أمل كبير، وتحدٍ كبير
تنادت نخبة من المثقفين الفلسطينيين والعرب والمسلمين " أدباء وباحثين وفنانين ومؤرخين" تجشموا عناء السفر من أصقاع وأمصار مختلفة، حريصين على الاجتماع في مدينة دمشق للمشاركة في إشهار وإطلاق فعاليات الحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009..
ولأنها القدس، مدينة المحبة والسلام، الجامعة المانعة، درّة عواصم العالم، والأرض الطاهرة التي احتضنت خطوات الأنبياء، فكانت منارة أشرقت بنور الحق لتمسح ظلامات البؤس والألم عن جباه المظلومين..
ولأنها القدس بوّابة الأرض إلى السماء، وأرض المحبّة، ومصباح الحقيقة، كانت على مرّ العصور مطمعاً للغزاة، فحملت قدرها بشموخ، وكانت تنفض عن كاهلها في كل مرّة خفافيش الظلام، وتستعيد عباءتها الموشاة بضياء لم تعرف البشرية أصبحَ منه، ولا أبهى منه، ولا أشرف منه.
ولأنها القدس وهي تعاني الآن من هجمة ليس لها مثيل على مدى التاريخ لطمس هويتها ونورانيتها وتاريخها وثقافتها وأصالتها، وهي تعاني غرائبية المآسي والعالم يسكن شبهات الصمت، فرض الواجب أن ينهض المثقف الفلسطيني والعربي والمسلم من غفوة التغييب ليشهر ثقافته الأصيلة، ويكرّس الفعل الواجب متجاوزاً المربعات الرمادية، وعائداً إلى موقعه الطبيعي والطليعي قائداً لمسيرة نضال هي الأصدق والأوضح بياناً في مضارب الألوان، ليعلن بصوته وقلمه وجهده وفنّه وريشته مواجهة المشروع المضاد، ودحض تخاريف المرجفين، وكشف الزيف العتيق والجديد الذي أعمى أو كاد عيون العالم عن رؤية الحقيقة.
ولأنها القدس، فرض الحال والمنطق والتوجّه أن تنطلق فعاليات إشهار الحملة الأهلية للاحتفالية بها عاصمة للثقافة العربية 2009 من دمشق.!
ولم يأت ذلك من فراغ، بل هو عين التعريف الأصيل الطبيعي أولاً، والدال ثانياً.
فدمشق عاصمة الثقافة العربية للعام 2008، ومن الطبيعي أن تكون مكان وموقع الاستلام والتسليم.
ودمشق بيت القمة العربية للعام 2008 أيضاً وهذه دلالة واضحة على أن دمشق وهي تحتضن مناسبة إشهار الحملة، فهي تتنكب شرف الإعلان العملي دون ضجيج عن أمنيات الشعوب العربية، ومكانة القدس في ضمير الناس.
ودمشق كانت على مرّ العصور قلب العروبة، وحاملة لواء الحقيقة، والمكان المثالي لسموّ التعايش الفاضل بين جميع المنتمين إلى هذه المنطقة بغض النظر عن مشاربهم الدينية والثقافية والمذهبية.
ودمشق زفّت برجالها وأهازيجها خيول صلاح الدين يوم زحفت لتمسح عن القدس التي تختصر بمكانتها وقيمتها كل بلاد الشام غائلة هجمة الفرنجة.
ودمشق قلعة الصمود الباقية الحاضنة لإرادة وثقافة المقاومة، وهي بذلك تعبّر بجلاء عن إجماع وتصميم على نهج المقاومة سبيلاً للتحرير.
فماذا بعد إطلاق وإشهار الحملة.؟
وهل نستطيع أن نواصل عنفوان الإطلاق بالعمل المجدي والمثمر والمأمول أن يؤتي أكله.؟
إن الحملة موشومة بخصوصية فريدة، فالاحتفالية تخص القدس، والقدس أسيرة الاحتلال، والقدرة على تفعيل نشاطات متنوعة في القدس في ظل الاحتلال وسطوته وهمجيته تبدو محدودة الفرص، إن لم نقل ممنوعة من البيان، وهذه خصوصية ليس لها شبيه في أي مناسبة مماثلة، فكيف السبيل إلى إلباس القدس الثوب الموشى بالنور والنجاح في مسيرة الحملة.؟
هنا يكمن السؤال الصعب.!
