القدس والأقصى في خطر والحل بحكومة وحدة وطنية برنامجها المقاومة
أجرى الحوار مراسل موقع "مدينة القدس" في القدس
مٌقدمة:
تراه بشوشاً باسماً متفائلاً بنصر الله رغم كل الظروف القهرية، والناجمة عن الاحتلال البغيض، ولعلّ ما يسعده كثيراً هو وجوده الدائم في المسجد الأقصى المبارك حيث مركز عمله منذ سنوات طويلة. وهو ناسكٌ متعبد مُحتسبٌ أمرَه وأمر شعبه لله عز وجل، وكثيراً ما تراه منشغلاً بأمور شعبه، وأمور مسجده، فتراه يعمل في مجالات لا تخطر إلاّ على بال القلّة القليلة من المتخصصين والمهتمين والغيورين على مصلحة المسجد والقدس والدين الحنيف.
كان أول من نبّه إلى المُصلى المرواني وأهمية العمل لافتتاحه أمام المُصلّين، تحسّباً من أطماع اليهود الذين أعلنوا مراراً نواياهم ومخططاتهم الخبيثة لوضع اليد على المسجد الأقصى أو على جزءٍ منه، وكانت أنظارهم دائماً باتجاه المُصلى المرواني، وكانت إعادة ترميمه وافتتاحه بمثابة الضربة المؤلمة للمشاريع والمخططات اليهودية المتطرفة.
عرفته مبكراً، مُدافعاً عن حقوقنا كمقدسيين، وعن قضايانا الروحية والوطنية، ولم تثبط عزيمته نتيجة الملاحقات الاحتلالية والاعتقال المتكرر له بسبب جهوده، ولم تضعف همته بسبب اعتقال الاحتلال نجلَه الأكبر "مالك" والحكم عليه بالسجن لمدة 19 عاماً، أنهى ثمانية أعوام منها.
وعن ذلك يقول أبو مالك إن شأنه شأن سائر الأُسر المقدسية والفلسطينية، وما زال متفائلاً بحتمية النصر وكنسِ الاحتلال ورفع رايات النصر في باحات وساحات المسجد الأقصى المبارك وعلى سور القدس التاريخي.
ويقف اليوم الدكتور ناجح بكيرات على رأس عمله مديراً لمركز المخطوطات داخل المسجد الأقصى المبارك.
وسعدنا به قدر سعادته بنا وبإجراء هذه المقابلة الحصرية مع الموقع الذي يحمل الاسم الأحب والأعز "مدينة القدس"، وكان رحب الصدر واسع الأفق كبير الثقة بنصر الله.
في ظل سياسة الحرمان وتحديد الأعمار التي يعاني منها قاصدو المسجد الأقصى اليوم ومع كل محاولات الاحتلال فصل مدينة القدس عن محيطها العربي والإسلامي، هل استطاع كل ذلك أن يؤثر على مكانة القدس عموماً والأقصى خصوصاً عند العرب والمسلمين؟
المسجد الأقصى المبارك، موضوع كل مسلم، وهو آية في كتاب الله عز وجل، فلا يمكن أن تنتهي هذه الآية ما دامت تُتلى ويتلوها مليار ونصف المليار من المسلمين.
ولكن لهذه الآية اليوم تبياناً على الساحة العالمية والساحة الإسلامية والساحة الفلسطينية فقد أرادوا لهذه الآية أن تُشطب لا من الوجود فقط بالاعتداء عليها، وإنما أرادوا شطب هذه الآية من الذاكرة الإسلامية، واعتبار أنه يمكن التعامل مع هذه الآية كنوع من التاريخ أو على الأصح بالنسيان، وإذا بقضية غزة تُحيي هذه الآية، وإذا بدماء غزة تشحن هذه الآية من جديد وتظهرها للعالم أجمع؛ للمسلمين وغير المسلمين.
كما أن الأقصى يبقى عنواناً ويبقى هويةً، فقد أرادوا منذ اللحظة الأولى أن يحجبوا مليون ونصف مليون مسلم في غزة عنه، فوضعوهم في سجنٍ كبير حتى لا يصلوا إلى الأقصى، ثم أرادوا ذلك لأهلنا في الضفة الغربية، وكذلك فعلوا بالأهل القاطنين في ضواحي وأحياء القدس، ثم وضعوا جدار الفصل العنصري، ثم حدّدوا الأعمار... والآن نلحظ أن الروافد البشرية للمسجد الأقصى قُطعت من كل مكان، وبقيت روافد محدودة في محيط المسجد الأقصى.
