برد الثلاجات إذ يغدو لهيبًا!
الخميس 12 أيلول 2019 - 3:06 م 3162 0 تدوينات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةلا ينفكّ الاحتلال يستغلّ جثامين الشهداء ومقابر الأرقام ضمن وسائل الضبط والعقاب التي يسعى عبرها إلى ترويض الفلسطينيين، وخلق مجتمع خانع راضٍ بالاحتلال، تارك للمقاومة، نابذٍ لها، معرضٍ عنها. وتتحالف أذرع الاحتلال المختلفة للمضيّ في هذه السياسة وترسيخها، واستغلال الجثامين في معركة إخضاع الفلسطينيين، على المستويات السياسية والقانونيّة والأمنيّة والعسكريّة. فقد صدر مؤخرًا عن المحكمة العليا للاحتلال قرار يقول بجواز احتجاز جيش الاحتلال جثامين الشهداء واستخدامهم كورقة مفاوضات في أيّ عملية تبادل أسرى مع فصائل المقاومة. ويأتي هذا القرار ليناقض قرارًا سابقًا للمحكمة ذاتها، في كانون أول/ديسمبر 2017، في معرض النظر في التماس حول استرداد جثامين الأسرى الفلسطينيين المحتجزين منذ انتفاضة القدس عام 2015، جاء فيه أنّ احتجاز الجثامين لغرض استخدامها كورقة ضغط ومساومة في مفاوضات الإفراج عن الجنود الإسرائيليين الأسرى هو إجراء غير قانونيّ، وهو أمر رفضته حكومة الاحتلال حينها بذريعة أنّه يعرقل جهودها في استعادة الجنود الأسرى. لكن على الرغم من رفض المحكمة حينذاك مبدأ استغلال الجثامين لصفقات التبادل فهي أعطت الحكومة مهلة ستة أشهر كي تتّخذ من التشريعات ما يسبغ على الأمر الصبغة القانونية!
من الواضح أنّ محكمة الاحتلال تصطف مع سائر أركان منظومة الكيان للإمعان في معاقبة الفلسطينيين، وهي تفعل ذلك هذه المرّة تحت عنوان الاستفادة من الجثامين للتفاوض في عمليات تبادل الأسرى، التي عرقلها الاحتلال غير مرة بتعنّته وإصراره على أن يحقّق أكثر المكاسب من دون الاستجابة للفلسطينيين وأن يصل إلى صفقة حول تبادل الأسرى يستطيع فيها إطلاق أسراه من دون تحرير الأسرى الفلسطينيين الذين يحتجزهم في سجونه ومعتقلاته. وتحتجز سلطات الاحتلال الإسرائيلية 304 جثامين، منهم 51 جثمانًا محتجزًا منذ عام 2015، وفق "الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء".
وعلى الرغم من الحرقة والألم الذي يشعر به أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم فإنّ هؤلاء يرفضون الخضوع للابتزاز الإسرائيلي، وقد قرأنا ذلك في بيانهم الصادر تعليقًا على قرار المحكمة العليا، وقد جاء فيه: "نعلن أننا نرفض رفضًا قاطعًا ربط قضية أبنائنا الشهداء بأيّ عملية تبادل أسرى محتملة، ونعتبر أنّ أسرانا الأحياء في سجون الاحتلال أوْلى بالحرية من شهدائنا الذين تنعم أرواحهم بجنات النعيم بإذن الله"، وأظهر أهالي الشهداء وعيًا بسياسة الاحتلال عكسها قولهم "إن الاحتلال يمارس احتجاز الجثامين قبل أن تبدأ المقاومة بأسر جنوده وهذا على مدار عقود من الزمن، وبالتالي ربط الملف بمفاوضات مع المقاومة تضليل إعلامي وسياسي وجب الحذر منه".
إنّ دولة الاحتلال لا تقيم وزنًا لآلاف الأسرى الفلسطينيين الذين تحتجزهم في سجونها، ومثلما أنّها لا تحترم كرامة الأحياء فهي لا تحترم كرامة الشهداء، وكما أنّها لا تعترف بحقوق للأسرى فهي لا تعترف بحقوق للشهداء، وأقلها حقّ دفنهم، وحقّ أهلهم في مواراتهم، وإلقاء نظرة أخيرة عليهم قبل الوداع الأخير. لكنّ سياسة تسعير برد الثلاجات ليصبح لهيبًا يعصف بقلوب أهالي الجثامين المحتجزة لن تقوى على عزيمة الفلسطينيين وإصرارهم، إذ تبقى الثّقة بخيار المقاومة، وبالنهج الذي سار عليه آباؤهم وأبناؤهم هي المعيار والفيصل.