الحرق وجه آخر للإرهاب الإسرائيلي

تاريخ الإضافة الإثنين 7 أيلول 2015 - 12:35 م    عدد الزيارات 20697    التعليقات 0     القسم مقالات

        


علي ابراهيم

 باحث في مؤسسة القدس الدولية

تعيش الملايين في عالمنا العربي في أتون محرقة هادرة، انطلاقًا من ثورات الربيع العربي وتحولها المأزوم لنزاعات داخلية يرتفع فيها التجييش بأقتم صورة، ويصبح القتل سمة بارزة ونسقًا ليس مقبولًا ألبتة، ولكنه حالة معاشة وأزمة تخنق واقعنا وتجهض أي قبس للتغيير ممكن، وستترك آثارها السلبية على الواقع والمستقبل لشعوب هذه المنطقة، وبالطبع على الأجيال الجديدة التي تبقى العنصر الأكثر تأثرًا.

 

أمام هذه الصورة المزدحمة بمظهر الدماء تقف “إسرائيل” بعيدة نسبيًا عن المشهد مستفيدة من الزخم الإعلامي الذي تستقطبه الحالات الإنسانية والمعارك المتلاحمة في المنطقة، هنا يصبح الاحتلال مستفيدًا مما يحدث فيعيث فسادًا في مدينة القدس يحاصر المسجد الأقصى ويختار من يدخل إليه ويحمي مقتحميه ويطلق التصريحات حول “معبده” المكذوب وعودته “القريبة”، وأذرعه الأخطبوطية تهدم وتصادر وتطرد في سياق مخيف من التغيير القسري، هنا صرخات المكلومين والمشردين لا تجد آذانًا صاغية من المجتمع الدولي والعربي.

 

ولم تقف الأمور عند هذا الحد فقط بل أصبحت “إسرائيل” تقدم نفسها على أنها الواحة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، ودولة معادية للإرهاب تعمل على الحد من خطره، وكلنا نذكر استخدام هذه الشماعة خلال الترويج لنتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في حملته الانتخابية الأخيرة ومشهد “الإرهابيين” الذين سيتوجهون للقدس إن لم يتم التصويت له، هذا الحشد حول الإرهاب نجد الناطق باسم جيش الاحتلال “أفيخاي أدرعي” يلوك مصطلحاته قبل إفطار رمضاني في صورة مقيتة ومشهد تمثيلي فج؛ ليروج من خلاله أن التخريبيين يمثلون المقاومة في غزة أو القدس أو خارج الحدود ولكن بالطبع ليس “إسرائيل”..

 

جريمة حرق منزل عائلة دوابشة في مدينة نابلس يوم الجمعة الحادي والثلاثين من يوليو، واستشهاد الطفل “علي دوابشة” الذي لم يبلغ من العمر بعد منتصف عامه الثاني بنيرانٍ أشعلتها مجموعة من المستوطنين التي تدعى مجموعات “تدفيع الثمن” وإصابة باقي أفراد الأسرة بحروق خطيرة، ومن ثم استشهاد والده متأثرًا بجراحه، هي صورة من الإرهاب المتجذر في هذا الكيان وممارساته بحق الفلسطينيين والعرب هي ليست ردات فعل بل أسلوب متبع ناتج عن نظرة دونية وتربية تدمج الدين بالسياسة لتخرّج الصهيوني الذي لا ينظر إلى “الأغيار” إلا على هيئة حيوانات أو عبيد له ولجماعته..

 

جريمة حرق الطفل الرضيع وعائلته التي ترقد في المستشفى بين الموت والحياة، دفعت الاحتلال للخروج بتصريحات لقادته أشبه بالنكات فكيف للقاتل أن يشجب جريمته وما ارتكبت يداه، وفي مقدمة هذه التصريحات التي أوردتها وسائل الإعلام استنكار رئيس الحكومة الإسرائيلة لهذا العمل بل ووصفه إياه بأنها “عملية إرهابية”، وتصريحات بعض الوزراء المتطرفين مثل “نفتالي بنت” وزير التربية والتعليم ورئيس حزب البيت اليهودي اليميني حيث وصف الجريمة بأنها عملية “قتل إرهابية” مطالبًا الأجهزة الأمنية بمعاقبة الفاعلين.

