في استعادة مكانة القدس في كفاحنا الوطني
السبت 11 حزيران 2022 - 2:43 م 1218 0 مقالات |
عوني فارس
باحث في تاريخ فلسطين المعاصر
القدس عنواناً مركزياً في الصراع مع المشروع الصهيوني منذ بداياته أواخر القرن التاسع عشر، وذلك لمكانتها الدينية والحضارية، ولثقلها السياسي، والاستهداف الصهيوني المستمر لها تهويدًا وأسرلةً، ولكونها ميداناً وطنياً مشتعلاً، لا يكاد يستريح، ولأن أهلها لا ينْفَكون عن رفد الحركة الوطنية بالقيادات والكوادر في كل محطة من محطات النضال الوطني، والأمر لا يحتاج إلى كثير عناء لإثباته، فبالعودة السريعة للتاريخ، يمكَّن بسهولة رؤية مكانة القدس المتقدمة في الكفاح الوطني منذ ثورة القدس عام 1920 وربما قبلها حتى يومنا هذا، وما موجة المقاومة المتقدة من سنوات والتي اتخذت من القدس والأقصى شعاراً وميداناً إلا دليلاً قاطعاً مانعاً على مكانتها الرفيعة في العقل الجمعي الفلسطيني، وفي المشروع الوطني التحرري، خصوصاً مع هبة القدس عام 2015، وهبة الأسباط عام 2017، وهبة باب الرحمة عام 2019، ومعركة سيف القدس عام 2021، والأحداث المتواصلة داخل المسجد الأقصى وفي حارات البلدة القديمة وخارج السور.
وإن كان الاحتلال قد حقق تقدماً ملحوظاً في استهداف القدس، خصوصاً مع تكثيفه للاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى، وتعزيز تواجده المادي وسلطته الإدارية في البلدة القديمة ومحيطها، فقد واجه مقاومة فلسطينية أهلية فاعلة، حققت هي الأخرى نقاطاً مثيرةً، فمنعتْ إلى الآن تهويد الأقصى وتقسيمه مكانياً وزمانياً، وعرقلتْ مشاريع التهويد داخل البلدة القديمة، ودفعت باتجاه إبقاء القدس عنواناً وطنياً جامعاً، تتجسد فيه معاني الهوية الوطنية، وتتحقق من خلاله وحدة الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية ميدانياً، وإن كان العبء الأكبر في المواجهة يتحمَّله أهل القدس، فقد شاركهم فيه جموع غفيرة من الجليل حتى النقب. وباندلاع الصدام مع شرطة الاحتلال والمستوطنين تصدَّعت التأثيرات السلبية للحواجز الجغرافية على النضال الوطني اليومي، فلم يعد لكل بقعة نضالاتها الخاصة، واندمج الجميع في معركة الصمود في القدس، وبدا أن سياسة الاحتلال في عزل المدينة جغرافياً وسياسياً واجتماعياً وميدانياً لم تحقق مبتغاها.
لقد كشف الجهد الفلسطيني الشعبي ضد الاستفراد الصهيوني بالمدينة عن حضور طاغٍ لخطاب المقاومة وروحها، وابداعية لافتة في تكتيكاتها، ظهر ذلك جلياً في الشعارات التي رفعها المنتفضون في القدس، والاستعداد العالي للتضحية، والتكتيكات اليومية التي اجترحوها في سبيل الوصول إلى المدينة والمرابطة فيها، واستراتيجية المقاومة المسلحة التي تمكَّنت من إدخال معادلة القدس ضمن حساباتها الاستراتيجية كما جرى في معركة سيف القدس عام 2021، في المقابل سجَّل الموقف الرسمي في رام الله تراجعاً تلو التراجع، واكتفى بالتصريحات الهزيلة التي تصدر بين الفينة والأخرى.
لقد أضفت معركة الصمود في القدس مؤخراً المزيد من البريق للمفردات التأسيسية للحركة الوطنية التي نحتها أجدادنا بدمهم وعرقهم وأنفاسهم في عقود المواجهة الأولى مع المشروع الصهيوني، وبتنا أكثر التصاقاً بالخطاب التاريخي للحركة الوطنية المبني على التناقض الجذري مع المشروع الصهيوني وعلى الإدراك أن الحل معه يكمن في محاربته والانتصار عليه، وتحرير فلسطين من شره وإلى الأبد.