لقد طفح الكيل.. فكفاكم إهمالاً للقدس!!

تاريخ الإضافة السبت 13 أيلول 2008 - 10:15 م    عدد الزيارات 4395    التعليقات 0     القسم

        



القدس.. وتهويد القدس.. العنوان الذي ملأ الصحف والمجلات والمواقع والنشرات..، ولكن ما الفائدة ما دامت كلّ الكلمات التي كُتبت بالدم، وكلّ النداءات التي اخترقت كلّ مكان لم تستطعْ أن تحرّك ساكناً في نفوس الذين يفترض فيهم أنْ يكونوا المعنيّين بالأمر لأنّهم فعلاً ليسوا معنيين لا بالقدس ولا بمواطنيها ولا حتى بمقدساتها!.

 

بُحَّت الحناجر وهي تصرخ وتستغيث.. ولم نلمسْ أي تغيير أو أي عملٍ جدي واحد يعالج قضايا المواطنين ومشاكلهم وهمومهم التي أنهكتهم فباتوا لا يعلمون ما يفعلون سوى الدعوة لله تعالى أنْ يعينهم أو شدّ الرحال والرحيل عن القدس التي ولدوا وكبروا وترعرعوا بين جدرانها، فكلّ حجر من حجارة القدس يشهد بذلك إلا سلطات الاحتلال التي تتحيّن الفرص لهذا أو ذاك فتجليهم عن مدينتهم.. عن قدسهم التي أحبوا وأحبتهم..

 

"سافرت للدراسة في الخارج واضطرتني الظروف إلى أنْ أتغيّب لسنواتٍ عن وطني وعندما عدت فوجئت بسلطات الاحتلال تصادر هويتي المقدسية وتمنعني من الإقامة في القدس.. فإلى أين أذهب وكل عائلتي موجودة فيها؟! فأيّ قانونٍ يشرّد المواطن بمنعه من العيش على تراب أرضه ووطنه وبين أهله وعائلته لا لسببٍ سوى لأنّه أراد طلب العلم في الخارج فكانت النتيجة الحرمان من العودة إلى مسقط رأسه... هل أسكن في ضواحي القدس؟؟!! أم أسكن في رام الله أم في...  فقلت في نفسي لن أكون غريباً  في وطني.. وشددت الرحال وعدت من حيث أتيت والألم يعتصر قلبي وفؤادي وقلوب أفراد عائلتي..".

 

هذه إحدى قصص مواطني القدس وكيف يتم إجبارهم على ترك مدينتهم بقانونٍ ابتدعه الاحتلال من أجل إجلاء أهل القدس عنها.. فمن يتم إثبات أنّه غادر المدينة لمدة سبع سنوات متواصلة أو متقطّعة تصادر هويته ويجبر على مغادرتها إلى الأبد، وإذا أراد زيارتها فهو بحاجة إلى تصريح، هذا حتى إذا أُعطِيَ له!!.

 

ومن يفشل في إثبات أنّ مركز حياته في القدس بمعنى عمله وسكنه و.. فهذا أيضاً تسحب هويته المقدسية.. وأيضاً يمنع من السكن فيها..

 

سحب الإقامة قضية باتت تؤرّق المقدسيّين وبخاصة وأنّ هناك تسارعاً في عملية سحب الهويات،  فبحسب الإحصائيات المستندة على معطيات وزارة الداخلية "الإسرائيلية" فقد تضاعف حجم مصادرة الهويات عدة مرات فخلال العام 2006 سحبت هوية 1363 مواطناً مقارنة بـ222 في العام 2005 وبالتالي فإنّ هؤلاء فقدوا حق الإقامة في القدس وأُجبِروا على الرحيل عنها.. والله يعلم كم من الهويات سحبت في العام الماضي والعام الحالي والحبل على الجرار...

 

