استمرار تهويد القدس تحت غطاء المفاوضات... وتصعيد استهداف الأقصى
"القدس الدولية" تصدر تقرير حال القدس الأول لعام 2014:
الثلاثاء 22 نيسان 2014 - 12:17 ص 6214 0 أبرز الأخبار |
أصدرت مؤسسة القدس الدولية تقرير حال القدس الأول الذي يرصد أبرز تطورات الفصل الأول من عام 2014.وتناول التقرير أبرز تطورات مشروع التهويد الثقافي والديني والديموغرافي في القدس المحتلة من كانون ثانٍ/يناير إلى آذار/مارس بالإضافة إلى تطوّرات المواقف السياسية العربية والإسلامية والدّولية خلال هذه المدّة. ولعلّ التطور الأخطر، وفق التقرير، والمتوقّع سابقًا، هو ما أفرزته المفاوضات من حديث عن عاصمة للفلسطينيين ولـ "إسرائيل" في "القدس الكبرى" وهو ما طرح إشارات حمّالة أوجه إلى أن تكون العاصمة الفلسطينية في إحدى ضواحي القدس كأبي ديس أو كفر عقب.
وسلّط التّقرير الضّوء على توسّع استهداف الاحتلال للمسجد الأقصى ليشمل طرح وضعه تحت السيادة الإسرائيلية بشكل كامل مع إنهاء أيّ دور للأردن الذي يشرف على المسجد من النّاحية الإدارية عبر وزارة الأوقاف التي تتولى إدارة المقدسّات في القدس المحتلّة. كما تحدّث التّقرير عن تطوّر في نشاط الجمعيّات الاستيطانية، ولا سيما جمعيتا "العاد" و"عطيرت كوهنيم" اللتان تسعيان إلى تعزيز الوجود اليهودي في شرق القدس عبر توطين المزيد منهم، خصوصًا في البلدة القديمة وحول المسجد الأقصى، كما عبر المشاريع السياحية. ولفت التقرير إلى أزمة المياه التي يعاني منها المقدسيون الذين عزلهم الاحتلال خلف جدار الفصل العنصري كما بيّن تهاون الاحتلال وعدم اكتراثه لإيجاد حل للأزمة التي بدأت في أوائل آذار/مارس 2014.
وفي التّفاعل مع القدس، فقد شهد الشهر الأول من العام التئام لجنة القدس بعد 12 عامًا على آخر اجتماع لها، وعودة اللجنة بعد حوالي عقد تعرضت خلاله القدس لتصعيد في التهويد لم ينتج لغة تتوافق مع حدة حملة التهويد والمخاطر التي تتعرض لها المدينة، كما أن اللجنة ترجمت الحاجة إلى الابتعاد عن الشعارات في دعم القدس عبر إعلان دعمها للمفاوضات ولجهود الإدارة الأميركيّة في "عملية السلام". أما مجلس حقوق الإنسان فصوّت في 28/3/2014 على 5 قرارات تدين دولة الاحتلال دعا أحدها إلى مقاطعة المستوطنات واتّخاذ الخطوات اللازمة لتفعيل المقاطعة.
الملخّص التّنفيذي
متشابهة هي بدايات أعوام القدس ونهاياتها، فما حملته خواتيم عام 2013 من مؤشّرات على تطور ممارسات الاحتلال في القدس لم تلبث أن تبلورت عبر استمرار الاحتلال في سياسة التهويد الديني والديموغرافي، سواء عبر تثبيت الحقائق على الأرض من خلال الاستيطان، أو اقتحام المسجد الأقصى والتطور إلى طرح فكرة استبدال السيادة الإسرائيلية الكاملة بالسيادة الأردنية الحالية. كما تجلت في الربع الأول من عام 2014 واحدة من نتائج الممارسات التي تتبعها سلطات الاحتلال بحق المقدسيين، نعني بها أزمة انقطاع المياه عن الأحياء المقدسية التي عزلها الاحتلال وراء جدار من الحديد والأسمنت... وكثير من العنصريّة.
وبموازاة ممارسات الاحتلال وسياساته التهويديّة وارتداداتها على القدس والمقدسيّين كانت المفاوضات التي استؤنفت أواخر تموز/يوليو 2013 تحقّق النتائج ذاتها التي حقّقتها جولات المفاوضات السابقة بدءًا من أوسلو. فالجانب الإسرائيلي يمرّر المزيد من السياسات التهويدية على الأرض، ويتبادل مع الطرف الفلسطيني اتهامات بتعطيل المفاوضات فيما تحاول الإدارة الأميركية طمأنة نتنياهو بممارسة المزيد من الضغوطات على الطرف الفلسطيني الذي يوقن أنه لم يبق شيء يمكن التنازل عنه.
