الأقصى يشتعل في وجه قرابين وصلوات المستوطنين
الجمعة 15 نيسان 2022 - 10:10 ص 1618 0 مقالات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةعلى وقع المواجهات العنيفة بين الشبان الفلسطينيّين وقوات الاحتلال الإسرائيليّ في ساحات المسجد الأقصى في القدس بدأ صباحُ الجمعة الثانية من شهر رمضان (15 أبريل/نيسان 2022). قبيل الفجر، تجمع المئات من الشبان وحضّروا الحجارة وعلب المفرقعات والمتاريس في محيط المصلي القبلي، وفي مقابل باب المغاربة، استعداداً لأي اقتحام قد تُنفّذه شرطةُ الاحتلال أو مستوطنوه. قبل السادسة صباحاً بقليل اقتحمت القواتُ الساحاتِ وأطلقت الغاز وقنابل الصوت والرصاص المطاطيّ ونكّلت وضربت الناس بالهراوات سعياً لإفراغ المسجد من المصلين، وسُجّلت عشرات الإصابات. (ما زالت المواجهات مستمرة حتى لحظة كتابة هذه الكلمات؛ التاسعة والنصف من صباح اليوم الجمعة).
تأتي هذه المواجهات في سياق جهود الفلسطينيّين لصدّ اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والتي من المفترض أن تبدأ صباح يوم الأحد (17 أبريل/نيسان)، ثالث أيام عيد الفصح اليهوديّ. وتأتي أيضاً في سياق إفشال دعوات المستوطنين لإدخال القرابين الحيوانيّة إلى المسجد الأقصى وذبحها في ساحاته، وهو الطقس الذي يُعتبر أحد أهم طقوس عيد الفصح اليهوديّ.
يبدأ هذا العيد مساء اليوم الجمعة (15 أبريل/نيسان) ويستمر الاحتفال به حتى يوم الجمعة المقبل (22 أبريل/ نيسان). وهو واحدٌ من أبرز المواسم التهويديّة التي يتعرض لها المسجد الأقصى، إذ تكثّف فيه منظّمات المعبد من اقتحاماتها ومن أدائها للطقوس التوراتيّة والصلوات، خاصّة تلك المرتبطة بـ"الهيكل" والتي من "المفترض" أن لا تؤدّى إلا فيه.
هذا العام، صعّدت تلك المنظّمات أيضاً من دعوتها لتقديم قرابين حيوانيّة في المسجد، وأعلنت عن مكافآت ماليّة لمن يحاول ويفشل أو يحاول وينجح في تقديم القربان داخل المسجد، تصل إلى 3100 دولار أميركي، وحدّدت موعدَ ذلك بأسبوع، يبدأ من مساء اليوم الجمعة، وينتهي بانتهاء العيد الجمعة القادمة.
وحسب ادعاءات منظمات المعبد من المفترض أن يجري تقديم قربان عيد الفصح "داخل الهيكل المزعوم". وبما أنّه لا وجود حالي لهذا "الهيكل"، فإنّها تعتبر تقديمه داخل المسجد الأقصى إحياءً معنويّاً لوجود "الهيكل"، وخطوةً متقدمةً على طريق فرض كامل الطقوس التوراتيّة في المسجد الأقصى، وصولاً إلى حلمهم بالقضاء على إسلاميّة المسجد.
والجدير بالذكر أنّ إفشال إدخال القرابين إلى المسجد الأقصى ليس إلا فرصةً لبذل المزيد من الجهد لمنع اقتحامات المستوطنين للأقصى بشكلٍ كامل، وخلال أسبوع العيد اليهوديّ على الأقل.
"الفصح" محطة ساخنة لاقتحامات الأقصى
عدا عن اقتحاماتها اليوميّة للمسجد الأقصى، رسخّت منظمات المعبد الاستيطانيّة، في السنوات القليلة الماضية، وبدعمٍ كاملٍ من المستويين الأمنيّ والسياسيّ الإسرائيليّ، الأعياد والمناسبات اليهوديّة كمواسم لتنظيم اقتحاماتٍ حاشدة، وأداء الطقوس اليهوديّة بشكلٍ علنيّ داخل المسجد الأقصى.
ويُعدُّ "عيد الفصح" اليهوديّ واحداً من أبرز تلك الأعياد، من حيث عدد أيام الاحتفال به التي تمتد إلى سبعة أيام، ومن حيث كونه أحد أعياد الحجّ لدى اليهود، مما يجعله موسماً مهماً لدى تلك المنظمات لتكثيف اقتحاماتها وطقوسها التوراتيّة.