والأقصى هو شامة العالم الإسلامي، والقدس هي الشامة في جبين العالم الإسلامي، وهي رمز لهذه البلاد، والشام من الشهامة، وبالتالي فالأقصى يثير النخوة العربية والإسلامية، وينبغي في نظر الغزاة إزالة هذا الموضوع من الوجود والتعامل معه على أنه مجرد قضية تعبدية مقتصرة على أن نصلي في الأقصى فقط. ويريدون أن نظن بأن الأقصى بخير ما دامت قبابه بخير، وهذه قضية خطيرة؛ فالأقصى يُدنّس يومياً بقطعان المستوطنين اليهود، وهذه الشامة التي كانت ظاهرة في جبين العالم الإسلام تخبو الآن يوماً بعد يوم، وتُقطع عن الجسد الإسلامي. وبالتالي فإن هناك تشويهاً لهذا الجسد، وتشويهاً لهذا الوجه الإسلامي الرائع الذي كانت الشامة على جبينه، ودورنا كفلسطينيين وكمسلمين وكعرب هو أن نعيد الشامة إلى الجبين الإسلامي، وأن لا نكتفي بالسكوت عن ممارسات الاحتلال التي أصبحت كأنها واقع، وعلينا أن نُغيّره، وعلينا أن نعيد الروافد إلى المسجد الأقصى.
لماذا يمنعون أهلنا في الضفة الغربية من الصلاة بالمسجد الأقصى المبارك؟، وبأي قانون وبأي قاعدة يمنع مليون ونصف مليون غزي مسلم قدموا دمائهم من أجل الأقصى من زيارة الأقصى؟ لماذا يباح للبولنديين والأمريكيين والأثيوبيين وغيرهم من الأغراب بأن يأتوا من وراء المحيطات، فيما يُمنع أهلنا من غزة منذ أكثر من عشرين عاماً من زيارة المسجد الأقصى.
في اليوم الذي سكتنا فيه عن حصار غزة وسكتنا فيه عن منع سكان غزة من الصلاة في الأقصى، مُنع أهلنا في الضفة الغربية، بل أمسينا كمقدسيين نُمنع أيضاً، ولا ندري إلى أين ستصل الأمور..!
فعلينا أن نُغيّر وأن نعيد الشامة إلى موقعها ووضعها الطبيعي الجميل الرائع، هذه هي شامة الأوطان، شامة البلاد، يجب أن تعاد إلى مركزها ولا يجوز تشويهها والتقليل من شأنها، وعلينا أن نعيد لها المكانة الحقيقية.
إن السيادة الإسلامية على المسجد الأقصى باتت مغيبة بطريقة أو بأخرى، ولا زالت المحاولات اليوم مستمرة لفرض سيطرة الاحتلال الكاملة على المسجد. أين هو الوجود العربي الإسلامي في المدينة اليوم من هذه المحاولات؟
يجب أن يتنادى هؤلاء الذين يجتمعون ليل نهار في القمم العربية والإسلامية ويعوا أن الأقصى يجب أن يكون تحت السيادة العربية والإسلامية. وبالرغم من أن القوانين جعلت السيادة على المسجد الأقصى للحكومة الأردنية باتفاق مع سلطات الاحتلال نتيجة حرب عام 1967م (والذي كان يقضي بأن تبقى إدارة المسجد الأقصى تحت السيادة الأردنية)، إلا أن السيادة الأردنية أو العربية على المسجد الأقصى ليست بالوجه الكامل، فدائرة الأوقاف الإسلامية تعاني أي معاناة مع أنها دائرة تتبع وزارة الأوقاف الأردنية. وهي لا تستطيع أن تقوم بكل أعمال الصيانة والترميم ولا أن تُدخل ما تشاء وما تحتاج إلاّ بتصاريح من سلطات الاحتلال، وهو ما ينتقص كثيراً من السيادة بل ينفيها، فالمسجد الأقصى للأسف يخضع لسيادة "إسرائيلية" كاملة، بل وسيادة صهيونية تهويدية مُركّزة.
فالبالونات الشرطية التي توضع في كل لحظة، والسياج الذي وضع على محيط المسجد الأقصى، والكاميرات والحواجز الموضوعة على بوابات المسجد المبارك، وزيادة الحركة الشرطية داخل المسجد الأقصى، وإدخال السياح واليهود رغماً عن دائرة الأوقاف، كلها تشكل عناصر لفرض أمرٍ واقعٍ وجديدٍ لا عناصر تهويد فحسب.