 

تبرز أمامنا معضلة من نوع متفرد، هل أصبحت المنظومة التي مارست كل أنواع التنكيل بحق الفلسطينيين رافضةً لهذا الإجرام وأشكاله البشعة، وللإجابة على هذه المعضلة علينا الرجوع قليلًا للشهر السابع من عام 2014م عندما أحرق ثلاثة مستوطنين إسرائيليين الطفل المقدسي محمد أبو خضير في جريمة أخرى لا تقل عنها بشاعة وسادية، وقد ألقت شرطة الاحتلال القبض على الجناة فكيف كانت محاكمتهم؟ وما هو الحكم الذي سيحصلون عليه؟

 

لم يخرج الحكم حتى لحظات كتابة هذه السطور، وبدأ الكلام عن الحالة العقلية لأكبر منفذي الجريمة البشعة، وأن المستوطنين الآخرين تحت السن القانونية ـ قاصرين ـ بمقارنة مع المعاملة القاسية لذوي الشهيد أبو خضير ومنع الاحتلال رفعهم لصورته على المنزل الذي يقطنون فيه، والاعتداء الجسدي على ابن عمه.

 

صورة أخرى توضح حقيقة هذا الاحتلال الإرهابي، كيف عامل الاحتلال منفذي العمليات الفردية التي جرت في القدس وخارجها؟ فالاحتلال يقوم بمداهمة منزل المنفذ وتحطيم محتوياته واعتقال كل الذكور من أب وإخوة، وتوصلت العقلية الإسرائيلية لصب منزل الشهيد عدي أبو جمل بالباطون المسلح وقبلها تفجير منزل الشهيد عبد الرحمن الشلودي ضمن العقاب الجماعي الذي يطال أسر من يقوم بأعمال المقاومة والحي الذي يسكنه، ناهيك عن قتل هؤلاء المقاومين في مسرح الأحداث من غير التثبت من التهمة كما حدث مع الشهيد معتز حجازي من دون محاكمة أو دليل كأن العدالة قد أنيطت في فوهة بندقية جندي الاحتلال أو مسدسه.

 

نُقل عن عدد من الحاخامات قولهم: “إن شريعة اليهود تسمح بقتل أطفال الفلسطينيين لأنهم يشكلون خطرًا مستقبليا”، هذا التشريع الديني هو ما أوعز للقتلة حرق الطفل علي ومن قبله حرق المئات من أطفال غزة بصواريخ وقذائف محرمة دوليًا. هو حرق بالأساليب الحديثة والتقنية المبتكرة التي تغلف إجرام المستوطنين المنفرد بلباس ملاحقة “المخربين” و”القضاء على الإرهاب”، ملائكة غزة فاق عددهم الخمسمائة شهيد خلال خمسين يومًا من القصف والإبادة في غزة كما أصيب أكثر من ألفين وثمانمائة طفل بجروح مختلفة، والآلاف بجروح نفسية غائرة في ذواتهم ستظل ترافقهم حتى نهاية العمر، هو ميراث الصمت الذي جعل من دمائهم تراق من غير محاسبة أو وقفة جادة من الأشقاء المترفين أو الأصدقاء المكتفين.

 

لن نطلب العدالة ممن برّأ قاتل المصلين في المسجد الإبراهيمي أو حارق المسجد الأقصى المبارك أو حارق الأطفال في غزة، ولكن المشكلة الأكبر أن يكون الإرهابي الأكبر في المنطقة يتستر خلف قناع رقيق من الأكاذيب ليغيب عن الناس حقيقته ووجهه الآخر…

 

ارقد بسلام يا عليّ فلن تعيد حقك محاكم الاحتلال ولا عبث السلطة ولا إخوانك المتحاربون من العرب … سيعيد لك بعض حقك من يرابط في الأزقة وعلى الحواجز يختصر الكرامة بحجر ومقلاع ليذيق جنود الاحتلال نيران الغضب وسوء المنقلب، يعيد لك حقك ذلك الثأر الكامن في نفوس الأعزاء، كيف؟ لأن الثأر وإرادة الثأر هي الانتصار الأول في مسيرة كبرى وقودها براءتك وآلاف المقاومين التي ستزهرهم فلسطين ..

 

 

المصدر: ساسة بوست

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

كان الأقصى ولم يزل...ولن يكون "المعبد"

التالي

محاولة فرض التقسيم الزماني للمسجد الأقصى: بين الأمر الواقع وميزان القوى

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »