لماذا يصرّ الاحتلال على استهداف باب العامود؟
الجمعة 8 نيسان 2022 - 10:10 ص 1924 0 تدوينات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةعمد الاحتلال منذ بداية شهر رمضان إلى جملة من الإجراءات في منطقة باب العامود، في مشهد يعيد إلى الذهن الحواجز الحديدية التي وضعها العام الماضي في المكان بهدف السيطرة عليه وتقييد وجود المقدسيين فيه، وهو ما أدّى حينذاك إلى هبة باب العامود التي أجبرت الاحتلال على تفكيك الحواجز وإزالتها.
وشملت إجراءات الاحتلال، بدءًا من عشية شهر رمضان، نصب سياج حديدي على طرفي باب العمود بدل السياج القديم، من دون ترك مجال لجلوس المقدسيين كما كان الحال في السابق، وتركيب كشافات إضاءة على غرف المراقبة المحصنة التي استحدثها الاحتلال عام 2017 في محيط باب العامود، وإقامة غرفة قيادة ضخمة. كذلك، ينفّذ الاحتلال اعتداءات يوميّة بحقّ المقدسيين في باب العامود بالتوازي مع حملة اعتقالات، تجاوزت حصيلتها منذ بداية شهر رمضان 30 مقدسيًا. وفي محاولة لتتويج مسار الإجراءات، اقتحم وزير خارجية الاحتلال، في 20200/4/4، منطقة باب العامود والقدس القديمة، والتقى العناصر الأمنية الموجودة في المكان وصرّح: "من المهم أن تعرف القوات الأمنية أننا نقدم لهم الدعم الكامل، إنهم يعملون باحترافية تحت ظروف مستحيلة".
وعمد الاحتلال إلى هذه الإجراءات بعدما كان أعلن، قبل بداية شهر رمضان، أنّه لن يضع حواجز حديدية في باب العامود، في إعلان يبدو أنّه كان مقصودًا في ظل القلق الإسرائيلي من العمليات الفردية في القدس والضفة والداخل المحتل، وخوفه من احتمال تكرّر المشهد الذي تبلور في رمضان 2021.
إصرار الاحتلال على استهداف باب العامود ليس بالأمر الجديد، وكان صعّد من وتيرة اعتداءاته على المكان بعد اندلاع انتفاضة القدس عام 2015 عبر تعزيز الوجود الشرطي وأبراج المراقبة والكاميرات، بهدف إحكام السيطرة على المكان. وفي عام 2021، فشلت محاولته فرض إجراءات جديدة تحت ضغط هبة باب العامود والإرادة الشعبية إذ عمد حينها إلى وضع حواجز حديدية لمنع تجمع المقدسيين وفرض سيطرته على المكان والتّحكم فيه، فاندلعت مواجهات ليلية بين المقدسيين وقوات الاحتلال التي استعملت قنابل الصوت الحارقة والغازية المُدمعة، والمياه العادمة والهراوات، لكنّها اضطرت في نهاية المطاف إلى إزالة السواتر والحواجز الحديدية. ولم يتخلّ الاحتلال عن مخططه للسيطرة على المكان، بل عاد لتنفيذه هذا العام.
يرى الاحتلال في باب العامود عدوًا يسعى إلى ترويضه وتجريده من رمزيّته، وفصل المقدسيين عنه بعدما بات يشكّل مركز حياتهم الاجتماعية والثقافية وميدانًا لمختلف الفعاليات والأنشطة. وباب العامود هو أيضًا ميدان نشاط سياسي، من التظاهرات في ذكرى النكبة والنكسة، ووقفات التضامن مع الأسرى والشهداء، والتظاهرة الاحتجاجية الرافضة لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لدولة الاحتلال، وهو في ذلك امتداد للفعل السياسي الذي شهدته ساحة باب العامود تاريخيًا كالتظاهرة الرافضة لنشاط الحركة الصهيونيّة في فلسطين والدعم البريطاني لها في عام 1920.
ولا يمكن فصل استهداف الاحتلال المتكرّر لباب العامود عن محاولات السيطرة على الحيّز المكاني في القدس وتهويده، وباب العامود في المقدّمة نظرًا لموقعه الاستراتيجي كأهمّ أبواب القدس القديمة ونقطة تجمّع للمقدسيين ومركز لحياتهم الاجتماعية والثقافية وميدان لمختلف الفعاليات والأنشطة، ونقطة وصول إلى المسجد الأقصى.
وهو اليوم يحاول التعويض عن خسارته في معركة السيادة العام الماضي وأن يحقّق "إنجازًا" يغطي في مواجهة الإرادة الشعبية، فهل يتاح له ما يريد أم أنّه سيكون مجبرًا على التراجع من جديد؟