ومنذ عام 2019 بدأت سلطات الاحتلال برفع حدّة اعتداءاتها في الأقصى عندما تتزامن الأعيادُ اليهوديّة مع الأعياد الإسلاميّة، وذلك في محاولةٍ لضرب المواسم الإسلاميّة، وتحقيق أولويّة الوجود اليهوديّ في المسجد. وفق تلك السياسة، يسعى الاحتلال إلى تحويل الأعياد اليهوديّة إلى المساحة الزمنيّة الأصليّة للاحتفال، مما يستوجب إخراج المسلمين من الأقصى. هذا يعني ترسيخ فكرة أنّ احتفال المسلمين بأعيادهم يجري في "مقدسٍ يهودي" لا العكس، والتعاطي مع المسلمين على أنهم دخلاء يعرقلون احتفالات اليهود الدينيّة.
ووفقاً لهذه السياسة أيضاً، وبعد استهداف الكثير من مكوّنات الحضور البشريّ الفلسطينيّ في المسجد بالاعتقال والملاحقة والحظر، ازدادت في السنوات الأخيرة أعدادُ المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى. بالتزامن مع عيد الفصح عام 2016 اقتحم الأقصى 1058 مستوطناً، ثمّ ارتفع العدد في العيد نفسه عام 2021 إلى 2429 مستوطناً.
"قربان الفصح" يقترب من الأقصى عاماً بعد آخر
يعد طقس ذبح القربان واحداً من أبرز طقوس عيد الفصح، إذ كانوا يقومون بالذبح على نطاق الأسرة، كما كان الكهنة يقومون بذلك، ويسكبون دماء القرابين على قاعدة "المذبح" في "المعبد".3 وتدّعي المصادر اليهوديّة أنَّ "المذبح" يقع في صحن مصلى قبّة الصخرة داخل المسجد الأقصى، في الفضاء المفتوح بين قبّة السلسلة والدرجات المؤدية إلى الجهة الشرقيّة من المسجد.
وهو المكان الذي أشار إليه الحاخام يهودا كروزر أثناء اقتحامه للأقصى في الرابع من أبريل/نيسان الجاري، إذ ألقى كلمة قال فيها: "كلُّ شيء جاهز لتقديم ذبيحة الفصح في جبل المعبد وفي الوقت المحدد، هنا مكان المذبح (مشيراً إلى قبة السلسلة) وهناك خِراف بلا عيوب وكهنة جاهزون وملابسهم جاهزة، ينقصنا فقط تغيير الوعي وأن نخطو الخطوة الأولى".
تضع منظمات المعبد قضية تقديم القربان داخل الأقصى نصب عينيها منذ سنواتٍ طويلة، وتُشرف سنويّاً قبل العيد بأيام على إقامة ما تُسمّيه "تمرين تقديم القربان"، في إشارة إلى أن "التقديم الحقيقيّ" يجب أن يكون داخل "الهيكل" لا خارجه. ومنذ عام 2016، يُقام هذا "التمرين" في محيط المسجد الأقصى، وفي كلّ عامٍ يقترب جغرافيّاً منه أكثر فأكثر.
في عام 2016 أُقيم هذا "التمرين" في مستوطنة بيت أوروت على جبل الزيتون، 3 كم شمال المسجد. وفي عام 2017 قُدّم في ساحة المسجد العُمريّ الكبير (وهو مسجد مغلق بأمر الاحتلال منذ عام 1967) أمام كنيس الخراب، وكانت تلك المرة الأولى التي يجري فيها ذلك داخل البلدة القديمة للقدس.
وفي عام 2018 قُدِّم في القصورالأمويّة الملاصقة للسور الجنوبيّ للأقصى. وفي عام 2019 قُدِّم على سطح سوق اللحامين في مقابل الرواق الغربيّ للأقصى. فيما لم يُقدّم عام 2020 بسبب ظروف وباء كورونا. أما في عام 2021 فقد قُدّم على سطح أحد المباني التهويديّة داخل البلدة القديمة بالقرب من باب المغاربة.