في التهويد الديني الذي تعرضت له القدس المحتلة خلال المدة التي يرصدها التقرير كان المسجد الأقصى مستهدفًا بشكل رئيس، لا سيما في "الكنيست". فكما بات واضحًا فإن الاعتداءات على المسجد الأقصى تجاوزت عتبة التصريحات والاقتحامات التي باتت بروتوكولاً يوميًا يلتزمه المتطرفون اليهود من مستوطنين وشخصيات دينية وحكومية، وتطورت نقاشات "الكنيست" حول المسجد الأقصى لتطرح نقله إلى السيادة الإسرائيلية الكاملة واستبدالها بالسيادة الأردنية. ففي 25/2/2014، ناقش "الكنيست" مشروع قانون قدّمه النائب الليكودي المتطرف موشيه فيجلين ويقضي بإنهاء السّيادة الأردنيّة على المسجد الأقصى ووضعه تحت سيادة الاحتلال الكاملة. وقد انتهت الجلسة دون تصويت فيما قال رئيس "الكنيست"، يولي أدلشتاين، إن المقترحات حوله ستقدم في جلسة تحدد لاحقًا. وكان أدلشتاين قرر تأجيل مناقشة المقترح التي كانت مقررة يوم 18/2/2014 نظرًا إلى المواقف الرافضة لها على المستويين العربي والإسلامي، فكان التّأجيل بمثابة امتصاص لهذه المواقف التي ما لبثت أن خفّت وتيرتها، بل تلاشت، عند مناقشة الاقتراح فعليًّا. إلا أنه بالإمكان القول إنّ عدم الذهاب بعيدًا في اتّخاذ قرارات في موضوع إنهاء السيادة الأردنية مردّه، وإن بشكل جزئي، الخوف من ردود فعل عربيّة وإسلاميّة وحتّى دوليّة، وغياب التّوجّه إلى فتح معركة على الأقصى قد تؤدّي إلى ضياع "المكتسبات" التي تمكنت سلطات الاحتلال من انتزاعها سواء عبر تكريس واقع معيّن من الاقتحامات أو بفعل السّكوت العربي والتّغاضي الإسلامي، صاحب الوصاية على الأقصى، بحد من الانتهاكات صارت معه الاقتحامات والتصريحات حقًا مسلّمًا به لليهود.
ونظرًا إلى الشكاوى المتكررة من "التضييق" الذي يواجهه المتطرفون لدى اقتحامهم الأقصى ومنعهم أحيانًا من اقتحام المسجد فقد أثار أعضاء في "الكنيست" هذه المسألة لا سيما مع اقتراب "عيد الفصح العبري". وبناء على ذلك، أقرّت لجنة الداخلية في "الكنيست" في 5/3/2014 بشكل رسمي إنشاء لجنة فرعيّة تخصصية هي "لجنة تسور" مهمتها فحص عملية تنظيم اقتحامات اليهود يوميًا للمسجد الأقصى من أجل تأدية الصلوات التلمودية.وتأتي هذه اللجنة انسجامًا مع اقتراحات النائب فيجلين حول نقل السيادة وهي تغذّي في نهاية المطاف مشروع التقسيم الزماني للمسجد الأقصى.
وفي إطار التهويد الديني الذي يستهدف المسجد الأقصى من خلال زرع الكنس حوله، فقد أقرت اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء بناء كنيس "جوهرة إسرائيل" في البلدة القديمة بالقدس، وهو يبعد 200 متر عن المسجد الأقصى غربًا ويتألف من 4 طبقات وتعلوه قبّة مقببة ترتفع عن الأرض 24 مترًا بالإضافة إلى فضاء بنائي تحت الأرض.
ومن الواضح أن سلطات الاحتلال أخذت النقاش حول المسجد الأقصى إلى مستوى متقدم حيث لم يعد الكلام على التقسيم وتأمين الاقتحامات بل حول السبل النّاجعة التي يمكن أن تؤمّن للاحتلال حريّة أكبر للتحرّك في الأقصى عبر جعله تحت سيادتها عوضًا عن السّيادة الأردنيّة. ولا شكّ في أنّ تأجيل الموضوع أو عدم التصويت على القرار لا يعني بأي شكل من الأشكال أنه بات خارج دائرة النقاش فاعتراضات المتطرفين اليهود، كما الكنيست، لم تهدأ منذ سنوات على "عبث" الأوقاف الإسلامية بالمسجد الأقصى والتخريب الذي تتسبّب به أعمال الصّيانة والترميم التي يقوم بها عمالها في مرافق المسجد.
