مثلث برمودا الاستيطاني يبتلع المدينة المقدسة...!
لا نبالغ إنْ قلنا إنّ دولة الاحتلال تعمل على اختطاف المدينة المقدسة مرة واحدة وإلى الأبد...!
فـ"التهويد الكبير في المدينة قد بدأ" حسب أحدث وثيقة عبرية، وأنّ هناك ما يمكن أنْ نسمّيه "مثلث برمودا الاستيطاني الذي يبتلع المدينة المقدس"....!
فقد أعلنت تلك الدولة عن "ثورة في الاستيطان حول القدس" في إطار اتفاقٍ تمّ بين أولمرت وحركة شاس الدينية "الصحف العبرية"، بعد أن كانت أعلنت منذ مطلع العام عن "إن عام/2008 سيكون عام البناء الاستيطاني في القدس".
ويصعد الاحتلال حرب ابتلاع القدس، إذ تتعرض المدينة في هذه الأيام لأخطر وأشرس حملة تهويدية منذ احتلالها عام 1967، وعمل ليلاً نهاراً على فرض الأمر الواقع الاحتلالي فوق القدس عبر تزوير وثائق ملكية المنازل والعقارات ومنع الفلسطينيين من البناء وترميم منازلهم، وتحت المدينة عبر مواصلة حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى والأحياء القديمة، سعياً لتكريس خرافات الهيكل وخزعبلات المنظمات اليهودية.
فدولة الاحتلال تتحرك على مدار الساعة على امتداد المساحة المقدسية بهدف إحكام قبضتها الإستراتيجية على المدينة وإخراجها من كل الحسابات الفلسطينية والعربية والدولية...!
وهي أيضا في سباق مع الزمن ومع المفاوضات مستثمرة حالة التشظي والتفكك والضعف والسبات العربية من أجل استكمال مخططاتها ومشاريعها قبل أن تأتي الصحوة العربية الإسلامية...!
وليس ذلك فحسب، فقد حظيت قبل أيام بغطاء حتى من قبل "لجنة التراث العالمي" التابعة لليونسكو باتخاذها قرارا يخول "إسرائيل" بالإشراف على باب المغاربة وببناء الجسر وفقا لمخططاتها "بما ينطوي عليه ذلك من ضوء أخضر لدولة الاحتلال بأن تفعل ما تريد في المدية المقدسة..!.
وها هو الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، ورائد التصدي لهستيريا التهويد في القدس، يكشف النقاب في أقرب تحذير له عن "خمسة مخططات ووثائق وخرائط تنوي "الحكومة الإسرائيلية" تنفيذها في ساحة البراق وباب المغاربة في داخل المسجد الأقصى المبارك، بهدف تهويد المنطقة وبناء مجموعة من الكنس اليهودية في الجهة الغربية الجنوبية وبناء جسر عسكري "إسرائيلي" بعرض 18 مترا واعتبار جميع ساحات المسجد الأقصى المبارك ساحات عامة يحق للجميع دخولها تمهيداً للسيطرة عليها وبناء الهيكل الثالث المزعوم/ وكالات– 2008/8/14".
وكشف مركزٌ للدراسات التوثيقية النقاب عن وثيقة أعدها قادة الاحتلال موجهة إلى العالم أجمع تتحدث عن ما أسموه "التغيير قادمٌ لا محالة... وأن مشروع التهويد الكبير قد بدأ، وأن بناء الهيكل ما هو إلا جزء من مشروع يشمل البلدة القديمة بأكملها"، وتعرض الوثيقة المعنونة بـ "القدس أولاً" ترجمة لمصطلح "كيدم يروشلايم" مصطلحاً جديداً أسموه "الحوض المقدس"، وهو تجسيد لإيجاد واقع جديد على الأرض، في القدس والمسجد الأقصى وما جاوره.