وعمارة المساجد هي أصل من أصول الدين والعقيدة، وإبقاء المسجد الأقصى خَرِباً حتى يتعرض للدمار أمرٌ مرفوضٌ وخطير. فجدران المسجد الخارجية اليوم تتعرض للتلف والخراب، فضلاً عن التعديات اليهودية الكثيرة، بالإضافة إلى استخدام الحائط الجنوبي الخارجي للمسجد كمكانٍ لعرض الأفلام، واستخدام موقع القصور الأموية ودار الإمارة كمتنزه، فضلاً عن الحفريات التي تعرضت لها هذه الأسوار والاعتداءات والتشويهات عبر السنوات الماضية.
وهناك أمر خطير يجب أن لا نغفل عنه ويجب أن نثيره في كل لحظة وفي كل حين، ويتمثل بوقوفنا أمام واقعٍ جديد بلغت فيه الوقاحة بأن كثيراً من قادة المؤسسة "الإسرائيلية" ينادون لا بتقسيم المسجد الأقصى المبارك فقط، وإنما إلى إعادة بناء الهيكل المزعوم.
وأوجه حديثي هنا إلى الذين ينفون هذه المزاعم من قادة الاحتلال والجماعات اليهودية المتطرفة، سائلاً: ماذا تقولون في الشمعدان الذي أحضرتموه وهو موجود، وماذا تقولون في حجارة الهيكل التي أعددتموها لهذا الغرض ولهذه الغاية؟ وماذا تقولون في موضوع البقرة؟ وماذا تقولون في موضوع الألفية؟ وماذا تقولون في الحفريات التي أجريتموها بسلوان؟
وماذا تقولون في الهدايا التي تقدمونها للزعماء الغربيين والتي لا تقدمون فيها القدس على واقعها بل تقدّمون لهم القدس وقد أزلتم منها المسجد الأقصى ووضعتم مكانه الهيكل المزعوم؟ ألستم الآن ترتبون وتجهزون كافة التحضيرات من أجل الهيكل حتى الطرق؟ بل صادرتم أعلى بيت في جبل الزيتون لتحولوه أساساً للتلفريك الذي سيستخدم لتنقل اليهود بين تلك المنطقة والمسجد الأقصى المبارك؟
هذه هي الخطورة التي يجب أن نوضحها للعالم العربي والإسلامي؛ إن هناك محاولات أكيدة ومن خلال أساليب شيطانية متعددة، ليس لإزالة السيادة وإزالة الشامة وحسب، وإنما لإزالة الوجود العربي والإسلامي، وحينما يُزال هذا الوجود سنصبح نحن دون عنوان، ونصبح دون مكان، وعندها لا ينفع الندم ولا ينفع البكاء.
رغم كل ذلك، إلاّ أن القدس والمسجد الأقصى لم يجفا بعد من قلوب أهل القدس رغم الدماء ورغم الجراح ورغم كل المحاولات، وما زالت لدينا عروقٌ تنبض وجذورٌ تُغّّذي الوجود العربي الفلسطيني في المدينة، كما هو حال وجودنا يوم الجمعة رغم وجود الآلاف من أفراد الشرطة وجنود الاحتلال، ورغم كافة الحواجز إلا أننا نتمكن من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك، ونحرص على الوصول إليه.
كما أن المؤسسات موجودة، والمدارس تُلتزم بتدريس المنهاج الفلسطيني العربي. أما المواطنون، فرغم دفعهم ضرائب جنونية من قوت أبنائهم، فإنهم يحرصون على وجودهم في المدينة، ويكافحون ليل نهار، وتُهدم بيوتنا ونبنيها ثانية، بل ربما وصل الأمر بالبعض أن يقطع قوت عياله من أجل أن يبني له غرفة تحفظ وجوده بالمدينة.
إننا متجذرون في القدس، ولم تجفّ القدس بعد، وضمن تجذير الوجود بالقدس والمسجد الأقصى المبارك، نحرص على وجود المصلين، بالإضافة إلى تفعيل النشاط العلمي والدروس وتحفيظ القرآن من خلال دار الحديث ودار الفقه. و دائرة الأوقاف منتبهة إلى هذه المواضيع، فقد فتحت داراً للفقه وللحديث، ومكتبةً، ومراكزَ الأقصى لتحفيظ القرآن الكريم، وهي تشرف على كل هذا.