كذلك شهدت مدّة الرّصد تزايدًا في نشاط الجمعيّات الاستيطانية التي تجهد للسيطرة على محيط المسجد الأقصى وشراء الممتلكات في البلدة القديمة كي تسبغ على المكان طابعًا يهوديًا تلموديًا ينافس الوجه العربي والإسلامي للمسجد والبلدة القديمة، والقدس بوجه عام. وفي هذا الإطار، تعمل جمعيّة "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية على تحويل جزء من مبنى البريد الذي تملكته العام الماضي إلى مدرسة دينيّة وأخرى تمهيدية لإعداد المتديّنين قبل الخدمة العسكريّة. كما شهدت مدّة الرّصد تطورات من شأنها تعزيز سيطرة جمعية "العاد" الاستيطانيّة التي تدير الحديقة الأثريّة المسمّاة "مدينة داود" في سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك. فقد صادقت محكمة الاحتلال المركزية بالقدس على اتّفاق تسوية بين شركتين حكوميتين هما الشركة الحكومية لتطوير الحي اليهودي في البلدة القديمة بالقدس والشركة الحكومية لتطوير شرق القدس لنقل السيطرة على المنطقة الجنوبية من حائط البراق إلى جمعية "العاد". ومن شأن الاتفاق أن يعزز المصالح الاقتصاديّة والسياحية لجمعية "العاد" ويعطيها فرصة غير مسبوقة لتعزيز الارتباط بين سلوان و"مدينة داود" وحائط البراق.
أما على صعيد التهويد الديموغرافي فقد حجز الاستيطان موقعه أيضًا على خارطة الانتهاكات الإسرائيلية لعام 2014. وكما هي الحال مع الاستيطان قبل قرار العودة إلى المفاوضات وعلى مدى النصف الأخير من عام 2013، فإن العطاءات الاستيطانية ومشاريع التوسع الاستيطاني استمرت في الربع الأول من عام 2014. ففي 5/2/2014، أعلنت لجنة التخطيط في بلدية الاحتلال موافقتها النهائية على بناء 558 وحدة استيطانية في مستوطنات "هار حوما" (جبل أبو غنيم) و"النبي يعقوب" و"بسغات زئيف"، أما في 18/3/2014 فصادقت اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في بلدية الاحتلال على تراخيص بناء 184 وحدة استيطانية في شرق القدس تشمل 144 وحدة في "هار حوما" و40 وحدة في "بسغات زئيف" ما يعني إمكانية البدء بالبناء استنادًا إلى التراخيص. كما صادقت اللجنة المالية التابعة لبرلمان الاحتلال (الكنيست)في 30/3/2014 على تحويل 177 مليون شيكل (حوالي 50 مليون دولار) لشعبة الاستيطان في الوكالة اليهودية، وهي الذراع التنفيذية للحكومة للبناء في المستوطنات المقامة بالقدس والضفة.
وحيال هذا الواقع لم تكن السلطة الفلسطينية إلا لتدين هذه الممارسات التي من شأنها أن "تعرقل عمليّة المفاوضات". كما دانت الولايات المتّحدة في 5/2/2014 الإعلان عن بناء الوحدات الاستيطانيّة وأكدت معارضتها أي خطوة أحادية من قبل أي من الطرفين من شأنها أن تحدد مسبقًا مصير قضايا الحل النهائي، لكن دون أن تترك هذه الانتقادات أي أثر في حكومة الاحتلال لوقف الاستيطان.
سياسات الاحتلال حيال المقدسيين في الأحياء الواقعة خلف جدار الفصل العازل كانت جليّة بشكل كبير خلال مدة الرصد وذلك من خلال أزمة انقطاع المياه في أحياء مخيم شعفاط ورأس خميس ورأس شحادة وضاحية البريد التي تعاني أصلاً من تقطّع المياه وانخفاض ضغطها. وقد تقدم الأهالي بالشكوى إلى محكمة الاحتلال التي أمهلت شركة "جيحون" 60 يومًا للعمل على حل الأزمة. ولا تزال المياه مقطوعة عن هذه الأحياء حتى تاريخ صدور هذه التقرير علمًا أن المشكلة بدأت في أوائل آذار/مارس 2014.
