حريق المسجد الأقصى وتحطيم الأصنام!!

تاريخ الإضافة الأحد 11 تشرين الثاني 2007 - 4:22 م    عدد الزيارات 5977    التعليقات 0     القسم

        



عندما يقترب يوم 21 أغسطس من كل عام أشعُر بغصة في الحلق وألم في القلب وعذاب في الضمير، ففي هذا اليوم عام 1969م حاولت "إسرائيل" أن تختبر قوة العرب فأقدمت على حرق المسجد الأقصى.

 

ولقد عبّرت جولدا مائير عن سعادتها بردود الأفعال العربية التي اقتصرت على بيانات الشجب والإدانة والاستنكار. كان رد الفعل لا يتناسب مع هول الجريمة، ولذلك عرفت جولدا مائير أنّ العرب في حالة ضعف ووهن وهوان، فإذا كان ذلك هو ردّ فعلهم على حرق المسجد الأقصى، فإنّ "إسرائيل" تستطيع أن تفعل ما تريد، وأن ترتكب من المذابح ما تشاء.

 

إخفاء جريمة أكبر
وجريمة حرق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969م كانت محاولة لإخفاء جريمة أكبر تتمثّل في مخطط "إسرائيلي" طويل المدى لحفر الأنفاق تحت المسجد بهدف تقويض جدرانه، وتدمير أساساته.

 

ولقد بدأ ذلك المخطط منذ اليوم التالي لاحتلال "إسرائيل" لمدينة القدس.. ومهّدت "إسرائيل" لهذا المخطط بتدمير المباني العربية الملاصقة للمسجد، والعمل على إبعاد العرب عنه.

 

لكن من الواضح أنّ هذا المخطط يتصاعد تدريجياً وبشكلٍ منتظم، فالأنفاق تحت المسجد وصلت إلى مرحلة خطيرة، وهناك أدلة على وجود مجموعات يهودية توصف إعلامياً بأنها متطرفة تخطط لتدمير المسجد.

 

ولقد هدّد نائب "إسرائيلي" في الكنيست بتدمير المسجد الأقصى وبرّر ذلك بأن تدمير المسجد سيؤدي إلى تحقيق السلام بين "إسرائيل" والعرب!!. ومن الواضح أنّ "إسرائيل" ما زالت تخطط على أساس ردّ الفعل العربي الضعيف في عام 1969م.

 

هل العرب اليوم أضعف؟

ولكن هل العرب اليوم أكثر ضعفاً، بحيث تظلّ نتيجة الاختبار الذي قامت به "إسرائيل" عام 1969م صحيحة؟!!، وإنّ رد فعلهم سيقتصر على الإدانة والاستنكار؟

 

إن النظم العربية أصبحت أكثر ضعفاً وهواناً فهي تحاول إرضاء "إسرائيل" بكلّ ما تملك من قوة، وهي تقهر شعوبها لحماية أمن "إسرائيل"، فهذه النظم أصبحت تدرك أنّ الطريق لإرضاء أمريكا هو حماية أمن "إسرائيل".

 

والنظم العربية تشارك في حصار الشعب الفلسطيني وتجويعه خضوعاً للأوامر الأمريكية، وهي قد تخلّت تماماً عن قضية فلسطين.

 

أمّا السلطة الفلسطينية فقد أصبحت تحارب من أجل تحرير غزة من سيطرة حماس، ونسيت تماماً قضية تحرير فلسطين من الاحتلال "الإسرائيلي"، كما تجاهلت قضية القدس، وتركتها لـ"إسرائيل" لتنفذ فيها مخطط التهويد والحفر والتخريب والتدمير.

 

إبداع السلطة الفلسطينية

والسلطة الفلسطينية أبهرت العالم بإصدار قانون للانتخابات التشريعية والرئاسية يحرم أيّ شخص لا يعترف بالاتفاقيات التي أبرمتها السلطة مع "إسرائيل" من الترشيح للانتخابات، وهذا يعني أنّ من لا يعترف بـ"إسرائيل" لا يمكن طبقاً لهذا القانون أنْ يمارس حقه في الترشيح، فهذا الحقّ أصبح مرتبطاً برضاء "إسرائيل" والاعتراف باحتلالها لأرض فلسطين.

