طريق "الحجاج" إلى تزوير تاريخ القدس!
الثلاثاء 16 تموز 2019 - 9:24 م 3044 0 مقالات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةعلى الرغم من استمرار الاحتلال في سياساته التهويدية في القدس المحتلة، إلا أنّ ثمة أمرًا لا يمكن تجاهله، وهو الانتكاسات التي مُني بها مشروعه التهويدي في غير محطة، نذكر منها في هذا المقام ثلاث محطات: انتفاضة القدس عام 2015، وهبة باب الأسباط عام 2017، وهبة باب الرحمة عام 2019. ففي كلّ من المحطات الثلاث، اضطر الاحتلال إلى التراجع أمام زخم المقاومة الشعبية، وفي كلٍّ مرة كانت سياسته الهادفة إلى ضرب الوضع القائم التاريخي في الأقصى وفرض تعريفه كأمر واقع تتعرّض لضربة وانتكاسة تضع المستوى الرسمي في دولة الاحتلال في موقف حرج في مواجهة "جماعات المعبد"، وتطرح مرة تلو الأخرى أسئلة إسرائيلية حول حقيقة المزاعم الإسرائيلية بالنسبة إلى السيادة على القدس، لا سيما الشطر الشرقي منها، وعلى المسجد الأقصى على وجه الخصوص.
حيال هذا الواقع الذي فرضت فيه الجماهير كلمتها، وعرقلت فيه مخططات الاحتلال، هرب السلطات الإسرائيلية نحو سلوان ومعها أبرز داعمي الاحتلال وسياساته الأمريكيين، لافتتاح النفق المسمى باسم طريق الحجاج، وهو طريق متدرج، على عمق 15 مترًا وبطول يمتد على مسافة نحو 600 متر، بين بركة سلوان التاريخية وأسفل المسجد الأقصى وباحة حائط البراق المحتل. ووفق مزاعم جمعية "العاد" الاستيطانية المشرفة على تهويد سلوان، كان النفق طريقًا للحج إلى "المعبد الثاني" قبل نحو 2000 عام. ففي 30/6/2019،جرت مراسم افتتاح النفق، وشارك فيها زوجة رئيس حكومة الاحتلال، ومسؤولون إسرائيليون، وكلّ من السفير الأمريكي لدى دولة الاحتلال، ديفيد فريدمان، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات. وحرص كل من فريدمان وغرينبلات على أن يشاركا، بمطرقة تداولا على حملها، في هدم الجدار الأخير للنفق، في مشهد يقول إنّ الدعم الأمريكي للإسرائيليين ليس بالقول وحسب، بل بالفعل والعمل أيضًا. وكانت التصريحات الأمريكية لافتة في دعمها الرواية الإسرائيلية وتبنّيها، فقد قال السفير الأمريكي: "إنّ العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل علاقة متينة وثابتة ولا يمكن زعزعتها، وإن ما تم حفره والكشف عنه إنّما هو حقيقة لا يمكن الطعن فيها". أما غرينبلات فكتب على حسابه على موقع تويتر: "لا يمكننا تهويد ما يظهره التاريخ وعلم الآثار، يمكننا التعرف عليه ويمكنكم التوقف عن التظاهر أنّه غير صحيح، لا يمكن بناء السلام إلا على الحقيقة".
ووفق مقال نشره "المعهد الأورشليمي للشؤون العامة" للباحث الإسرائيلي يوني بن مناحيم، فإنّ افتتاح طريق الحجاج هو انتصار مهم بالنسبة إلى "إسرائيل" في معركة السيادة على شرقي القدس. وأشار بن مناحيم إلى أنّ هذا النصر يأتي بعد الخسارة المريرة لـ "إسرائيل" أمام الفلسطينيين في أثناء أزمة باب الرحمة عندما سيطر الفلسطينيون على باب الرحمة في المسجد الأقصى. أمّا مشاركة اثنين من كبار المسؤولين الأمريكيين في حفل حضره وزراء إسرائيليون، فإنّها تعزز التزام ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال؛ إذ مضى أكثر من عام على هذا الاعتراف ولم تتراجع الولايات المتحدة على الرغم من تظاهرات الفلسطينيين واعتراض الدول العربية والإسلامية، بحسب بن مناحيم.
وإذا نظرنا إلى توقيت افتتاح النفق، أمكن القول إنّه محاولة إسرائيلية للتعويض عن الخسائر التي تعرّض لها مشروعه في المسجد الأقصى في السنوات الأربع المنصرمة، ومحاولة لكسب الوقت فيما يحاول استعادة السيطرة على باب الرحمة قبل بضعة أشهر من انتخابات "الكنيست" التي تقرّر إعادتها في أيلول/سبتمبر 2019. أمّا الدعم الأمريكي الذي تقدمه إدارة ترمب فلا تخفى صلته بتعزيز الموقف الإسرائيلي في ظلّ صفقة القرن، أو كجزء منها.
هكذا، يسير الإسرائيليون والأمريكيون في "طريق حجّ" يتشاركون عبره تزوير الحقيقة التاريخية حول سلوان، والقدس عمومًا، ويلغون فيه التاريخ العربي للقدس، ليدعموا روايتهم باستخدام مغلوط لعلم الآثار قائم على التزوير والتحريف. ومن الجليّ أنّ الإسرائيليين يستفيدون اليوم من الدعم الأمريكي العلني لهم، ويتلقفونه كعامل قوة لاستكمال ما أمكن من مشروعهم التهويدي، وفرضه بقوة الأمر الواقع، وهذه المشاركة الأمريكية ليست إلّا إذنًا صريحًا جديدًا لدولة الاحتلال لتستمرّ في محاولات فرض روايتها وتكريسها، وهو إذن يتجانس مع الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال في كانون أول/ديسمبر 2017، وتلك كانت أولى المعالم في "طريق الحج" الذي رسمته إدارة ترمب لتزوير الحقائق في القدس وتاريخها.