وتمضي دولة الاحتلال في هجومها على المدينة المقدسة في إطار ما يطلق عليه الفلسطينيون هناك سياسات التطهير العرقي، إذ أكدت منظمة "بيتسيلم" "الإسرائيلية" لحقوق الإنسان مثلا: "أن دولة الاحتلال تمارس سياسة التطهير العرقي ضد المقدسيين منذ سنوات، ومنها سحب هويات حق المواطنة ومنع البناء والسكن لإجبارهم على الإقامة خارج حدود المدينة/16/6/2008"، كما اتهم تقرير حقوقي "إسرائيل" بـ"ممارسة التهجير والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة".
ولذلك حينما اتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس"إسرائيل" أمام قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم 57 دولة والتي عقدت في العاصمة السنغالية دكار قبل شهور قليلة قائلا "إن شعبنا في المدينة يواجه حملة تطهير عرقي عبر مجموعة من القرارات "الإسرائيلية" كفرض الضرائب الباهظة ومنع البناء وإغلاق المؤسسات الفلسطينية مضافا إلى ذلك عزل المدينة عن محيطها في الضفة الغربية نتيجة بناء جدار الفصل العنصري"، فقد كانت تلك إشارة بالغة الأهمية على ما يجري وما يقترفه الاحتلال في المدينة المقدسة...!
يضاف إلى ذلك- في سياسة سحب الهويات على سبيل المثال أوضح تقرير فلسطيني "إن ممارسات الاحتلال تضاعفت لدرجة خطيرة ولعدة مرات حيث أنه في عام 2006 سحبت الهوية من 1363 مواطناً الأمر الذي يعني ارتفاع نسبة سحب الهويات من المقدسيين إلى نسبة 500 % منذ عام 1985".
كما تقوم تلك الدولة بتزوير وثائق ملكية المنازل والعقارات وتمنع الفلسطينيين من البناء وترميم منازلهم، وفي هذا السياق أكد حاتم عبد القادر مستشار رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض لشؤون القدس"إن الجيش الإسرائيلي يسيطر على منازل الفلسطينيين في القدس بقوة الاحتلال والاغتصاب"، مضيفاً في اتصال مع إذاعة "صوت فلسطين": "إن الاستيلاء على منازل المقدسيين جزء من الحرب الإسرائيلية على المدينة وجزء من التهويد الذي لم يسبق له مثيل".
ناهيك عن "أن السلطات "الإسرائيلية" تنوي إسقاط الهوية المقدسية عن نحو 40% من المقدسيين خارج الجدار الفاصل، عبر استعدادها للبدء في فرض بطاقات على جزء من المقدسيين الموجودين داخل الجدار /عن سما / 15-4-2008".
فالواضح إذن إن لا شيء حتى الآن يردع الاحتلال عن "التطهير العرقي" وعن اجتياحاته التدميرية والمجازرية والاستيطانية التهويدية على حد سواء..!
فلا الشريك الفلسطيني في المفاوضات قادر على تعطيل اجتياحات بلدوزر الاحتلال، ولا "خيار السلام" العربي و"النوايا العربية الطيبة" للتطبيع الشامل، ولا حتى الأمم والشرعية الدولية تحظى بأي تأثير أخلاقي على دولة الاحتلال بهذا الصدد...!.
والملفت للانتباه في هذا السياق ذلك الهجوم الاستراتيجي التهويدي على المدينة المقدسة الرامي إلى اختطاف المدينة وإنهاء ملفها كي لا يبقى للفلسطينيين والعرب أو للعالم فرصة للمطالبة بالتفاوض عليها وكي لا يبقى بالأصل شيء يتفاوض عليه، وكل ذلك يتم في سباق مع الزمن وفي ظل غبار المعارك الفلسطينية الأخرى منها الداخلية الصراعية ومنها على امتداد مدن وقرى ومخيمات الضفة، ومنها تلك المعارك المحتدمة هناك على معابر وحدود غزة...!
والأخطر أن كل ذلك يتم في ظل سبات عربي وإسلامي غريب عجيب لا يصدق...!