هل نحمل القدس على أجنحة الكلمات والأوتار والريشات لنسكبها في ضمائر الغافلين في عواصم العرب والمسلمين.؟
وهل نستطيع أن نحقق كل الأمنيات التي شكلناها مشاريع نشاطات للعام 2009.؟
لا شك في أننا جميعا أمام تحد كبير يفرض علينا بداية أن نتخلّص من الأنا المتعبة أولاً، وأن نرصّ صفنا الداخلي الوطني، وأن نعيد ترتيب بيتنا كي نكون قبضة واحدة قادرة على مواجهة المشروع المضاد المرعب في كل المقاييس الوطنية والقومية والإنسانية، وأن نمدّ الجسور بين شرفاء هذه الأمة وشرفاء العالم على المستوى الثقافي على وجه التحديد، وأن نجد الوسائل العملية "الماديّة والمعنوية والتعبوية" التي تؤصّل جدوى الجهد المأمول.
لقد اشتغل المؤسسون على إطلاق الحملة "مؤسسة القدس الدولية، ومؤسسة فلسطين للثقافة، وقناة القدس الفضائية، ومركز الزيتونة للدراسات" ومنذ وقت سابق على دراسة ووضع وبرمجة مشاريع خطط العمل بوتيرة تنظيمية مشكورة وضعت الأساس لإطلاق ومن ثم تفعيل نشاطات إدارة الحملة، لتكون منظّمة وصارخة ومتوازنة مع بداية العام 2009، ومدّت جسور المحبة بينها وبين الجميع بكل أطيافهم وألوانهم السياسية والاجتماعية والجغرافية بتصميم وفهم على أن القدس وهي تختصر في مكانتها ورمزيتها فلسطين كلها، وبلاد الشام وعالم العرب والمسلمين، وإلى أبعد من ذلك تعلن توّامة مخلصة مع الشرفاء في هذا العالم هي الممثّل الرسمي والشعبي لآمال شعوب المنطقة وتطلعهم للحرية والتحرر، وهي المدينة التي صدّرت للعالم قيم المحبة والسلام.
وهذا لا يعني أبداً احتكار جهات أو مؤسسات بعينها للمناسبة، بل هي دعوة إلى مشاركة الجميع وكل جهد وكل موقع وكل فرد فالقدس ليس ملكاً ولا حكراً على أحد بل هي وجهنا وقيمتنا وشرفنا جميعاً.
إنه طموح كبير، وتحد أكبر، وعلينا أن نكون جميعاً بالجهد المخلص القليل والكثير على مستوى الطموح والتحدي، وعندما أقول جميعاً فأنا أعني كل الأطياف السياسية والثقافية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية الخاصة والعامّة، المرأة والرجل والفتى والطفل، الكبير والصغير، العامل والفلاح، المقيم والمغترب، الداخل والخارج، وفي كل مكان يحمل الهموم الإنسانية، وأن نخرج من حالة الصمت المتهم بالشبهات على كل المستويات، وأن نبذل من أجل إنجاح هذه الحملة بسخاء جهودنا الماديةّ والمعنوية والتعبوية، فالقدس رمز كبير ما زال يدلّ علينا كأمّة نستحق الحياة.
تحية إلى القدس، وأبوابها تفتح على كل العواصم العربية، وتنتظر من الجميع تفاعلاً فاعلاً كي نستحق شرف الانتماء إليها مكاناً وقيمة وأصالة.
وتحية إلى دمشق والساكنين في ترابها من الأصل الطيب.
وأمل سيبقى يضيء أمامنا دروب النضال والصمود لنصرة القدس عاصمة العرب والمسلمين.