منذ عام 1982 وفكرة الاهتمام بالمخطوطات والسجلات تراود المسؤولين والمهتمين في دائرة الأوقاف الإسلامية، واليوم وبعد طول انتظار بدأ الحلم يغدو واقعاً، وبصفتكم مدير مركز المخطوطات في المسجد الأقصى المبارك، ما هي رؤية مركز ترميم المخطوطات وما هي أهم أهدافه؟
إنّ من لا تراث له لا تاريخ له، ومن لا تاريخ له ليس له وجود، و مركز الترميم الموجود بالمسجد الأقصى يعتبر من المراكز الوحيدة بالشرق الأوسط، وهو يضم العديد من الوحدات وأحدث الأجهزة والتقنيات المتطورة.
والمركز يهدف إلى ترميم ومعالجة كافة المخطوطات والوثائق والكتب النفيسة الموجودة في المسجد الأقصى المبارك، والتي تحتاج إلى ترميم علمي دقيق حسب أفضل المواصفات العلمية والعالمية، وصيانة وحفظ المخطوطات، وتوفير البيئة المناسبة لاستمرار بقائها ونقلها للأجيال القادمة باعتبارها تراثاً حضارياً ثقافياً إسلامياً عربياً يُفتَخَر به، بالإضافة إلى استكمال فهرسة تصنيف هذه المخطوطات وتوثيقها بتصويرها رقمياً وفوتوغرافياً من أجل استفادة الباحثين منها محلياً وعالمياً.
كما أن المركز يهدف كذلك إلى مد يد المساعدة والعون لأصحاب المجموعات الخاصة التي لديها مخطوطات خاصة بها، والتعاون مع المؤسسات البحثية العربية والإسلامية التي تختص بحفظ وصيانة المخطوطات.
ولكن عملنا داخل المسجد الأقصى يتعرض إلى الكثير من المضايقات من قبل سلطات الاحتلال، إذْ ليس من السهل أن تدخل خزانة أو مادة، ولكننا نتغلب على هذه المعوقات بالصبر والمتابعة.
ومن الجدير بالذكر أن ما تم إنجازه بدعمٍ كاملٍ من دائرة الأوقاف، إلى جانب مركز ترميم المخطوطات، هو تبنّي كل جزء من المسجد الأقصى بأن يكون حياً، ومن ضمن ذلك إعمار المدرسة الأشرفية.
مع استمرار حصار قطاع غزة الذي صمد ثلاثة وعشرين يوماً في وجه أعتى آلة حرب في المنطقة، ما الرابط بين ما تتعرض له القدس من تهويد وغزة من حصار؟
إن من حاصر غزة، ومنع الطعام والشراب، هو نفسه الذي حاصر ويحاصر القدس والأقصى، فنحن في حصار منذ أربعين عاماً، والأقصى محاصر ويُمنع عنه أهله، ويُمنع عنه الترميم والحرية. وكما منع عن غزة الطعام والشراب يمنع المصلون عن المسجد الأقصى، فالحصار هو نفس الحصار، وهذه صفة مشتركة ما بين غزة والقدس.
وهناك صفة أخرى مهمة جداً، وهي أنه إذا كان الضرب والتقتيل والهدم في غزة، فعلينا أن ندرك أن هذه المؤسسة الصهيونية اليوم وبعد 41 عاماً تواصل عمليات هدمها في القدس منذ اليوم الأول للاحتلال؛ وهدمت أكبر حارة مجاورة للمسجد الأقصى بمساجدها ومدارسها وآثارها، فـالهدم في الأقصى والهدم في القدس من نفس المؤسسة، وما حارة المغاربة عنا ببعيدة.
وما أسباب عمليات الهدم والقتل والتدمير في غزة؟
سبب ذلك أن المواطنين هناك يقولون إننا نريد القدس عاصمة لنا، ولم يوقعوا أو يستسلموا، فما جرى في غزة كان عنوانه القدس وعنوان المعركة والصراع كان القدس، فيما الاحتلال يريد شطب القدس من العقلية الفلسطينية، والعقلية الفلسطينية تؤكد على وجود الهوية وعلى وجود القدس في المعركة، وبالتالي قدمت الضحايا وقدمت الدماء لكي يتوضأ هؤلاء الأطفال والكبار والصغار بدمائهم ليتمموا الصلاة من خلفهم بالمسجد الأقصى، فمن كان وضوؤه الدّم لن تمنعه السُّبل من الوصول إلى المسجد الأقصى.