 

وهذا القانون هو محاولة لنفي تيار المقاومة الذي يكافح لتحرير فلسطين، ويتمسّك بالهوية العربية للقدس، وبأنْ تكون عاصمة لفلسطين ويتمسك بحق العودة.

 

هذا يعني أنّ حماس قد أصبحت محرومة طبقاً لهذا القانون من دخول الانتخابات، وأنّ عملاء "إسرائيل" يحاولون نفي الوطنيّين الذين يتمسكون بحقوق الوطن والشعب.
لذلك فإن النتيجة التي توصلت لها "إسرائيل" في عام 1969م ما زالت صحيحة، وربما تكون النظم العربية الآن غير قادرة على إصدار بيان إدانة أو استنكار إذا قامت "إسرائيل" بتدمير المسجد الأقصى.

 

النتيجة ليست صحيحة

لكن "إسرائيل" سوف ترتكب خطأ تاريخياً إذا اعتمدت على تلك النتيجة أو تصوّرت أنّ رد فعل النظم العربية الضعيفة العاجزة هو رد الفعل الوحيد.

 

إنّ النظم العربية كلها أصبحت آيلة للسقوط، والشعوب قد ضاقت بضعف تلك النظم أمام "إسرائيل" وبتبعيتها لأمريكا، و"إسرائيل" سوف تساهم في إسقاط النظم العربية إذا أقدمت على تنفيذ مخططها بتدمير المسجد الأقصى، أو إذا سمحت لمجموعة يهودية بتدميره.

 

إنّ "إسرائيل" يجب أن تعرف أنّ مخزون الغضب يزداد في نفوس العرب، وأنّ النظم العربية لم تتركْ مجالاً لتفريغ هذا الغضب الذي يوشك أن ينفجر.

 

والمصلحة العليا لـ"إسرائيل" تتمثّل في المحافظة على تلك النظم التابعة لأمريكا والتي تعتبر أنّ الهدف الأعلى لوجودها هو ضمان أمن "إسرائيل"، وهي تحاول أنْ تثبت لأمريكا أنها الأكثر قدرة على حماية "إسرائيل".

 

لكن الغضب الشعبي سوف ينفجر، وسيؤدّي إلى تحطيم الكثير من الأصنام والأزلام الأمريكية، ومن المؤكّد أنّ أي اعتداء على المسجد الأقصى سيكون بداية الانفجار.

 

إن النتيجة التي أسعدت قلب جولدا مائير في عام 1969م ما زالت صحيحة بالنسبة للنظم، وردّ فعل تلك النظم لن يزيد على ترديد عباراتٍ تعبّر عن الأسف والحزن والدهشة وعدم الفهم، لكنْ من المؤكد أنّ رد فعل الشعوب سيكون مختلفاً، وسوف يفوق كل التوقعات.

 

انتفاضة عربية شاملة

إنّ أيّ عدوان على المسجد الأقصى سيكون بداية انتفاضة عربية شاملة تغيّر كل الأوضاع في المنطقة. وربما تكون "إسرائيل" أقدر على توقّع مسار الأحداث لأنها تعرف قيمة المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين ربما أكثر من الحكام العرب.

 

إنّ كل إنسان مسلِم يعيش معذّب الضمير طالما ظلّ هذا المسجد تحت الاحتلال "الإسرائيلي"، وهذا المسجد هو بالفعل أساس المعركة بين "إسرائيل" والأمة الإسلامية.
وليس هناك مسلم على وجه الأرض يمكن أنْ يقبل المساومة على هذا المسجد، ولا يمكن أنْ يعترف مسلم بشرعية أي نظام أو حاكم يقبل باستمرار الاحتلال "الإسرائيلي" لهذا المسجد.

 

قد تمرّ السنون كما حدث عندما احتلّ الصليبيون القدس، واستمرّ احتلالهم لها 80 عاماً، لكنّ الأمة الإسلامية لا بدّ أنْ تجمع قواها وتختار قائداً شجاعاً قوياً يقودها لتحرير القدس.

 

إذا كانت "إسرائيل" تعتقد أنّ رد الفعل سيقتصر على بيانات الاستنكار والإدانة كما حدث عام 1969م، فإنها لا تعرف كيف تقرأ التاريخ والواقع.
وكذلك النظم العربية التابعة لأمريكا سوف تدرك أنّ أجهزتها الأمنية أضعف من أنْ تقمع انتفاضة عربية سوف تنفجر دفاعاً عن القدس.
تلك النظم العربية أضعف بكثير من "إسرائيل" التي عجزت عن قمع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وانتفاضة الأقصى.

