المهندس أبو عرفة ضيف "موقع مدينة القدس"
عرفته منذ سنوات طويلة... وكثيراً ما كانت تجمعنا اللقاءات في مؤتمرات، اجتماعات، لقاءات، فعاليات... وكان بالإمكان تكوين لمحة أولية عن شخصيته؛ فهو هادئ لكنه حاسم ونشط، وودود وبشوش لكنه حاد وجرئ، له احترامه في الأوساط الاجتماعية والفصائلية على اختلاف تسمياتها وألوانها، وله حضور مُميّز في المؤتمرات واللقاءات، وهو متواضع وزاهد، ويتحلى بصفات إيمانية كثيرة أهّلته لكي يتبوأ العديد من المواقع المؤثرة كان أبرزها تولي وزارة شؤون القدس بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية، وتشكيل الحكومة الفلسطينية.
ورغم الفترة القليلة، والقليلة جداً، التي قضاها كوزير للقدس، إلا أنه حاول الشروع بعمل غير تقليدي في المدينة، بعد سنوات من الإهمال لها متفهما لأساليب الاحتلال الصهيوني في استهداف المدينة أرضا وحجرا وبشرا، واستهداف قطاعاتها.
وأذكر حينما زرته في مقر الوزارة بمجمع رئاسة الوزراء في رام الله مُباركا وطارحا قضية مُبعدي مدينة القدس منذ بداية احتلال المدينة وما آلت إليه أوضاعهم، وشاهدت بأم عيني كيفية الأداء ولم يخل كرسي أو طاولة من ورق وملفات هنا أو هناك، حتى أنه استعان بي في محاولة لإعادة ترتيبها وتصنيفها للشروع بالأولويات.
ولم يكن الدخول على أبي محمد بالأمر العسير؛ فقد كانت أبواب مكتبه مشرّعة للجميع وخاصة لأبناء القدس، كما أنه لم يهمل أو يتجاهل أي دعوة لحضور لقاء أو اجتماع أو المشاركة في فعالية أو نشاط.
هذه الأمور مجتمعة جعلت من المهندس أبو عرفة وزيراً غير عادي قريباً من نبض الشارع والمجتمع المقدسي... وهو الأمر الذي دفع سلطات الاحتلال لملاحقته في كل مكان واعتقاله بشكل متتالٍ، حتى أصبح صاحب لقب الوزير الفلسطيني الأكثر اعتقالاً، إلى أن جاء اعتقاله الأخير لفترة طويلة نسبياً مع الحملة التي صاحبت اعتقال وزراء الحكومة وأعضاء المجلس التشريعي.
المهندس أبو عرفة هو ضيف موقع "مدينة القدس"، وحاولت من خلال حواره الوقوف على الكثير من جوانب شخصيته وأرائه والتعرف على وضع القدس التي يستهدفها الاحتلال ليل نهار.
توليتم وزارة شؤون القدس في الحكومة الفلسطينية العاشرة ماذا عن الفترة القصيرة التي قضيتموها كوزيرٍ لشؤون القدس؟
قضيت في الوزارة ثلاثة أشهر ما بين 82 مارس آذار حتى تاريخ 29 حزيران للعام 2006م. وكان من المفروض أن أخدم في مكتب الوزارة في بلدة العيزرية، حيث كان الوزير الأسبق المحامي زياد أبو زياد. لكن لأمرٍ ما لم تتسلم الوزيرة التي أعقبته السيدة هند خوري مكتب الوزارة...وأُعطيت مكتباً في مبنى رئاسة الوزراء في رام الله، وعندما تسلمت أنا الوزارة شغلت المكتبين. وأسست مقرين آخرين: أحدهما في ضاحية البريد شمال القدس، والآخر في بلدة بدو في شمال غرب القدس. وسبب تعدد المقرات هو تشتّت محافظة القدس حول الجدار والشوارع الالتفافية وكثرة الحواجز. إلا أن اعتقالي على أيدي سلطات الاحتلال كان مانعاً من تمام تجهيز مقري الضاحية وبدو. كان اهتمامي في الوزارة منصباً لخدمة الفلسطينيين في المحافظة داخل جدار الفصل العنصري وخارجه في نواحي التعليم والصحة، ومعالجة هدم الاحتلال لمنازل الفلسطينيين...وفرض الغرامات الباهظة وحالات الاعتقالات الكثيرة وغير ذلك من الأمور التي يعاني منها السكان. حاولت أن ابذل جهداً في التنسيق بين عمل الوزارات المختلفة في المحافظة.. وأن استمع بنفسي للسكان فيما يعانونه، ولذلك فقد سخرت جلّ وقتي لحضور اجتماعاتهم وجلساتهم، لكن سلطات الاحتلال كانت تمنعني في كثير من الأحوال من تمام نشاطاتي، وكنت دوما أتفاجأ بالحواجز تضرب أمامي بشكل غير مألوف. وأقدمت السلطات على توقيفي واحتجازي مرات عديدة حتى بات الإعلام يقول: الوزير الأكثر اعتقالاً في الحكومة العاشرة".