أما في الموقف السياسي فلم تشهد بداية عام 2014 تطورًا يذكر باستثناء إعادة إنتاج المواقف السابقة من تنديد وتهديد بالإضافة إلى الموقف الذي استجد أواخر عام 2013 لجهة الوقوف وراء السلطة الفلسطينية في المفاوضات مع التمسّك بـ "دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها شرق القدس". فبعد غياب اثنتي عشرة سنة، اجتمعت لجنة القدس في المغرب برئاسة العاهل المغربي وبحضور ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومبعوث أوباما الخاص إلى منظمة التعاون الإسلامي. ولعل لتدويل اللجنة دلالات أهمها التزام سقف الجهات المشاركة لجهة الوقوف وراء المفاوضات والمطالبة بدولة فلسطينية عاصمتها شرق القدس. وعلى الرغم من الغياب المطوّل للجنة والتطورات في مشروع التهويد على مدى السنوات التي لم تنعقد بها إلا أن لغة بيانها لم تحمل جديدًا باستثناء إعلان دعم المفاوضات وتأكيد الحاجة إلى إنجاحها.
أما القمة العربية الخامسة والعشرون التي انعقدت في الكويت في 24-25/3/2014 فالتزمت هي الأخرى الخطاب المعهود للقمم العربية فأكد الإعلان الصادر عنها الرفض المطلق القاطع للاعتراف بـ "إسرائيل" كدولة يهودية واستمرار الاستيطان وتهويد القدس والاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحيّة وتغيير الوضع الجغرافي واعتبارها إجراءات باطلة ولاغية بموجب القانون الدولي واتفاقية جنيف واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية. ولعلّ إقدام الاحتلال على هدم بناية سكنية بحي الطور شرق القدس المحتلة بالتزامن مع انعقاد الجلسة الختامية للقمة العربية يعكس استخفاف الاحتلال بالقمّة وبياناتها التي تصف واقعًا معينًا من ممارسات الاحتلال في فلسطين والقدس المحتلة دون أن تتمكّن من وضع يدها على سبل المعالجة اللازمة.
وفي 28/3/2014، صوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والعشرين على خمس قرارات تدين "إسرائيل" ودعا أحد القرارات إلى مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وشرق القدس، كما طالب "جميع الدول باحترام معايير حقوق الإنسان المبدئية من خلال اتخاذ الخطوات الضرورية، بما في ذلك إنهاء كافة العلاقات التّجارية والروابط الاقتصاديّة مع المستوطنات".
وقبل ذلك عرض مقرّر حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ريتشارد فوك في مؤتمر صحفي في جنيف في 21/3/2014 خلاصة تقريره حول انتهاكات "إسرائيل" واعتداءاتها في الأراضي المحتلة. وقد اتهم فوك "إسرائيل" بممارسة التطهير العرقي في فلسطين المحتلة لا سيما من خلال طرد الفلسطينيين من شرق القدس. كما قال فوك إن أكثر من 11,000 فلسطيني فقدوا حقهم بالإقامة في شرق القدس منذ عام 1996 بسبب سياسات "إسرائيل" التي تحابي اليهود وتلغي حق الإقامة للمقدسيين. وشدّد فوك على أنّ هذا العدد هو فقط رأس جبل الجليد حيث إن المزيد من المقدسيين مهددون بفقدان حقّهم في الإقامة بسبب سياسات الاحتلال. كما قال إن كلّ زيادة في البناء الاستيطاني وكلّ عملية هدم تطال المنازل إنما تزيد وضع الفلسطينيين سوءًا.
إذًا هذه هي أهم معالم الربع الأول من عام 2014 في القدس كما ارتسمت من خلال ممارسات الاحتلال: الأقصى على قائمة أولويات برلمان الاحتلال وتطور في النقاشات حوله لتشمل فرض السيادة الإسرائيلية عليه، إضافة إلى التقسيم الزماني والمكاني ليضاف ذلك إلى اقتحامات المتطرفين اليهود من مستوطنين ومجندين وشخصيات سياسية ودينية؛ الاستيطان على قدم وساق لا يتأثر بالانتقادات ولا التهديدات ولا بالدعوات إلى وقفه؛ المقدسيون تحت وطأة السياسات الإسرائيلية وممارسات الاحتلال التي تضيّق عليهم وتصادر أرضهم وتهدم منازلهم؛ وأخيرًا جملة مواقف عربية وإسلامية لا يبدو أنها ستتحرّر من قيود السعي وراء "السّلام" مع الاحتلال .