 

هل تجرؤ "إسرائيل"؟

ولكنْ، هل يمكن أن تجرؤ "إسرائيل" على شن عدوان على المسجد الأقصى يؤدّي إلى إلحاق ضرر به؟

 

هناك الكثير من الأدلة على أنّ حاخامات اليهود يشكّلون عقليّة الشباب اليهود، ويُعدِّون هذا الشباب دينياً وثقافياً لإقامة "هيكل" سليمان مكان المسجد الأقصى، وقد نُشِرت بعض الصور للمبنى الذي تم تصميمه باعتباره "الهيكل" الجديد، وقد ظهر هذا المبنى مكان المسجد الأقصى، ويجد هذا الاتجاه تأييداً كبيراً من اليمين المسيحي المحافظ الذي يسيطر الآن على الإدارة الأمريكية، ويشكّل السياسة الأمريكية.

 

كما أنّه نُشِرت بعض الروايات حول إعداد الترتيبات والطقوس والملابس لافتتاح هذا "الهيكل". وهذا يعني أنّ الأمر جدٌّ لا هزل فيه، ولذلك أصبح تجاهل المخطّط "الإسرائيلي" لتدمير المسجد هو دفنٌ للرؤوس في الرمال.

 

في بعض الفترات تكرّرت في وسائل الإعلام عبارة تقول إنّ الصراع بين العرب و"إسرائيل" هو صراع وجود لا صراع حدود، لكن تلك المقولة اختفت من حياتنا بسبب الذين ما زالوا يؤمنون بها من الوصول إلى الجماهير باستخدام وسائل الإعلام، واتجاه النظم العربية إلى تضييق مجال الصراع وخداع الشعوب وتسويق اتفاقيات السلام.

 

ولكن هل السلام ممكن؟!

هناك رغبة عربية في السلام مع "إسرائيل"، وكل النظم العربية تعتبره خيارها الاستراتيجي الوحيد، وهناك نظم عربية وصلت إلى حدّ منْع كل المعارضين للسلام من التعبير والمشاركة السياسية.

 

ولكن هل ترغب "إسرائيل" في هذا السلام العربي مهما كانت مغرياته، ومهما حقق لها من مصالح ؟

 

قراءة الخطاب "الإسرائيلي" والأمريكي تؤكّد أنّ السلام هو الاستسلام للوضع الراهن، وعلى الأقلّ فإنّ القدس ليست مجالاً للتفاوض، فمن يرتضي السلام على أساس التخلّي عن القدس والاعتراف بالسيادة "الإسرائيلية" عليها فإنّه يمكن أنْ يحصل على المعونات الأمريكية والدعم غير المحدود.

 

أمّا الذين يصرّون على تحرير القدس سلْماً أو حرباً فلهم القنابل والصواريخ والسجون والحصار والتجويع. والمخطط "الإسرائيلي" لتدمير القدس يعني أنّ السلام مستحيل، وأنّ صراع الوجود سوف ينفجِر بمجرد أنْ يحدث اعتداء "إسرائيلي" على المسجد الأقصى.

 

المسلمون جميعاً سوف ينتفضون إذا تعرّض المسجد الأقصى لأيّة عملية تدمير سواء من تحت الأرض بفعل الأنفاق التي تقوم "إسرائيل" بحفرها، أو من فوق الأرض باستخدام القنابل والصواريخ والمتفجرات.

 

الغضب الإسلامي سوف ينفجِر وسيؤدّي إلى إزالة النظم التابعة لأمريكا، وعندئذ لن تجد "إسرائيل" من يحميها من أمّةٍ يصل عددها إلى مليار ونصف المليار من البشر، خاصةً عندما ترتبط التهديدات "الإسرائيلية" بتدمير المسجد الأقصى بتهديدات المرشّح الأمريكي الجمهوري للرئاسة بتدمير مكة والمدينة.

 

قراءة الخطاب "الإسرائيلي" والأمريكي توضّح أنّ الاستقرار وهمٌ والسلام مستحيل، وتؤكّد أن الانفجار قادم.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

القدس بين صهوة البراق وصهوة الجواد

التالي

ملتقى القدس العالمي في إسطنبول

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »