من له أذنان للسماع فليسمع.. كل الدلائل تشير.. إهمالٌ متعمد للقدس!!!

تاريخ الإضافة الإثنين 21 تموز 2008 - 11:38 م    عدد الزيارات 4094    التعليقات 0     القسم

        



القدس أصبحت هاجسي الكبير، بل ربما هاجسي الوحيد، وكيف لا وأنا وأبناء القدس نتأكّد مع طلوع كلّ فجر جديد بأنّ القدس في طريقها إلى الضياع بل ربما قد ضاعت فعلاً، وبأنّ حلم القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، الذي هو مصدر الصبر والتحمّل الوحيد لدينا والأمل الذي يكاد أنْ يخبو بين لحظة وأخرى والقشة التي نتعلق بها، هذا الحلم بات حلماً ليس إلا...

 

هل تلومونني على تشاؤمي هذا؟! بل هل تلومون تشاؤم أبناء القدس ونحن نرى أنّ القدس تضيع منا.. يُنتهش جسدها كل يوم بل كل لحظة، فحتى الأصوات التي كانت تعلو وتعلو أخذت تخبو وكأنّ الناس قد تعبوا من الحديث ومن الصراخ ومن الحثّ على التحرك من أجل القدس وقد وجدوا أنْ لا حياة لمن تنادي..

 

لا تستغربوا ولا تتعجبوا من موقفي هذا، فالدلائل كلها تشير إلى حقيقة ما أقول وبأنّي لا أهوّل الأمور وأضخّمها، فكلّ يومٍ هناك دليل جديد على أنّنا قد وصلنا إلى وضع يائس بائس في موضوع القدس، وبأنّ الجميع يتجاهلون، وعن عمد، ما يجري في المدينة.. ففي الثاني من هذا الشهر أصدر آفي ديختر وزير الأمن الداخلي "الإسرائيليّ"، قراراً بإغلاق مكتب مجلس الإسكان الفلسطينـي في القدس لينضم إلى عشرات المؤسسات التي أغلقتها سلطات الاحتلال، ولتخسر المدينة إحدى مؤسساتها الفاعلة النشيطة التـي هدفها مساعدة المقدسيين وتثبيت وجودهم حيث يقوم المجلس بمنح قروض ميسرة لمن يملك تراخيص بناء سارية المفعول..

 

كنّا نتوقّع مع إغلاق هذه المؤسسة الحيوية أنْ تكون هناك ردود فعل قوية على هذا الإجراء الذي يستهدف التضييق على المقدسيّين وإغلاق مؤسساتهم بحجّة أو بأخرى أو ترحيلها إلى خارج القدس عن طريق الضغوطات الضريبية الباهظة والإجراءات الشديدة التي تتخذ بحقها. كنّا نتوقع أنْ تقوم الدنيا ولا تقعد على هذا الإجراء، ولكن وللأسف وكأنّ الأمر لا يعنـي أحداً، فلم نلمسْ أي تحرك ضده وحتى لم نسمع مجرد اعتراضٍ أو كلمة احتجاج أو حتى استنكار لإغلاق هذه المؤسسة الحيوية التي يشهد لها القاصي والداني بمدى مساعدتها للمواطنين المقدسيين وخدماتها في تثبيت وترسيخ وجودهم في المدينة المقدسة.. أليس هذا بدليل على عدم الاهتمام بالقدس بل على الإهمال المتعمد والمقصود لها...

 

وليس هذا فحسب، ففي الوقت الذي تغلق فيه سلطات الاحتلال المؤسسات المقدسية، وتستخدم كل الأساليب والوسائل لتهجير مواطني القدس عنها، فإنّها لم تألُ جهداً في استكمال مخطط تهويد المدينة المقدسة حيث كشفت السلطات "الإسرائيلية" عن مخطط استيطانيّ جديد في القدس لينهش مع المستوطنات الأخرى من أراضيها الآلاف من الدونمات تلو الآلاف، فقد أعلنت بلدية القدس مؤخراً عن موافقة لجنة تخطيط مدني "إسرائيلية" على مشروع لبناء 920 مسكناً جديداً في حي "هار حوما" الاستيطاني الذي يسكنه أكثر من عشرة آلاف شخص والذي هو جزءٌ من مخطط لبناء 40 ألف منزل جديد خلال السنوات العشر المقبلة في القدس الشرقية، والذي تحدثت عنه في العدد قبل الأخير، وبموافقة  وزارة الإسكان "الإسرائيلية" بحسب تصريحات مسؤول في الوزارة. وأيضاً لم نشهدْ أية ردة فعل على هذا المخطط والذي سبقه وسبقه سوى بعض الاستنكارات الخجولة التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة!! أليس هذا أيضاً دليلٌ واضحٌ على الإهمال المتعمد والمقصود للمدينة؟!