تكتيك ذكيّ لعبته "إسرائيل"، بل خدعة كبيرة قامت بها لتهويد المدينة ولتهجير مواطنيها من خلال التلاعب في تطبيق القانون.. وزير يرخي الحبل ويسمح لحاملي هوية القدس بالسكن خارج حدودها وفي أطراف المدينة وضواحيها كما حدث في الثمانينات مما شجّع انتقال العديد من المقدسيّين إلى الضواحي أو أماكن أخرى في الضفة الغربية، حيث استطاعوا العيش هناك عدة سنوات دون أنْ يؤثّر ذلك في حقوقهم  كمواطنين مقدسيّين،  ليفاجأوا في التسعينيات بوزيرٍ ينفّذ القانون وبالتالي فإنّ من لم يثبتْ أنّه مقيم في القدس، ليس حاضراً فقط وإنما سابقاً أيضاً، من خلال قائمة طويلة من الأدلة التي تؤكّد إقامته في المدينة من "أرنونا" وفواتير كهرباء وماء وشهادات مدرسية و.... فإنّه حُرِم حقّ الإقامة وسحبت مكانة المواطنة منه.. وبذلك فقد اكتظت القدس وبخاصة البلدة القديمة بالمواطنين (بحسب مصادر مطلعة وصل عدد السكان في البلدة القديمة إلى 100 ألف نسمة) وتحوّلت كلّ غرفة فيها لتكون سكناً لعائلة متعدّدة الأفراد وحتى بعض المحلات التجارية حُوّلت إلى بيوت.. وبخاصة مع الغلاء الفاحش في الإيجارات في القدس والتي أصبحت لا تطاق، وتضاعف أثمان الشقق السكنية بشكلٍ كبير كنتيجة للتباطؤ في إعطاء رخص البناء والإجراءات الطويلة والمكلفة جداً للحصول عليها..

 

قصة خليل فريد من مخيم قلنديا والتي نشرت في صحيفة "هآرتس" يوم 26/8/2008 هي نموذج آخر لمعاناة مواطني القدس.. فريد يبلغ من العمر 49 عاماً متزوج وأب لخمسة أطفال، يعاني من مشاكل في العمود الفقري واجتاز عملية قسطرة ووضعه الصحي تدهور لدرجة فقدان القدرة على العمل. مؤسسة التأمين الوطني رفضت طلبه بالحصول على عجزٍ كامل مدعيةً أنّه ليس مقيماً في "إسرائيل". المحامي موسى الذي عُيّن لتمثيل فريد اكتشف أنّ مؤسسة التأمين تدّعي أنّ فريد لا يستحق مخصصات العجز لأن أغلبية شقته تقع خارج حدود دولة "إسرائيل" رغم أنّه يحمل الهوية المقدسية هو وعائلته وهم أعضاء في صندوق المرضى العام، ولذلك وما دام التأمين الوطني يصرّ على أنّه لا يسكن ضمن حدود القدس توجّه فريد إلى البلدية للمطالبة بإعفائه من دفع ضريبة البلدية (الأرنونا)، ولكن الأخيرة أصرّت على دفع الأرنونا كون شقته بحسب البلدية تقع كاملاً وحتى آخر متر-حسب تعبيرها- ضمن حدود القدس.. وبين حانا ومانا ضاعت هوية فريد وقد تقرّر أنّه ليس من الممكن الاعتراف به كمقيمٍ في "إسرائيل"...

 

سحب الهويات ومنع الإقامة في القدس.. عملية تتسارع بشكلٍ كبير والعالم كله يتفرج.. فكيف يرضى مدّعوا حقوق الإنسان في العالم أجمع أنْ يُحرَم شخص من الإقامة في بيته وعلى تراب مدينته؟! كيف يغضّ العالم العربي الطرف عن هذه المشكلة ولا يقوم بالمقابل بالضغط على "إسرائيل" -وسائل الضغط لديها عديدة- من أجل أنْ توقِف هذه السياسة المجحفة بحق أبناء القدس عن أبٍ وجد وجد الجد...... بينما يسمح لمهاجر يهودي أتى من آخر الدنيا ليستوطن في المدينة المقدسة وتصبح لديه حقوق المواطنة الكاملة بينما المقدسيّ الأصيل لا يحقّ له حتى أن يقيم فيها؟! وماذا فعلت السلطة الوطنية بهذا الصدد؟!

 

مؤخّراً تمّ الحديث عن انطلاق "حملة حقوق الفلسطينيين في مدينة القدس" قامت بها عدة مؤسسات أهلية وحقوقية فلسطينية ودولية، ورغم أنّ هذه الحملة جاءت متأخرة إلا أنّها بادرة نأمل أنْ تأتي بنتيجة، وسيكون ذلك فقط إذا التفّ الجميع حولها لتنطلق بكلّ قوة وبشكلٍ جماعي.. ولكن ذلك لا يمنع بأنّ هناك واجباً على عالمنا العربي والعالم بأسره بأنْ يتحرّكوا ليكونوا المساندين لأهل القدس والمدافعين عنها ليستطيعوا تحقيق صمود مواطني القدس في مدينتهم هذا إذا كان هناك فعلاً من همْ معنيّون بإيقاف حملات تهويد القدس ودعم صمود أهلها؟!

 

فكفاكم إهمالاً للقدس.. ودعونا نرى العمل الجاد تجاه هذه المدينة المقدسة...

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

كلّهم سيقسمون القدس

التالي

حربٌ بمواصفات مستحدثة لكنها قديمة

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »