كرة القدم في الضّفة لمواجهة كرة النار في الأقصى!
الثلاثاء 15 تشرين الأول 2019 - 3:15 م 3006 0 مقالات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةوصل إلى رام الله يوم الأحد 2019/10/13، المنتخب السعودي للمشاركة في التّصفيات المؤهلة لكأس العالم 2022 وكأس آسيا 2023. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس في استقبال المنتخب مساء في رام الله، وهو وصف الزيارة بالمهمّة على المستويين السياسي والرياضي، فيما توالت التصريحات والتأكيدات من فريق السلطة أنّ دخول الفريق العربي إلى الضفة هو "تضامن مع السجين وليس تطبيعًا مع السّجان". لكن على ما بيدو، فإنّ هذا الرأي تتفرّد به السلطة فيما يخالفه معظم الشارع الفلسطيني، تمامًا مثل مسألة زيارة العرب للقدس والأقصى تحت الاحتلال، وجدلية تصنيفها دعمًا للفلسطينيين أو تطبيعًا مع الاحتلال.
إذًا، الوفد الذي وصل إلى رام الله الأحد زار المسجد الأقصى الإثنين، بالتزامن مع احتفال المستوطنين بأول أيام "عيد العرش"، بحماية قوات الاحتلال التي كانت تحمي اقتحامات المستوطنين منذ أولى ساعات جولة الاقتحامات الصباحية، وتطرد المسلمين من باب الرحمة ليُتمّ المستوطنون جولتهم في المنطقة الشرقية من دون أن يكون فيها وجود للمسلمين. وستجري المباراة اليوم الثلاثاء على ملعب فيصل الحسيني في الرام بالضفة، إلى الشمال من القدس المحتلّة.
هذا المشهد من التطبيع الرياضي يأتي في حمأة الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى في ما يسمى موسم الأعياد العبرية، الذي بدأ في أواخر أيلول/سبتمبر مع "رأس السنة العبري"، الذي تلاه"عيد الغفران" ويختتم مع "عيد العرش" الذي يستمر حتى 2019/10/21. صحيح أنّ اعتداءات الاحتلال تستمرّ على مدى أيام العام، لكنّها غالبًا ما تترافق في موسم الأعياد مع تطورات تؤكّد سعي الاحتلال إلى تغيير الوضع القائم التاريخي، وفرض وضع جديد يتناسب مع تعريفه ومع محاولات السيطرة الكاملة على المسجد.
فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، صعّد الاحتلال استهدافه المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى، وعملت قواته على مصادرة القواطع الخشبية وخزائن الأحذية من المصلّى، واقتحمته بالأحذية، لتأكيد عدم اعترافها به مكانًا للصلاة، ولتقول إنّها من يحدّد وجهة استعمال المباني في الأقصى؛ وهذا المشهد بات يتكرّر منذ ما بعد هبة باب الرحمة في شباط/فبراير 2019، إذ يحاول الاحتلال "استعادة" المصلى الذي أعاد المقدسيّون فتحه هذه العام بعدما أغلقته السلطات الإسرائيلية حوالي 16 عامًا. كذلك، شهد الأقصى اقتحامات كبيرة احتفالًا بالأعياد العبرية، وصلوات تلمودية، ترافقت مع حملة اعتقالات نفّذتها قوات الاحتلال بحقّ المقدسيين وفلسطينيّي الأراضي المحتلّة عام 1948، وقرارات بإبعاد عدد منهم عن المسجد الأقصى، والقدس القديمة.
الاعتداءات جاءت معطوفة على سماح سلطات الاحتلال للمستوطنين باقتحام الأقصى في عيدي "توحيد القدس" الذي صادف في العشر الأواخر من شهر رمضان، في 2019/6/2، وفي "ذكرى خراب المعبد" بالتزامن مع اليوم الأول من عيد الأضحى في 2019/8/11؛ لتقول بأنّ الرزنامة العبرية هي التي ستكون لها الأولويّة على الأعياد الإسلامية، وستشرع الاقتحامات عند تزامن الأعياد والمناسبات الإسلامية مع تلك العبرية، وهذا من تجليات إحداث المزيد من التغيير في الوضع القائم.
وعلاوة على هذه الاعتداءات، نشرت صحيفة "ماكور ريشون" يوم الجمعة 2019/10/11، مقابلة مع وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان قال فيها إنّ المستوطنين "سيشهدون قريبًا حرية الصلاة في جبل المعبد"، وإنّ "الأمور تتجه في القدس نحو استعادة السيادة والسيطرة على المكان"، مشيرًا إلى أنّ الوصول إلى هذا الهدف سيتحقّق "عندما يبدي المزيد من اليهود رغبتهم في زيارة جبل المعبد، وهكذا سينشأ طلب مُلحّ وضاغط حول هذا الأمر، وأتمنى أن يحصل ذلك قريبًا". وكان للوزير إردان تصريحات واضحة حول دعمه تغيير الوضع القائم في الأقصى، مع ما يتضمّنه ذلك من السماح للمستوطنين بالصلاة في المسجد.
ومع كلّ هذه الاعتداءات لم يحظَ المسجد الأقصى بالدعم العربي في وجه التصعيد الإسرائيلي، ولم يلقَ تحركًا جديًا على الأرض لنصرته والدفاع عنه، يشبه التحرك عبر إرسال منتخب رياضي، أمّا مشهد الوفد السعودي في الأقصى يوم أمس فقد سارعت الصفحات الإسرائيلية إلى التقاطه وتصديره على أنّه دليل على "حرية العبادة في إسرائيل وأورشليم القدس"!
وفي خلاصة هذا المشهد، فإنّ مجموعة من التساؤلات تفرض نفسها وتدعو إلى الاستغراب: هل استنفد العرب كلّ طريق الدعم للقضية الفلسطينية حتى لم يبقَ أمامهم سوى طرق أبواب من "الدّعم" الذي لا يتمّ إلا بالتنسيق مع الاحتلال؟ وهل السلطة الفلسطينية بلغت من الشعور بالعزلة حدًّا يدفعها إلى طلب أيّ شكل من الدعم، حتى وإن كان يجرّ من الضّرر على الفلسطينيين أكثر من ما قد يجلبه لهم من الّنفع، ويبيّض صفحة الاحتلال ويشغل عن جرائمه، لا سيّما التي يرتكبها في موسم الأعياد العبرية الذي تأتي زيارة المنتخب السعودي في أثنائه؟ ولماذا يسمح الاحتلال بهذه الزيارة للمنتخب السعودي في الوقت الذي يمنع فيه اللاعبين الفلسطينيين من قطاع غزّة من الدخول إلى الضفة وإقامة مباراة رياضية، مثلما جرى في تموز/يوليو الماضي عندما رفضت سلطات الاحتلال إعطاء التصاريح للاعبي نادي "خدمات رفح" بذريعة أنهم مطلوبون أمنيًا؟