السيادة.. خلاصة المشهد المقدسي
يؤكّد لنا الباحث المقدسي د. نظمي الجعبة؛ أستاذ التاريخ الفلسطيني؛ "أنّ الحفريات (الإسرائيلية) في باب المغاربة إنما هي بمثابة إعلان تقاسم السيادة على الحرم القدسي مع المسلمين، كما يطمح اليهود إلى الكشف عن بوابة باركلي المخبأة تحت التلة المذكورة، وهي تقود إلى مسجد البراق داخل الحرم على بعد أمتار من باب المغاربة، وهذه البوابة كما يُدْعى في التراث اليهودي التوراتي هي إحدى بوابات الهيكل التي تعود حسب اعتقادهم إلى فترة هيرودس وجرى اكتشافها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد سميت وقتها باسم القنصل الأمريكي في ذلك الوقت-عن الأيام الفلسطينية 11/2/2007م".
لذلك نؤكّد بدورنا أنّه حينما يعلن وزير الأمن الداخلي (الإسرائيلي) آفي ديختر للقناة العاشرة للتلفزيون (الإسرائيلي) يوم السبت 10/2/2007 قائلا: "لا يجب أنْ نخاف من تهديدات العرب والمسلمين ويجب أنْ نواصل عمليات الحفر في باب المغاربة، وعلى العرب أنْ يعرفوا أنهم لا يخيفوننا، فمجرد أنْ يشعروا بذلك وأنهم قادرون على ردعنا وإخافتنا فتلك كارثة لإسرائيل" ، فإنّ هذا التصريح يبلغ ذروة التحدّي والاستخفاف بالعرب والمسلمين في كلّ ما يتعلق بالمدينة المقدسة، وحينما يواصل ديختر مؤكّداً: "أنّ إسرائيل تنفّذ أعمالاً في منطقةٍ تحت سيادتها، ولسنا بحاجة للتنسيق مع أحد.. وأن الرصيف المؤدي إلى باب المغاربة هو خارج جبل الهيكل (الحرم القدسي) وأنّ أعمال الحفريات ستستمرّ لأكثر من عامٍ لأنّه حتى الآن نحن في مرحلة التنقيب عن الآثار في الموقع قبل بدء أعمال البناء" ، وحينما يَعتبر أولمرت من جهته "أنّ الأعمال في الحرم القدسي تُجْرى في منطقة تخضع لسيادة (إسرائيلية) كاملة- عن الوكالات وعرب 48 11/2/2007"، فإنّ رسالتهما تكون واضحة تماماً بأنّ ما يجري في القدس وتحت الحرم القدسي الشريف إنما هي مسألة سيادية (إسرائيلية) وأنْ لا علاقة للعرب والمسلمين بها، وأنّ القصة في الحصيلة هي قصة صراعٍ على السيادة والسيطرة وليس صراع ولاية دينية فقط على القدس، ولكن وعلى الرغم من ذلك يبدو أنّ رسائل الاستغاثة التي ترسلها إدارة المسجد الأقصى ودائرة الأوقاف الإسلامية ومؤسسة الأقصى وأهل القدس لم تصلْ بعد إلى الدول العربية والإسلامية، فالأخطار ما زالت تحدق بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
ونتابع أيضاً: "وفق أحدث المعطيات والتطورات المتسارعة الجارية على أرض المدينة المقدسة فإنّ العناوين الكبيرة للمشهد المقدسيّ في الآونة الأخيرة هي: أنّ الاحتلال يشنّ في هذه الأيام أوسع هجومٍ تهويديّ جارفٍ على القدس والمقدّسات بغية اقتناص اللحظة الفلسطينية والعربية الراهنة وصولاً إلى إخراج القدس من كلّ الحسابات..
وإنّ ما يجري على أرض المدينة المقدسة إنما هو صراعٌ حقيقيّ ضارٍ ومحموم ليس حول الأرض والمساحات والعقارات والاستيطان والميزان الديموغرافي فقط.. وإنما حول ما يترتب على ذلك في مسألة الهوية والسيادة والمستقبل.." فالقدس هي التاريخ والتراث والدين والحضارة والسيادة والحاضر والمستقبل.
