التّيه في صحراء التّطبيع
الجمعة 11 كانون الأول 2020 - 9:49 م 2210 0 مقالات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةفي مشهد مشابه للإعلان عن الاتفاق على تطبيع العلاقات بين كل من الإمارات والبحرين والسودان من جهة ودولة الاحتلال من جهة أخرى، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء أمس الخميس 2020/12/10، في تغريدة على تويتر، عن اتفاق المغرب ودولة الاحتلال على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، في خطوة وصفها بـ "اختراق تاريخي آخر"، يضاف إلى "إنجازاته" التي يقول إنّها خطوة على طريق "السلام". ووفق تصريح جاريد كوشنر، مستشار ترامب، سيعيد الطرفان فتح مكاتب الاتصال في الرباط ودولة الاحتلال فورًا وبنيّة فتح سفارتين، وسيعززان التعاون الاقتصادي بين الشركات الإسرائيلية والمغربية.
وبحسب تغريدة أخرى من ترامب، فإنّ "الثمن" الذي وعد به المغرب في مقابل الإعلان عن التطبيع هو ترامب، الذي من المفترض أن يغادر البيت الأبيض في 2021/1/21، بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.
وعلى الرغم من تأكيد رئيس الوزارء المغربي سعد الدين العثماني، في 2020/8/23، أنّ بلاده ترفض أيّ تطبيع مع دولة الاحتلال لأن ذلك يعزز موقفهها في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، وأنّ "موقف المغرب ملكًا وحكومة وشعبًا هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك ورفض أي عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين والمقدسيين وعروبة وإسلامية المسجد الأقصى والقدس الشريف"، لم يكن الإعلان عن التطبيع مفاجئًا للمتابعين، فإرهاصاته لا تزال تتوالى منذ أعوام، والعلاقات بين المغرب والاحتلال لم تتوقف حتى بعد قطع العلاقات الدبلوماسية عام 2000، فقد استمرت سرًا، وشملت التعاون الأمني والاستخباري وبيع معدات عسكرية وطائرات من دون طيار إسرائيلية الصنع استلمها المغرب في كانون ثانٍ/يناير 2020 بعد شرائها عام 2014.
كذلك، فقد اجتمع وزير الخارجية المغربي ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في نيويورك، في شباط/فبراير 2019، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وناقشا مسألة التطبيع فيما زار كوشنر المغرب في أيار/مايو 2019، والتقى العاهل المغربي وذلك قبل ورشة المنامة التطبيعية التي عقدت في حزيران/يونيو 2019 لطرح الجانب الاقتصادي من صفقة القرن، وحضرها المغرب.
ومثل سلفه من الأنظمة التي انضمّت إلى ركب التطبيع وحاولت التغطية على خطوتها، أعلن العاهل المغربي أنّ المغرب يضع القضية الفلسطينية في صدر انشغالاته، ولن يتخلّى عن دوره في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؛ وقال في اتصال مع رئيس السلطة الفلسطينية إنّ "القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء الغربية"، و"ترسيخ مغربيّتها لن يكون أبدًا على حساب نضال الشّعب الفلسطيني".
وتأتي مثل هذه التصريحات لتبرير السقوط في وحل التطبيع، فالأمور وتداعياتها لا تقاس بالأقوال والوعود والتصريحات بل بما تنتجه من وقائع على الأرض، إذ إنّ الانفتاح على العلاقة مع الاحتلال لا يمكن إلّا أن يعزّز التعنّت الإسرائيلي ويطمئن دولة الاحتلال إلى إمكانية الاستمرار في اعتداءاتها على القدس والأقصى والمضيّ في التهويد والاستيطان مستفيدة من مظلة من العلاقات مع الدول العربية تحرف النظر عن ممارساتها، وتساعدها في تعزيز روايتها.
وكان ذلك واضحًا على أثر اتّفاق التطبيع مع الإمارات والبحرين الذي استمرّت في ظلّه اعتداءات الاحتلال بل وتصاعدت، على المستويات كافّة، حتّى أنّ نشطاء الهيكل وجهوا رسائل إلى العرب المطبّعين يدعونهم فيها إلى التكاتف مع الإسرائيليين لـ "طرد الأوقاف والفلسطينيين الإرهابيين" من المسجد.
وعلى ما يبدو، لن يكون المغرب الأخير في الانضمام إلى قافلة المطبّعين، فقد نقلت قناة "كان" العبرية عن شخصية إسرائيلية قولها إنّ "المغرب هي الدولة العربية الرابعة التي أعلنت مؤخرًا اتفاقيات سلام مع إسرائيل، لكنها لن تكون الدولة الأخيرة، ففي غضون أيام ستعلن دولة عربية عن إقامة علاقات مع إسرائيل"؛ وعلى ما يبدو فإنّ كلّ نظام يلتحق بالتطبيع سيسوق ذرائع تحت عنوان المصلحة الوطنية ويشفعها بوعود الدفاع عن القضية الفلسطينية، وقد رأينا عقودًا من هذا "الدفاع" وتجلياته قبل الجهر بالتطبيع، فكيف سيكون شكل الدفاع بعد الارتماء العلني في حضن الاحتلال؟
في الختام، وعلى الرغم من خسارة ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية وما يعكسه ذلك من انعدام الرضا الأمريكي عنه وعن سياساته، تتبرّع الأنظمة العربية لتنفيذ الخطة التي طرحها لـ "السلام" في المنطقة والمعروفة بصفقة القرن الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، والتي يحتاج تنفيذها إلى مزيد من الضغط على الفلسطينيين وتطويقهم، وقد انبرى أبناء جلدتهم لتسهيل هذه المهمّة، وليس أدلّ على التيه في صحراء التطبيع من تجاهل الأنظمة المطبّعة لدورها في ترسيخ هذه الصفقة والمشاركة في تطبيقها، وتكريس الاحتلال، وتثبيت روايته.