الأقصى في خطر
من شاء أن يعرف الكثير من التفاصيل حول مسيرة التهويد التي تتعرض لها مدينة القدس منذ عقود، إضافة إلى مسلسل الاعتداءات على المسجد الأقصى، ومن ثم تطور الحضور اليهودي في ساحاته وتحت بنائه وأساساته، من أراد ذلك فما عليه سوى الدخول إلى موقع مؤسسة القدس الدولية على الإنترنت، أو موقع مؤسسة إعمار المسجد التي يديرها الشيخ صلاح. نقول ذلك لأن سطوراً قليلة كهذه لا يمكنها رصد تفاصيل كثيرة من هذا النوع.
منذ سنوات طويلة والشيخ رائد صلاح، زعيم الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 48 يصرخ ويؤذن في الناس أجمعين بأن الأقصى في خطر، ولو اكتفى الشيخ بالصراخ لكان الوضع أسوأ بكثير، لكنه وصل هو وأنصاره الليل بالنهار للوقوف في وجه مسلسل التهويد الذي تعرض له المسجد، وكانت له إنجازات رائعة، يؤكدها مسلسل الاستهداف الذي تعرض له وما زال.
من سجن إلى سجن، ومن اعتداء إلى اعتداء، وكل ذلك في سياق التهديد لكي يتوقف الشيخ عن تحذيره أمة المسلمين مما يتعرض له المسجد الأقصى، لكنه بقي مصراً على نهجه وموقفه، ومن يتابع الصحافة الإسرائيلية يدرك حجم الحقد الذي يكنه له أولئك القوم: بشتى ألوانهم وتصنيفاتهم.
في الذكرى السنوية الـ(39) لإحراق المسجد الأقصى (21ـ 8) عاد الشيخ في مهرجانه السنوي يكرر ذات النداء (الأقصى في خطر) مقدماً حقائق جديدة حول ما يجري في باحة الأقصى وتحت بنائه وأساساته، لا سيما مسلسل الأنفاق القديمة منها والجديدة التي تنذر بهدمه.
لقد آن الأوان لكي يدرك الجميع أن المسجد الأقصى في خطر بالفعل، وهذا الكلام لا تشير إليه المعلومات والصور والرسوم التوضيحية التي تبين الواقع الجديد الذي يعيشه البناء فحسب، بل تؤكده أكثر تلك المفاوضات والتصريحات التي تصدر عن سادة الكيان الصهيوني.
لقد قدمت السلطة الفلسطينية الكثير من التنازلات الجوهرية في المفاوضات، على رأسها قضية اللاجئين مقابل الحصول على وضع معقول في القدس القديمة، ومن ضمن ذلك المسجد الأقصى والمناطق المحيطة به، مع الموافقة على إدارة خاصة للمقدسات، لكن الإسرائيليين رفضوا ذلك.
لقد بات واضحاً أن ما عرض على الفلسطينيين في كامب ديفيد عام 2000، كان السقف الأعلى المحتمل في الأوساط الإسرائيلية، ويتمثل العرض في اقتسام الشق العلوي من المسجد، مع سيادة إسرائيلية على الشق السفلي، وبالطبع كي تتواصل الحفريات بحثاً عن الهيكل الذي يزعمون وجوده في المكان. ونعلم بالطبع أن السقف المذكور قد هبط في ظل شارون، ونتذكر أن انطلاقة انتفاضة الأقصى قد جاءت على خلفية زيارة شارون الاستفزازية للمسجد في سياق الإعلان عن رفضه للعرض المذكور بشأن المسجد ولتأكيد السيادة الإسرائيلية المطلقة عليه.
إن مسألة المسجد الأقصى، أو ما يسمونه الحوض المقدس، كانت وما تزال تحظى بالإجماع في الأوساط الصهيونية مع بعض الخلافات الشكلية حول التفاصيل، وحين يعتبر أكثرهم "اعتدالاً" وحمائمية (يوسي بيلين) أن أهمية ورمزية الحوض المقدس والهيكل بالنسبة لليهود لا تختلف عن مكة والكعبة بالنسبة للمسلمين، ففي ذلك ما يؤكد أن المسألة غير قابلة للنقاش بالنسبة إليهم، وأن مقولة بن غوريون (الملحد للمفارقة) ونصها "لا معنى ل"إسرائيل" بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل"، ستبقى شعاراً مقدساً للجميع.
من هنا تتبدى أهمية الحملات التي يقودها الشيخ رائد صلاح، وسواها من الحملات التي تحذر من مسلسل العدوان على الأقصى، في ذات الوقت الذي تحذر فيه من أية مفاوضات يمكن أن تفضي إلى اقتسامه أو تشريع الوجود اليهودي فيه، والذي تحقق بحكم الأمر الواقع. ولا شك أن الجهد الأردني مهم على هذا الصعيد بوصفه المسؤول حتى الآن عن إدارة المقدسات.
لكن الذي لا يقل أهمية هو التأكيد على تخليص المسجد والقدس وكل فلسطين ورجالها الأحرار في السجون من أسر الاحتلال، الأمر الذي لن يتم بالمفاوضات والاستجداء، بل بالمقاومة والجهاد والاستشهاد.