 

فماذا جرى لكم ؟! وأين أنتم مما يحدث؟!

 

إنّ إصرار سلطات الاحتلال على تنفيذ هذه المخططات الاستيطانية الخطيرة وغيرها وغيرها رغم تعهّدها في مؤتمر أنابوليس للسلام بوقف كافة نشاطاتها الاستيطانية في الضفة الغربية، وإغلاقها مجلس الإسكان وغيره من المؤسسات لهي دلائل أخرى على أنّ "إسرائيل" لم تكنْ لتنفّذ مثل هذه المخططات أو هذه الإغلاقات لو وجدت من يعترض عليها ولولا -وبكل أسف أقول- لولا القبول والرضى المخفيّ للأمر الواقع بأنّ القدس الموحّدة بأكملها هي العاصمة "الأبدية" لـ"إسرائيل"،  وبأننا كما سبق وقلتها -وسأظل أقولها إلى أنْ ألمس غير ذلك- بأنّه تم القبول بـ"أبو ديس الشريف" أو "رام الله الشريف" أو... عاصمة لدولتنا..

 

هذا هو الواقع المأساوي للحال الذي وصلنا إليه، وقد سمعت من أحد أعضاء اللجان التي انبثقت عن المؤتمر الشعبي للقدس بأنّ تلك اللجان مجرّد واجهة ومناصب ومراكز ليضع فلانٌ في سيرته الذاتية بأنّه عضو اللجنة الفلانية أو العلانية.. فاجتماع لمرة واحدة فقط عُقِد لبعض تلك اللجان وبأجندة مفروضة عليها وحتى بعضها ربما لم تجتمع بالمرة.. أليس هذا هو قمة المأساة وقمة الضحك على ذقون المقدسيين بأنّ هناك من يعمل من أجلهم.. فإذا كناّ لم نسمعْ حتى اعتراضات من تلك اللجان على إغلاق مجلس الإسكان أو على المخططات الاستيطانية، فلماذا هي تلك اللجان وما هو عملها؟! أخبرونا فنحن نريد أن نستنير... فلعلنا لسنا على اطّلاعٍ ولسنا على معرفة بما يجري.. ولكن يبدو أنّه ليس هناك من شيء لنطّلِع عليه، وهذا أكبر دليل على أنّ ما أقوله ليس تشاؤماً أو تهويلاً للأمور..

 

أُعلِن أنّ القدس ستكون عاصمة الثقافة العربية للعام 2009 وهذا شيء جميل يعطي بارقة أمل، حتى ولو أنّ القدس ما زالت تحت الاحتلال وبأنّ الفعاليات ستكون خارج القدس وحتى خارج البلاد، ولكن على الأقل ربما تكون الموقِظ للعالم العربي والإسلاميّ ليتذكّروا بأنّ القدس تئِنّ تحت سياط محتليها وتحت جراح مهمليها وخاذليها فيسارعوا إلى العمل من أجل القدس ومن أجل مواطنيها الذين يعانون الأمرّيْن وهم يحاولون الصمود في وجه محاولات تهجيرهم وتهويد مدينته..

 

وكل ما أخشاه أنْ لا يستيقظ أحد من هؤلاء لتتمّ فيهم نبوءة النبي أشعيا التي تحدّث عنها السيد المسيح (له المجد) كما وردت في إنجيل متى (13:15) -قالها في العبرانيين- ولكنّها تنطبق عليه:

"فقد غَلُظَ قَلبُ هذا الشَّعب وأَصَمُّوا آذانَهم وأَغمَضوا عُيونَهم لِئَلاَّ يُبصِروا بِعيونِهم ويَسمَعوا بِآذانِهم ويَفهَموا بِقُلوبِهم"....

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

شعرٌ للقدس (الجزء السابع والأخير)

التالي

ماذا بعد إغلاق مجلس الإسكات الفلسطيني في القدس؟

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »