القدس المحتلة عاصمة الثقافة العربية 2009
هاني المصري
حسنا، لقد تم اختيار القدس المحتلة، "وأصر على إضافة كلمة المحتلة" عاصمة للثقافة العربية عام 2009، حتى لا ينسى أحد أنها محتلة وحتى لا تكون المناسبة فرصة للتطبيع مع الاحتلال، بل تكون محطة للصمود.
وإذا كانت القدس محتلة، وكانت وستكون رافعة لمقاومة الاحتلال حتى دحره. وحتى تظل عاصمة للثقافة العربية فيجب إظهار صمودها وشموخها وحضارتها وثقافتها التي تضرب عميقاً في التاريخ، بجدارة وبكافة المجالات، بما يؤكد زيف الادعاءات الصهيونية أن القدس كانت ولا تزال وستبقى العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل.
ورغم أن القدس محتلة، يجب أن نشعر هذه الأيام بالفخر بشكل خاص، لأنها أكدت أنها فلسطينية وعربية وصامدة ومقاومة للاحتلال حين قاطع 98% من أهالي القدس انتخابات البلدية التي جرت بالمصادفة في 11/11 أي في الذكرى الرابعة لرحيل واغتيال ياسر عرفات، حيث أفادت التقارير الصحافية أن التزامن بين الانتخابات وذكرى رحيل أبو عمار ساهم في تقليل عدد المشاركين المقادسة في الانتخابات البلدية، الذين كانوا الأقل عدداً بالمقارنة مع كافة الانتخابات البلدية التي شهدتها القدس سابقاً.
إن هذا يعنى أن 41 عاماً من الاحتلال لم تجعل أهل القدس ينسون قضيتهم الوطنية وهويتهم، وأن الذين شاركوا في الانتخابات "الإسرائيلية" هم نفر من الموظفين في المؤسسات "الإسرائيلية"، خصوصاً "البلدية"، وهم فعلوا ذلك خشية على وظائفهم التي تؤمن لهم سبل العيش في مرحلة تعاني القدس وأهلها بطش الاحتلال ومحاولاته استكمال عزل وتهويد المدينة وتفريغها من سكانها الأصليين، وذلك عبر هدم المنازل والاعتقالات وتضييق سبل العيش أمام أبنائها، ومواصلة الحفريات حول وتحت المسجد الأقصى والبلدة القديمة ونشر وتشجيع الجريمة والمخدرات والرذيلة، وفرض أنظمة عنصرية مثل تعريض المواطن المقدسي لفقدان حقه في الإقامة وهويته إذا أقام عددا من السنوات خارج مدينته، حتى لو كان يقيم على بعد أمتار منها...
إذا أردنا تحقيق الرؤية العامة للاحتفاء بالقدس المحتلة عاصمة للثقافة العربية عام 2009 والتي جاء فيها أن هذا الاحتفاء يأتي تأكيداً على أنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، وتكريساً لبعدها السياسي كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة ومكانتها في الوجدان الديني والإنساني، وتجذيراً لهويتها الثقافية العربية، ودعما للوجود الفلسطيني وصموده فيها، وتصديا لإجراءات الاحتلال "الإسرائيلي"، وتعزيزاً للشعور بالانتماء الوطني والعربي تجاه هوية ثقافية عربية موحدة، فلا بد أن تكون الاحتفالات والمعارض والمشاريع والندوات التي ستجرى طوال العام مركزة في القدس وتهدف إلى مشاركة الفلسطينيين وغيرهم في مختلف أنحاء العالم، حتى لو أدى ذلك إلى صدام مع قوات الاحتلال التي تحارب كل المؤسسات والنشاطات والاجتماعات والمشاريع في القدس حتى تمحو عروبتها وتسهل تهجير سكانها...
إن الاحتفاء بالقدس يجب أن يكون أساساً في القدس، وتحويل هذه المناسبة إلى فرصة لتمكين الفلسطينيين من زيارة عاصمتهم، فالقدس لها مكانة عظمى عند الفلسطينيين فهي قلب وعقل وروح فلسطين، وهى مسرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأولى القبلتين وثالث الحرمين، ومقر كنيسة القيامة وغيرها من المقدسات لكافة الأديان.
القدس ليست القدس إذا لم تكن مدينة مفتوحة، وهى لن تكون مفتوحة إلا إذا تم تحريرها، لذلك يجب وضع الاحتفاء باعتبارها عاصمة للثقافة العربية في سياق عملية تحريرها بدون أن يصب ذلك بأي شكل من الأشكال في مطب الإيحاء بأن الحياة طبيعية في القدس، وأن الحوار أو التعايش يمكن أن يحل الصراع. إن الصراع لا يحل إلا باستعادة الأرض والحقوق. إن الاحتلال يغلق القدس أمام شعبها ومحبيها من كافة الشعوب والبلدان ومن معتنقي كافة الآراء والأديان، لأنه يريد أن يستكمل ضمها وتهويدها وجعل العرب أقلية فيها، يتراجع دورهم باستمرار لصالح أغلبية يهودية متزايدة.
لنجعل الاحتفاء بالقدس المحتلة عاصمة للثقافة العربية 2009 مناسبة لتأكيد وحدة الشعب والقضية داخل الوطن وخارجه، في الضفة وغزة وداخل أراضى 1948، فالوحدة هي الكفيلة بالحفاظ على القضية حية، وهى الطريق لتحقيق الحرية والعودة والاستقلال