ومن كان عنوانه: "لا أريد في غزة بيتاَ وأريد خيمة في الأقصى" لن تمنعه قوة من الوصول إلى مبتغاه، وإن العائلات التي صمدت بكاملها، بكل ما فيها: الكبير والرجل مع المرأة مع أولادهم هم نفس العائلات التي رحلت مع أولادها وشدت الرحال من قبل إلى المسجد الأقصى. وبالتالي فإننا في معركة واضحة جداً، معركة وجود وليست معركة حدود لأهل غزة، والمرتزقة الصهاينة يريدون أن يلهونا بهذه المحارق وأن يحرقوا هذا الوجود من أجل أن ينفردوا بالأقصى ومن أجل أن يزيلوا الأقصى.
اليوم أزالوا المخيمات، وإن سكت العالم اليوم عن إزالة الوجود والبيوت وقتل الناس فسيسكت غداً عن هدم المسجد الأقصى، وحينها كم ستكون الضحايا من نفس نوع المحرقة ومن نفس المشهد.
وأنا أدعو الشعوب العربية والإسلامية إلى أن تتعظ من الحرب على غزة، وأن تفهم أن الحرب على غزة هي حرب على عزة الإسلام وعلى المسجد الأقصى وعلى وجودنا.
وأريد أن ألفت نظر الشعوب العربية والإسلامية إلى أمرٍ خطير تدربنا عليه العقلية الصهيونية، وهو أن ما حصل كان مقدمةً ولساناً بسيطاً للعالم الإسلامي، وهم يدربون العقلية الإسلامية والعربية على قبول هذه المجازر بهذا البشاعة من أجل أن يقترفوا المحرقة القادمة في القدس.
وكما دربونا على قبول الشهيد الواحد صرنا نرى الشهيد لا شيء، ثم دربونا على العشرات ثم دربونا على هدم بيت، والآن يدربوننا على الشكل الجماعي، فهذا تدريب على احتوائنا، ولا نقول إلا: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
ما الدور الذي لعبته المقاومة أثناء عدوان غزة في تعبيد الطريق إلى القدس لهذه الأمة؟
نعم إن المقاومة التي وجدت بغزة أوقفت الكثير من المخططات التي أراد أن يستعجلها الاحتلال، وقالت لهم المقاومة: قفوا مكانكم هناك خطٌ أحمر، أمضيتم في غزة نحو ثلاثة أسابيع ولم تتمكنوا من إنهاء المعركة فماذا لو اقتحمتم الأقصى؟ حينها لن تتوقف المعركة ولن تنتهي.. وبالتالي أعادوا مخططاتهم الخبيثة في أدراجها.
والمعركة التي جرت في غزة أظهرت مدى الحقد والكراهية التي يكنها لنا الصهاينة. وما هدم 27 مسجد إلا رسالة بأنهم يريدون أن يقصفوا غداً المسجد الأقصى، كما أنها كانت بمثابة خطاب للعالم الإسلامي يقول: كفاكم نوماً وتضييعاً للوقت بمفاوضات عبثية، جربوا مرة واحدة أن ترفعوا مآذن الأقصى كما رُفع القرآن في غزة، ارفعوا القرآن في المعركة، حافظوا على قدسكم، هذه أمانة فلا تفرطوا بها فإنكم غدا ستحرمونها.
من موقعكم في القدس ما هي رسالتكم إلى الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع؟
إن الأمر يستدعي وقفة مراجعة لكل ما جرى على الساحة الفلسطينية، و اعتقد أن الساحة الفلسطينية اليوم مهيأة لتعبئة الشعوب وخاصة الشعب الفلسطيني من كبيره إلى صغيره ليلتف حول حكومةٍ وطنيةٍ برنامجُها المقاومة، وأي شيء غير ذلك سيفشل. ومن هنا – من القدس – أدعو إلى تبني المقاومة في كل حياتنا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فنحن شعب ما زال تحت الاحتلال ولا ينفع مع الاحتلال إلا المقاومة، وغير هذه اللغة لغة باهتة لا مكان لها في التاريخ ولن يسمعها منك المحتل. فكيف تُقبّل من يقتل ابنك، وتسكت على من يقتل أخاك ويهدم بيت أسرة فلسطينية؟
على المحتل أن يفهم أن الشعب الفلسطيني اليوم عاد إلى منطق المقاومة، وسيبقى مقاوماً كما كان عبر التاريخ حتى يأخذ حقوقه، وهذا هو الطريق الوحيد ولا طريق غيره، وهذا ما عرّفنا إياه التاريخ وعرّفتنا إياه الشعوب.