لم تكتفِ تلك المنظمات بالتدريب و"التمرين" خارج الأقصى، بل شهدت السنوات الماضية محاولاتٍ لإدخال القربان فعليّاً إلى داخل المسجد. ففي 21 أبريل/نيسان 2016، وعشية عيد الفصح، أصدر قائد الجبهة الداخلية في جيش الاحتلال أمراً بمنع عددٍ من المستوطنين من دخول القدس حتى انتهاء أيام العيد، وجاء القرار على خلفية معلومات استخباريّة تفيد بأنهم يُخطِّطون لتقديم القربان في الأقصى. وفي التاسع من أبريل/نيسان 2017 اعتقلت شرطة الاحتلال خمسة من نشطاء "المعبد"، كانوا يخططون لتقديم قربان "الفصح" في المسجد الأقصى.
وخلال مدة إغلاق المسجد الأقصى في عام 2020، قدّم ناشطون من "منظمات المعبد" طلباً إلى رئيس وزراء الاحتلال حينها بنيامين نتنياهو، يتضمن السماح بتقديم "قربان" عيد "الفصح اليهوديّ" داخل المسجد الأقصى، وذلك لوقف انتشار فيروس كورونا في دولة الاحتلال بحسب ادعائهم. وعلى الرغم من أنّ تلك الطلبات تُرفض مباشرةً، إلا أنّ شرطة الاحتلال رفعت الطلب إلى وزير الأمن الداخليّ حينها جلعاد إردان للنظر فيه، وهو ما اعتبرته منظّمات الهيكل تطوراً إيجابيّاً يتماهى مع استراتيجيتها في استهداف المسجد الأقصى.
وفي مارس/آذار 2021 اعتقلت شرطة الاحتلال مستوطنيْن اثنين خطّطا لتهريب حملٍ صغير، لتقديمه قرباناً عن "الشعب اليهودي" داخل الأقصى، وتم الإفراج عنهم لاحقاً. وهو ما تكرر يوم أمس الخميس.
"الفصح" في عام 2022
بدأ إصرار أذرع الاحتلال على تقديم قربان الفصح داخل المسجد الأقصى يتصاعد في الرابع من أبريل/نيسان الجاري، فقد شهد الأقصى يومها اقتحاماً بالغ الخطورة، شارك فيه مجموعةٌ من كبار حاخامات الاحتلال، وتضمن مناقشة التحضيرات لاقتحامات عيد الفصح، والتأكيد على ضرورة وإمكانية تقديم القربان داخل المسجد.
ومنذ ذلك الاقتحام، تتلاحق دعواتُ منظمات المعبد ونشطائِها للترويج لأهميّة تقديم القرابين، ومنهم المستوطن رفائيل موريس، الذي قدّم طلباً لشرطة الاحتلال لتقديم القربان داخل الأقصى مساء اليوم الجمعة (15.04)، قائلاً إنّه يسعى بذلك لتحقيق "ذروة العبادة اليهوديّة في أقدس الأماكن". ورغم رفض الشرطة لطلبه، إلا أنّه أكدّ على إصراره، هو أو زملاؤه، على تقديم القربان.
أخيراً، فإنّ معركة مواجهة اعتداءات الاحتلال في "الفصح" لا تقف عند منع إدخال القرابين فقط، بل تمتد إلى منع الاقتحامات تماماً، على غرار ما جرى في عام 2021، من إغلاق باب الاقتحامات لـ19 يوماً، كنتيجةٍ مباشرةٍ للهبّة الشعبيّة في القدس وبقية فلسطين، ولأداء المقاومة في معركة "سيف القدس".
وهو ما يعني أنَّ قرار شرطة الاحتلال الأخير الذي تزعم فيه منعها لإدخال القرابين إلى الأقصى، من المفترض أن لا يؤدي إلى طمأنة الناس التي قدّمت اليوم أولى استعداداتها وتضحياتها، بقدر ما يؤدّي إلى استتباعه بالمزيد من الرباط والاعتكاف سعياً لعرقلة الاقتحامات خلال أيام العيد اليهوديّ، والإصرار أن يكون الأقصى مقدساً إسلاميّاً خالصاً. فيما تبقى العيون باتجاه تطوّرات الأوضاع خلال اليوم وخلال الأسبوع القادم، فإما أن يُصاب مشروع "التأسيس المعنوي للمعبد" بانتكاسة، وإما أنّ تُحقق أذرع الاحتلال قفزةً جديدة في اعتداءاتها على المسجد، وفي سعيها لرفع كثافة الوجود اليهودي فيه وحجمه عاماً بعد آخر.
المصدر: متراس، 2022/4/15