في ساحات الأقصى المبارك احتفالاً واحتفاءً.
وهكذا أصبح المسجد الأقصى المبارك، منذ ذلك اليوم (7 حزيران/ يونيو 1967م) تحت الاحتلال "الإسرائيلي"، ولا زال هذا المسجد يرزح تحت هذا الاحتلال، يطؤه الجنود، ويعربدون فيه، ويمنعون المصلّين من دخوله، ويسمحون لليهود وللسياح، وللعراة، بالدخول إليه، والتجوّل في ساحات المنطقة أثرية، إضافةً إلى ما يجري من حفريات تحت أرضيته، وما تمّ له حرْق عام 1969، والتهديدات المتكرّرة والمتواصلة بهدمة، وإعادة بناء الهيكل، وغير ذلك من الاعتداءات، والعرب في نومٍ عميق، والمسلمون في نوم أعمق.
قصة حزينة، والواقع أكثر حزناً، والنوم العربي والإسلامي لا نعلم هل له نهاية؟ ومتى تكون؟