القدس عاصمة للثقافة العربية 2009 ما تقييمكم لنشاطات وفعاليات إعلان القدس عاصمة الثقافة العربية وقد انتهى العام؟
نشاطات وفعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية مقبولة إذا ما قورن ذلك بما سبقها من نشاطات... فالبدء بالشيء خير من العجز عنه ...وأن تأتي متأخرة خيراً من ألاّ تأتي....لكن مقارنة بين ما تستطيعه السلطة الفلسطينية مع ما عملته على أرض الواقع... فان البون شاسع وكبير...فالسلطة الفلسطينية تستطيع خدمة القدس بالكثير الكثير من النشاطات والمساعدات.... إلا أن الإرادة السياسية غير متوفرة حتى اليوم... والارتهان لشروط المساعدات الأوروبية للسلطة الفلسطينية لا زال القيد الذي يكبل السلطة دون خدمة القدس فيما من جهة أخرى... فإن النشاطات التي عاشتها القدس آنية ومحدودة جداً بمعنى أنها مرّت دون أن يتبقى منها أثر ولا عَلِم بها أو عايشها معظم المقدسيين واعتقد أن القدس بحاجة إلى تغييرٍ نوعي وملموس ودائم ليستطيع أهلها الصمود والثبات ومواجهة آلة الدمار الصهيونية على كافة الصٌعد.
التفاعل الرسمي والشعبي مع احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية... يكاد لم يبق له أثر في ميادين القدس وساحاتها... فقد كان المنتظر أن تعقد اتفاقيات التوأمة بين الجامعات والمعاهد والمدارس...وكان ينتظر الإعلان عن البدء ببناء صروح العلم ومناراته.. ليبقى ذلك شاهداً على حدث عاشته القدس وحرمت منه عشرات السنين وكان المأمول أن تقدم آلاف المنح الدراسية لطلبة القدس للدراسة داخل الوطن وخارجه...وأن تعقد المؤتمرات المختلفة داخل القدس وفي محيطها.... ويشارك فيها علماء العرب والمسلمين ومفكريهم... في كل ما يتعلق بالثقافة والعلوم والتراث والفلكلور وغير ذلك... وأعتقد أن العديد من الشرائح المثقفة والمؤسسات المختلفة العربية والإسلامية كانت ستستجيب لأية دعوات بهذا الخصوص... ولكن مع الأسف... وكما يقول المثل العربي: لأمرٍ ما جدع قصيرٌ أنفه".
سائر القطاعات الفلسطينية في القدس مستهدفة، كيف يمكن التصدي لما تتعرّض له المدينة المُباركة من هجمة صهيونية شرسة، وما هي الآليات التي تُمكن ّتعزيز صمود المواطنين في تصديهم لمخططات الاحتلال؟.
إن التصدي لسياسات الاحتلال في المدينة المقدسة لا بدّ أن يتم من خلال تعزيز صمود المواطنين بالدرجة الأولى بهدف عرقلة تنفيذ مخططات الاحتلال ميدانياً حيث أن عرقلتها سياسيا بات اليوم غير مستطاع...فالأطراف العربية والإسلامية ناهيك عن الفلسطينية رضيت بالخروج من ساحات الصراع المقدسية... وأخلتها للاحتلال... واكتفت بما سوف يعلن عنه الاحتلال في يوم من الأيام... انه حظ الفلسطينيين من المدينة المقدسة! أما تعزيز الصمود للمواطنين المقدسيين فلا بد أن يكون على خطوط متوازية:
إحداها: إعادة ثقة المقدسيين بأنفسهم... وإنهم استطاعوا حتى الآن البقاء في مدينتهم والصمود فيها... وان الاحتلال رغم حالة الحرب المعلنة ضد المقدسيين لم يستطع تنفيذ كافة مخططاته الشيطانية ضد القدس وأهلها وانه لا زال "مائتا ألف" فلسطيني مقدسي يقطن المدينة رغم بناء الجدار الأفعى... الذي يتلوى بين جبال القدس ووديانها باحثاً عن السكان العرب لطردهم خارج المدينة.
