الاقتصاد المقدسي يرزح تحت وطأة الممارسات الاحتلالية
الثلاثاء 8 كانون الثاني 2013 - 1:17 م 4852 0 مقالات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةيرزح الاقتصاد المقدسي تحت وطأة الممارسات الاحتلالية الساعية إلى التضييق على المقدسيين في كل نواحي حياتهم، وتنعكس هذه الممارسات على القطاعات المختلفة في القدس لتطال الاقتصاد بكل جوانبه. وتنعكس السياسات الاحتلالية على مستوى حياة المقدسيين بشكل واضح حيث أظهر تقرير نشرته دائرة الإحصاء المركزية في دولة الاحتلال أن 70% من سكان القدس تحت خط الفقر. وتعتبر التجارة أحد فروع الاقتصاد التي تشهد عجزًا وتراجعًا لأسباب تبدأ مع الضرائب العالية ولا تنتهي عند الجدار العازل وبواباته.
وتبتدع بلدية الاحتلال في القدس أساليب مختلفة للتضييق على المقدسيين بحجة تجميل الأسواق وتنظيمها. ففي 24/12، عملت عناصر من بلدية الاحتلال على رسم حدود باللون الأصفر أمام المحال التجارية والبسطات في سوق القطانين بالبلدة القديمة، وأنذرت التجار بعدم اجتيازها تحت طائلة دفع غرامات مالية تصل إلى 500 شيكل لكل من يخالف القوانين. كما أصدرت بلدية الاحتلال أوامر للتجار في شارع صلاح الدين، وهو الشارع الرئيس في القدس المحتلة، بوجوب دهن أبواب جميع المحال التجارية في الشارع باللون الرمادي، كما فرضت بأن تكون أبواب المحال التجارية في شارع الزهراء المجاور باللون البيج اعتبارًا من بداية عام 2013 تحت طائلة الملاحقة القانونية وفرض المخالفات المالية العالية. وتقع هذه الأوامر في إطار إرهاق التجار حيث إن أمرًا كهذا سيكلف المحال أموالاً كبيرة في وقت تنوء التجارة فيه تحت وطأة كساد الأسواق وضعف الحركة الشرائية.
وكانت بلدية الاحتلال افتتحت مكتبًا جديدًا لها في كانون الأول/ديسمبر 2012 هو الأول من نوعه في باب العمود داخل أسوار القدس القديمة. وقد أثار هذا القرار ردات فعل شاجبة ومنددة من قبل التجار الذين وصفوا الخطوة بالمسمار الأخير الذي تدقه بلدية الاحتلال، ومن ورائها المؤسسة الاحتلالية الإسرائيلية، في نعش الحركة التجارية في البلدة القديمة ومدينة القدس. واعتبر التجار أن افتتاح المكتب إنما هو خطوة أخرى للتضييق عليهم ومداهمة محلاتهم التجارية بشكل دائم ومفاجئ وبالتالي تحرير المخالفات بحقهم، بالإضافة إلى ملاحقة الباعة الجائلين ومصادرة بضائعهم. كذلك استنكرت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث هذه الإجراءات الاحتلالية واعتبرت أنها تسعى إلى نسف الحركة التجارية في البلدة القديمة، وهي الرئة المتبقية التي يتنفس منها أصحاب المحلات التجارية.
وتعدّ الحرف التقليدية من المجالات المتضررة من الركود التجاري، فقد أدى ضعف الحركة السوقية، وعدم القدرة على تسويق منتجاتهم خارج الجدار، إلى هجرة العديد من الحرفيين خارج المدينة في محاولة لإيجاد أسواق أكثر جدوى لاستثماراتهم، وبالتالي اندثرت حوالي 15 حرفة تقليدية من القدس المحتلة. وقد أظهرت دراسة أعدها الباحث المقدسي محمد قرش وقدمها خلال ندوة نظمها معهد "ماس" في مدينة رام الله أن "ضرائب وقوانين الاحتلال دفعت التجار إلى الهجرة خارج الجدار، وشكلت ما نسبته 26٪ من أسباب خروجهم، تلاها انحياز وكلاء السياحة في مرافقة السياح إلى غرب القدس بنسبة 19٪ بالمائة، فيما مثل عنصر المنافسة 18٪، وعدم الاستقرار السياسي والأمني 13٪ من أسباب هجرة التجار والمهنيين من القدس".
ووفقًا لمدير قسم إحصاءات القدس في الجهاز المركزي للإحصاء، يوسف الأشقر، فإن غالبية الاستثمارات في القدس استهلاكية، ولا تتمتع بأي جدوى لصالح الاقتصاد المقدسي، وذلك بسبب "ارتفاع نسبة الضرائب الى الأرباح، وصعوبة تصدير المنتجات خارج الجدار على أقل تقدير، علاوة على هجرة التجار من القدس إلى مدن أخرى مثل نابلس والخليل".
ولا شك في أن تغييب السلطة الفلسطينية عن القدس بموجب اتفاقية أوسلو ساهم في تسليم مفاتيح الاقتصاد المقدسي بكلّيته إلى السياسات الاحتلالية، إلا أن الحل لن يكون بانتظار زوال الاحتلال بل إن الواجب هو استعادة زمام المبادرة ودعم الاقتصاد، وتشجيع الاستثمارات في القدس لتحريك مختلف المرافق، خصوصًا على مستوى التجارة و السياحة. وهذا الأمر بدوره لن يتحقق عبر المؤتمرات الداعية إلى الاستثمار، بل بالالتزام الفعلي بتنفيذ المشروعات التي تقرها المؤتمرات الاستثمارية في ما يتعلق بالقدس.
وللإشارة، فقد عقدت في الأراضي الفلسطينية منذ قيام السلطة عدة مؤتمرات كبيرة لتشجيع الاستثمار، شارك فيها المئات من المستثمرين المحليين والمغتربين الفلسطينيين ورجال الأعمال العرب والأجانب. وقد توجت هذه المؤتمرات بمجموعة من الاتفاقيات للاستثمار في الأراضي الفلسطينية، وفي مقدمتها مدينة القدس، لكنها لم تترجم عمليًا. وقد شهدت القدس في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2012 انعقاد "ملتقى القدس للأعمال" الذي يهدف إلى جذب الاستثمارات الإقليمية والدولية. وشارك في الملتقى رجال أعمال ومستثمرون من دول مختلفة وقدم خلاله أكثر من 30 مشروعًا قابلاً للتنفيذ في مجالات العقارات والسياحة والتعليم بكلفة تصل إلى حوالي نصف مليار دولار ومن شأن هذه المشروعات، إن نفذت، المساهمة في تحريك العجلة الاقتصادية في القدس المحتلة.