والواضح الملموس أنّ سلطات الاحتلال توظّف كلّ طاقاتها وإمكاناتها و أجهزتها وأدواتها وتنظيماتها المحتلة وصلاحياتها الإدارية والسياسية والعسكرية والأمنية في خوض هذه الحرب الدائرة في القدس حول هويتها والسيادة عليها. لقد وصفت مصادر فلسطينية ما يجري على أرض القدس بـ"الحرب على الوجود العربي الإسلامي في القدس"، كما وصف مفتي القدس والديار المقدسة ما يجري في القدس بأنها مذبحة حضارية مروّعة تُقتَرَف ضد المدينة المقدسة.
والمؤسف.. المحزن... المؤلم.. المغضب.. أنّ كلّ ذلك يجري على مرأى من العالمين العربي والإسلامي دون أنْ يحرّك أحدٌ ساكناً في اتجاه التصدّي على الإطلاق.
ولعلّ من أخطر التطورات والإجراءات الاحتلالية التي تشهدها المدينة المقدسة في هذه الأيام هي تلك الحفريات العميقة المتشعبة تحت أساسات الحرم القدسي الشريف والتي يزعمون أنها تهدف إلى اكتشاف مكان الهيكل اليهودي الثاني تمهيداً لبناء الهيكل الثالث، وهذه التصعيد (الإسرائيلي) ليس إعلامياً أو تكتيكياً أو تضليلياً وإنما يأتي في سياق خططٍ احتلالية شيطانية تهدف إلى إحكام السيطرة والهيمنة (الإسرائيلية) على المدينة المقدسة إلى أبد الآبدين.
إذن، يتّضح تماماً أنّ كلّ هذه الإجراءات (الإسرائيلية) ليست صدفة، وإنما هي تطبيقٌ لسياسة (إسرائيلية) احتلالية مبيّتة راسخة تكرّس واقع الهيمنة والسيادة (الإسرائيلية) على كامل المدينة المقدسة بما فيها الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وتسعى لإضفاء البعد الديني اليهودي والصبغة الدينية اليهودية على القدس باعتبارها "مدينة الآباء والأجداد" لديهم، وباعتبارها مدينة يهودية الطابع والواقع...، وما الحفريات الأثرية المحمومة المسعورة إلا في هذا الإطار وهذا البعد تحديداً.
فهل تحمل كلّ هذه المعطيات والوقائع معها احتمالية ترجمةَ النوايا والمخططات الإرهابية اليهودية بهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه؟ يمكننا بالتأكيد ليس فقط أنْ ننفي هذه الاحتمالية، بل إنّا نؤكدها استناداً إلى جملة من القرائن والمعطيات الموثقة حتى في مصادرهم.
فاليهود؛ بأجهزتهم وتنظيماتهم وأطيافهم السياسية المتشددة والعنصرية على وجه التحديد يسابقون الزمن لهدم الأقصى، إذْ "يعتقدون أن دورة جديدة من التاريخ اليهودي على وشك أن تبدأ، أنها دورة "ملك السلام" الذي سيتخلّص من كلّ أعداء (إسرائيل)، وهذا المنتظَر من عالم الغيب يستلزم قدومه تهيئة عالم الشهادة مثل إقامة الدولة وقد تمّ لهم ذلك، وتوحيد العاصمة وقد حصل، وتجهيز منبر الدعوة وموضع القبلة وهو ما يجهدون أنفسهم في سبيل تحقيقه باعتباره مهمة الوقت وضرورة العصر -ويُقصَد الهيكل- صحيفة السبيل الأردنية".
في ضوء كلّ هذه التطورات الخطيرة التي باتت تشكّل تهديداً حقيقياً للقدس والأقصى المبارك نتساءل ثانية: هل نرى يا ترى تطوّراً في الموقف العربي وعليه الدولي في مسألة القدس؟ وهل يرتقي التعاطي الفلسطيني وبالتالي العربي فالدولي مع ملف وقضية القدس إلى مستوى مكانة المدينة والأخطار الداهمة التي تتهددها باعتبار أنها تتهوّد يومياً وفي كلّ ساعةٍ ومعرّضة للضياع التاريخي؟