ثانيها: كشف مخططات الاحتلال المُنفّذة والتي تنفذ هذه الأيام وكذلك المنوي تنفيذها في المستقبل... ووضعها بين يدي المواطنين بأسلوب مختصر ومُبسّط ومع وسائل الإيضاح من صور ورسومات ليسهل فهمها واستيعابها.
ثالثها: توحيد الجهود بين المؤسسات المقدسية... والتنسيق فيما بينها بهدف توزيع المهام والمسؤوليات... والعمل على توقيع ميثاق فيما بينها للثبات في وجه سياسة الاحتلال الاستقصائية والتفريقية... والصمود في الميدان لخدمة السكان حتى النهاية.
رابعها: توكيل المؤسسات الحقوقية والإنسانية لرفع قضايا تجريم وإدانة للاحتلال إزاء سياساته وإجراءاته في المدينة المحتلة ومخالفاته لكافة القوانين الدولية والإنسانية عبر عقود طويلة مضت.
ما رأيكم بالدعوات الأخيرة لجعل احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية لسائر الأعوام وليس لعام 2009؟
هذه المبادرات والدعوات لجعل احتفالية القدس لسائر الأعوام إنما هي مبادرات من نوع الفضفضة السياسية..... شبيهة بسلوك السويد حين أعلن عن اعترافه بالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين قبل انتهاء ولايته للاتحاد الأوروبي بأياما معدودة
والذي أراه أن المعنيين من المسؤولين الفلسطينيين ومن كافة من يرغب بخدمة القدس عليهم أن يقوموا بالوسائل المستطاعة من أجل إبقاء القدس حاضرة في كل عاصمة عربية ترعى هذه الاحتفالية... وعلى سبيل المثال: فإنّ دولة قطر احتضنت الاحتفالية بعد فلسطين.... والمطلوب أن يبقى للقدس حضور في احتفاليات قطر... وذلك تحت عنوان: "القدس في عيون الثقافة القطرية"....... أو غير ذلك من العناوين.
ولقد علمنا أن توأمة حصلت بين القدس والعاصمة القطرية بخصوص الاحتفالية... وهذا اقل ما يمكن فعله وهذا أضعف الإيمان".
مؤسسات القدس ضاعت بين الدعم الوفير من المانحين الأجانب أصحاب الأجندات الخاصة، والدعم المتواضع وغير المدروس من المانحين العرب، هل هناك آليات لمتابعة كيفية وأين يتم صرف المبالغ التي يتم جمعها باسم القدس؟
مؤسسات القدس.. والدعم.. والأجندة المختلفة..مفاتيح هذا الثالوث لا زالت في يد الاحتلال.. والاحتلال لا يغامر ولا يجازف في هذه المفاتيح... والمؤسسات المقدسية مغلوب على أمرها..... ومعظمها يسبح ضد التيار الاحتلالي.. وليس من الممكن ترتيب هذا الملف إلا بإرادة سياسية تتوفر لدى السلطة الفلسطينية... وتعطيه الأولوية القصوى تعويضا عن التقصير الهائل الذي اقترفته بحق القدس وأهلها عندما قبلت بتأجيل بحث القدس إلى المراحل النهائية في المفاوضات".
القدس والأقصى كانا في خطر... وقد دخلا اليوم المرحلة التالية للخطر؛ فالسكان العرب في شرقي القدس هم أقلية. والمصلون اليوم يدخلون الأقصى بإرادة الاحتلال وإذنه ابتداءً من رئيس الهيئة الإسلامية العليا وانتهاءً بأصغر شاب أو طفل. وعلى العرب والمسلمين أن يعلموا أن القدس باتت مهوّدة... من حيث أغلبية عدد السكان وحجم المساحات والمصادرة من الأراضي والعقارات.
ما المطلوب اليوم فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ؟
إن المطلوب فلسطينياً هو المصالحة والتوحّد... وأية جهود تبذل قبل ذلك إنما هي مضيعة للوقت. وأما عربيا وإسلاميا...فلا يؤمل خطوات جادة لصالح القضية الفلسطينية، وعلى الأخص العمل على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.. إلا بعد إصلاح الأنظمة السياسية على الصعيد القومي والوطني... ومن ثم تشكيل اللوبي الضاغط لتحقيق الأهداف.
وأما على الصعيد الدولي... فمصالح المجتمع الدولي إنما تستجيب لمصالح الدول العربية والإسلامية... فمصالح الجميع تتشابك مع بعضها البعض..وانظر مثلا مسيرة تقرير غولدستون... فالمجتمع الدولي لم يكن ليتحرك بعكس رغبة العرب والمسلمين".