أوباما- حائط البراق- ونزع الشرعية
يبتسم البعض لتصريحٍ صغيرٍ من براك أوباما, حتى أنهم يستبشرون خيراً, ويستبشر آخرون بأصول أوباما المسلمة الذي تنكّر لها هو, أو أنهم يستبشرون خيراً بلونه, ووجه أوباما لا يبشّر بأيّ خير, لأنّه يحسم كلّ هذا ببساطة متناهية حين يبكي قريباً من "الهيكل" كما يعتقد هو وكما يعتقد من استضافه هناك.
ولكن لماذا يكون ولاء أوباما كما المرشح الجمهوري جون ماكين عند "الحائط" الذي يستعمل للبكاء كذباً وزيفاً, أي لماذا يكون في المكان الذي يشكّل بالنسبة للمسلمين طعنةً في ظهورهم ويشكّل بالنسبة لليهود المكان والرمز.
ولم يكتفِ براك أوباما "الأسود" بالتنكّر لأصله المسلم ولجدّه أو والده حسين, بل فعل ما هو ذروة التنكّر بالنسبة للمسلم (ليس المهم في أوباما إذا كان مسلماً), الوقوف إلى جانب الرواية المناهضة للمسلم في القدس تحديداً, ما يسمّى بـ"حائط المبكى".
إذا كان أوباما بكى هناك أو لم يبكِ فليس هذا المهم في رأينا, البكاء في حالته يشكّل المسألة الأقل أهمية, وحتى كتابة رسالةٍ ووضعها في شقوق الحائط الغربي للمسجد الأقصى يسأل بها "الرب" النجاح, وأنْ يغفر له زلاته على أنّه تم اكتشافه "متلبساً على أنه مسلم", في زيارة أوباما للحائط الغربي للمسجد الأقصى, متنكّراً لإسلامه (الذي اعتبره كارثة شخصية), بالضبط في المكان الذي يحارَب به المسلمون ومعهم الحائط الغربي للمسجد الأقصى أكثر من معنى, أقلّها سوءاً أنّ أوباما, المرشح الديمقراطي الأسود, جاء ليحصل على بركة الترشيح من حاخامات "إسرائيل", وأكثرها كارثية أنّه لا يستطيع أيّ مرشح في الولايات المتحدة أنْ يصل إلى البيت الأبيض قبل أنْ يؤدّي الولاء في "الهيكل" المزعوم, هذه مسألة فيها من الدلالات ما يكفي لفهم جوهر الحالة الأمريكية الآن, التي ليس بمقدورها الحياد في المسألة "الإسرائيلية", ولا يمكن أنْ تحصل على شرعية إلا إذا أدّت يمين الولاء في الهيكل.
لماذا إذا يستبشر الناس خيراً بباراك أوباما, ولماذا يعتقدون أنّ انتصار أوباما أو وصوله إلى حيث وصل هو تعبيرٌ عن تغييرٍ كبير في السياسة الأمريكية أو في قدرتها على إحداث التغيير.
ليس باراك أوباما إلا التعبير المأساوي عن حالة الملوّنين والسود في الاعتقاد أنّهم قادرون على الوصول إلى حيث يريدون, في الولايات المتحدة الأمريكية بلد الحريات والإمكانيات غير المحدودة كما تُسمّى.
أوباما هو حالة الوهم السياسي التي يعيشها الناس في أماكن كثيرة, يفترض عادة أو يتمّ عرضها على أساس أنها الحالة المناهضة للتطرّف, فباراك أوباما مقابل جورج بوش, أو حزب العمل مقابل الليكود كما في بلادنا, أو اليمين مقابل اليسار, لكن في الوقت ذاته يتمّ القفز أو تجاوز الحقيقة.
حقيقة أنّ السياسة الأمريكية لا تخضع للمرشّح ولا للون سحنته وطبعاً لأصوله, سواءً اعتزّ بها أو تصرّف بشكلٍ متطرّف مثلما فعل أوباما حين جاء "يبكي" ويطلب الرحمة, ويؤدّي الولاء على الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك.
لماذا بالذات يكون الولاء على الحائط الغربي, على حائط البراق بشكلٍ خاص, مع أنّ الأصل مثلاً أنْ يؤدّي أوباما الولاء بالكنيست كرمزٍ "إسرائيلي"؟؟
ولماذا بعد هذا مثلاً يُقال إنّ "إسرائيل" هي دولة علمانية (الأمر غير مهم طبعاً) ,فالأصل أنْ تطلب الدولة العلمانية أداء الولاء لها في رمزٍ علماني على الأقل.
في الحالة "الإسرائيلية" ترتبط مسألة الولاء بالرمز الديني أولاً, وهي مسألة تغيب عن الدارسين للحالة "الإسرائيلية", وتأتي مسألة تأكيد الولاء عند الجنود "الإسرائيليين" الذين يتخرّجون قريباً من حائط البراق, وكذلك حصول السياسيين "الإسرائيليين" على البركة, في علاقة حميمية بين السياسيّ وبين حائط البراق, يتخلّلها طقس الأوراق التي توضَع داخل الشقوق, شقوق حجارة حائط البراق, تأتي هذه المسألة لتكشف ليس عن مدى الحب الذي يكنّه هؤلاء للمكان بل عن محاولات الانتزاع التي يمارسونها لإضفاء صفة أو هالة جديدة على المكان، على الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك, أيْ على حائط البراق تجري عملية متواصلة من نزع الشرعية قبل أنْ تكون "طقساً دينياً", أو لحظات حميمية "مع الرب" الذي يُعبَد بواسطة أوراقٍ وجهاز فاكس أحياناً, وفي ذات الوقت فإنّ هذه الطقوس تشكّل أنموذجاً فريداً من العلاقة بين الأشياء التي بالإمكان الاستناد عليها لإضفاء شرعية جديدة على المكان.
اختيار حائط المبكى كرمزٍ أدّى به أوباما الولاء أو غيره تكرّس أولاً أهمية المكان, وهالته بالنسبة للذين يؤدّون الولاء, بأيّ شكل, وهو ما يجعل ارتباط الوعي, وعي المشاهدة, جزءاً لا يتجزّأ من عملية التكريس, أي أنّ قرب أيّ شخصٍ من "إسرائيل" يكون مرتبطاً عادةً بصورته عند الجدار الغربي للمسجد الأقصى, عند حائط البراق, وليس من قبيل الصدفة أنْ يكون حائط البراق بالذات هو المكان الذي تم اختياره, فهو يرتبط بوعي الرباط, وهو الذي يرتبط أساساً برحلة الإسراء والمعراج, أي أنّه المكان الذي يضفي الهالة على المسجد الأقصى, المكان الذي ربط به البراق كمحطة بينية بين السماء والأرض, بين الأقصى والمسجد الحرام, كلّ ما فعله أوباما, طبعاً عن وعي أو عن غير وعي, هو أنّه كان أداة في مشروع نزع الشرعية عن مكانٍ لم ولنْ يتنازل عنه المسلمون حتى لو ظهر هناك رجلٌ يوحي أنّه أقلّ عدائية تجاه العرب والمسلمون مثل باراك أوباما.