الرفض الشعبي لورشة البحرين: الوعي المفقود لدى المستوى الرسمي
الثلاثاء 25 حزيران 2019 - 12:45 م 3312 0 مقالات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةفي الوقت الذي يتهافت فيه بعض المستوى الرسمي العربي على مخططات ترمب لتصفية القضية الفلسطينية ليكون شريكًا فيها، فإنّ ما يلفت هو الموقف الشعبي المتمسّك بهذه القضية وبكلّ المخططات التي تحاك ضدّها للالتفاف على الحقّ الفلسطيني وإلغائه. والرفض الشعبي تترجمه المسيرات التي خرجت، ومن المتوقّع أن تخرج، من المنامة إلى بيروت، ومن المغرب والجزائر إلى رام الله وغزة؛ وهو رفض عبّرت عنه الفعاليات السياسية والإعلامية التي نظمت في مختلف الدول العربية لتأكيد رفضها للصفقة عمومًا وكل ما يتفرّع عنها من عناوين.
وبداية المواقف الرافضة كانت من البحرين، الذي سيحتضن الورشة الاقتصادية وفقًا لما أعلن في 19/5/2019 في بيان مشترك صادر عن المنامة وواشنطن. فقد قالت الجامعة البحرينية لمقاومة التطبيع إنّ ورشة البحرين خروج عن الإجماع الشعبي والمبادئ القوميّة، وطالبت الجمعية الحكومة البحرينية بإلغاء هذه الورشة التي من ضمن أهدافها الإمعان في التطبيع مع الكيان الصهيوني وعقد تحالفات مشبوهة بينه وبين بعض الأنظمة العربية المندفعة لتطبيع العلاقات، وهو الأمر الذي يرفضه الشعب البحريني على وجه الخصوص وجميع الشعوب العربية، ذلك أن الإصرار على المضي في تنظيم مثل هذه الفعاليات يعتبر خروجًا على الإجماع الشعبي ومسًّا صريحًا بالثّوابت الوطنية والقومية التي يؤمن بها الشعب البحريني وشعوب الأمة العربية والإسلامية، وفق تعبير الجمعية.
وفي الأردن، خرجت تظاهرات حاشدة مندّدة بالصفقة، ورافضة مشاركة الحكومة الأردنية في ورشة البحرين، ومطالبة بإبطال صفقة القرن. كذلك، طالبت النقابات المهنية الأردنية الحكومة بعدم المشاركة في ورشة البحرين كونها إحدى أدوات تمرير صفقة القرن الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية عن طريق "المال مقابل السلام". وشهدت تونس تظاهرات مشابهة شارك فيها نقابيون وناشطون فيما شارك عشرات الآلاف من المغاربة في تظاهرة نصرة لفلسطين ورفضًا لـصفقة القرن، وإدانة لمؤتمر البحرين الذي دعت له الإدارة الأمريكيّة مدخلًا لتطبيع رسمي عربي مع الكيان الإسرائيلي، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "الشعب المغربي يندد بصفقة الخيانة وورشة المنامة"، وشعارات تطالب بـ "إسقاط مؤتمر العار"، مؤكدين رفضهم أي مشاركة للمغرب في ورشة البحرين من أيّ مستوى كان.
وفي الأراضي الفلسطينية المحتلّة فإنّ رفض ورشة البحرين هو السمة الغالبة، وهو رفض تؤكده مسيرات العودة منذ انطلاقها، وقد قال بيان الهيئة العليا لمسيرات العودة ورفع الحصار في 24/5/2019 إنّ فعاليات المسيرة تأتي رفضًا لكل المشاريع التصفوية وفي مقدمتها صفقة القرن، وقد شارك الآلاف في مسيرة العودة في الجمعة الـ59 ، فيما انطلقت مسيرة العودة يوم الجمعة في 31/5/2019 تحت عنوان يوم القدس، وتخللها مواقف رافضة لورشة البحرين وصفقة القرن. وشهدت الضفة المحتلة تظاهرات حاشدة شارك فيها آلاف الفلسطينيين، رفضًا لصفقة القرن وتنديدًا بورشة البحرين، ووجهت دعوات إلى إضراب شامل.
ودعت مؤسّسات فلسطينية ومجموعات التضامن في الولايات المتحدة إلى مقاطعة مؤتمر البحرين والتصدي لصفقة القرن، وأي محاولات للالتفاف على الموقف الفلسطيني. كذلك، دعا فلسطينيو أوروبا إلى أوسع حملة رافضة لصفقة القرن وعقد ورشة البحرين.
وشهد لبنان، إلى جانب التظاهرات التي شهدتها مناطقه المختلفة، لقاء سياسًا شعبيًا دعا إليه المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي-الإسلامي والأحزاب العربية ومؤسسة القدس الدولية تحت عنوان "متحدون ضد صفقة القرن" للتداول في سبل مواجهة صفقة القرن قبيل اعقاد الورشة الاقتصادية. وخرج اللقاء الذي انعقد في العاصمة اللبنانية بيروت، بميثاق الأمة ضد صفقة القرن مؤكدًا جملة من الأمور، من بينها الدعوة إلى إنهاء اتفاقية أوسلو والعمل على إفشال ورشة البحرين عبر جملة من الفعاليات. ودعت هيئات "لقاء متحدون ضد صفقة القرن" إلى اعتبار يوم 25/6، الذي يوافق ورشة البحرين، يومًا لتحركات شعبية على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي والدول الصديقة. علاوة على ذلك، نظم لقاء إعلامي موسع تحت عنوان "إعلاميون ضد صفقة القرن" أكد في بيانه الختامي رفض صفقة القرن ووصف كل من يشارك فيها مباشرة أو مواربة بالخائن.
هذا الموقف الشعبي الذي تجسد في مختلف العواصم العربية لا يرفض المشاركة في ورشة البحرين وحسب، بل هو يرفض المشاركة بكلّ تفاصيلها، وبأيّ مستوى كانت، وتحت أي ذريعة قدمت، فالمشاركة بمستوى متدنّ مشاركة وتآمر، والمشاركة تحت عنوان دعم القضية الفلسطينية لا تقنع إلا أصحابها، إذ إنّ دعم القضية الفلسطينية لا يكون عبر وضع اليد مع الأمريكيين في مخططات التصفية والسيطرة والإلغاء، ولا بالتطبيع مع الإسرائيليين، وهذه عناوين المشاركة في ورشة البحرين. وبطبيعة الحال، فإنّ الرفض الشعبي للورشة هو رفض لصفقة القرن أيضًا لما تعنيه هذه من تمهيد لتلك.
وفي العموم، يمكن القول إنّ الموقف الشعبي الرافض لصفقة القرن وورشة البحرين يعكس الوعي بمخاطر صفقة القرن، وارتداداتها على القضية الفلسطينية، وهو رفض يعني بيئة نابذة للصفقة وما يتفرّع عنها، تقف على طرف نقيض من الموقف الرسمي السائر في ركب الولايات المتحدة ومخططاتها التصفويّة.