الرزنامة المقدسية
الإثنين 9 تشرين الأول 2017 - 10:33 ص 7959 0 مقالات |
د. ديمة طهبوب
كاتبة ومحللة سياسية
إن جزءا من تشكيل مفهوم النصر هو الانقلاب على تواريخ الهزيمة، هو إيجاد حالة ذهنية تحول إرث الخسارة إلى مكسب و تستفز الهمة من بعد الرقود و تحمل الأجيال أمانة الاصلاح حيث أخطأ أو قصر الأولون.
في كل عام ترجع إلينا ذكرى ما يسمى بوعد بلفور الذي حاول أن يلبس لبوس الإنسانية و ينطق بلسانها فينظر بعين العطف الى ما وصفه بعذابات شعب عانى التقتيل و التشريد و آن له أن يستقر و ينشىء دولته في فلسطين و كأن فلسطين هذه كانت خربة و أرض عزلاء منسية تنتظر من يستوطنها و يعمرها، بينما الحقيقة أن ذلك الوعد المدنس لم يكن أكثر من صفقة اشترت بها بريطانيا مادة لصنع القنابل من الصهيوني حاييم وايزمان و أعطته مقابلها عطاء من لا يملك لمن لا يستحق و كانت السبب في أكبر مأساة في تاريخ الانسانية حيث محت وطنا عن الخارطة و ما زالت بذات الغطرسة ترفض حتى مجرد اعتذار أدبي و رمزي عن سلوكها الاستعماري بالرغم أنها قدمته للكثيرين بما فيهم قبائل افريقية صغيرة!!
تعود الذكرى السنوية و حال السياسة الرسمية في تردٍ بلغ أشده بالانقضاض على المقاومة لأجل مسار التفاوض الذي ما انفك يثبت فشله جولة بعد جولة و حسن الحظ في هذا ان العدو الصهيوني ينقض و يخلف و يستمر بسياساته الاحادية و المتطرفة دون مراعاة لعهود و اتفاقيات!
تعود الذكرى و قد فهمت بعض الشعوب حال ساستها فغسلوا ايديهم منهم و التفتوا الى ما بين ايديهم من عناصر قوة و نجاح يستثمرون فيها.
تعود الذكرى و سياسة العدو تحاول اطباق فكي الكماشة على القدس تحديدا فهي و ان أقامت كيانها في الساحل لا تلتفت و لا تنسى ان المركز و ان طال الزمن ليس الا في القدس اذ لا معنى عندهم لاسرائيل بدون القدس و لا معنى للقدس بدون الهيكل! و مخططاتهم واضحة و معلنة تهدف الى تهويد المدينة بتغيير معالمها و هويتها و احاطتها بالمغتصبات و تشجيع الصهاينة على سكناها و طرد أهلها و التضييق عليهم و الثأر منهم و تغيير هويتهم بتغيير التعليم و المناهج و حصار المسجد الاقصى و اهله بتجريم المرابطين و ملاحقتهم و فرض السيطرة الامنية عليه بالكاميرات و البوابات!
تعود الذكرى و قد فهم أهل الأردن قبل غيرهم دور الأردن تحديدا في قلب الطاولة و تغيير المعادلة بالاستثمار في الانسان المقدسي ليكون رأس الحربة في مشروع المقاومة الشعبي، تعود الذكرى و أهل الأردن قد فهموا أن إرادة الشعوب غالبة مهما كان التفوق العسكري و لذا بدؤوا مشروعهم منذ سبع سنوات في تثبيت الانسان المقدسي كعنوان للصمود و الحفاظ على المقدسات.
مشروع جبار حمل لافتة أمل و دعم تزهو بحديث المصطفى صلى الله عليه و سلم "فابعثوا بزيت يسرج في قناديله" فكانت الحملة السنوية فلنشعل قناديل صمودها، حملة حولت كل الآمال و التمنيات و الغضب و الادانة الى حالة فعل و قوة قطفنا ثمارها بأعيننا مقدسيون منزرعون في أرضهم و بيوتهم يفدون مسجدنا الاقصى بالغالي و النفيس.
فلنشعل قناديل صمودها بلغت السنة السابعة من عمرها بستة مراحل من الاعمار رممت خلالها ٢١٨ وحدة سكنية استفاد منها ١١١٠ شخص و أعمرت منشأتين تعليميتين يدرس فيها اكثر من ١٥٠ طالب.
ثمار قطفناها في الانتفاضة الاخيرة يوم قيض الله للمسجد عبادا له أولي بأس شديد يحمونه و يذودون عنه.
يومها كان أهل الأردن موجودين لا بالروح فقط و انما بأجر الرباط في كل رقعة و بيت عمروه و كل مرابط ثبتوه، يومها كان صوتنا عاليا في كل تكبيرة و قدمنا راسخة في كل خطوة حبسنا العذر فأطلقنا عقال رقابنا بالنصرة بالمال.
هذا اليوم قد حان موعده هذا العام لنجدد وثيقة رباطنا و صك ملكيتنا و ولادتنا المقدسية المحفوفة بالبركة.
كان عطف العالم يوم بلفور و ما زال مع الصهاينة فأين عطفنا و الى من ترحل عيوننا؟
اليوم أزف و القدس تتجهز و الأقصى ينتظر سراجه فهل عقدتم العزم على نصرته؟
لقد ولت أيام الهزيمة و التباكي و بدأنا بكتابة رزنامة مقدسية و تاريخ جديد و ولادة متجددة عنوانها باقون باقون ما بقي الزعتر و الزيتون.