الأسير المقدسيّ إبراهيم عبد الرازق أحمد مشعل
وحشية عدو
المكان: القدس. التاريخ: 28/3/1990. الوقت: الساعة الثانية ليلاً. الحدث: اعتقال المواطن إبراهيم مشعل مواليد 9/8/1964.
المشهد: قوات الاحتلال تفجّر بالديناميت منزل المواطن إبراهيم محوّلةً إيّاه إلى ركامٍ من الحجارة وسط حالةٍ من الهلع والذعر، وتعتقله بتهمة انتمائه لتنظيمٍ عسكري وحيازة أسلحة وتصنيع متفجرات، وقتل عميلٍ وجرح جنود.
للوهلة الأولى تبدو هذه الكلمات وكأنّها تعبّر عن مشاهد لفيلمٍ بوليسيّ، ولكنّها في الواقع ذكريات صعبة ومؤلمة تصفها زوجة الأسير إبراهيم مشعل، التي كانت تحلم بسحورٍ هانىء مع زوجها في أول ليلةٍ من ليالي رمضان ولكنّها أصيبت بصدمةٍ بعد أنْ استيقظت ووجدت أن بيتها قد دُمّر واعتُقِل زوجها وقُدّر لأسرتها التشرد.
تقول زوجة الأسير: "اعتُقِل زوجي أول يوم في رمضان، كما تمّ اعتقال شقيقه محمود في الليلة نفسها، واعتُقِل شقيقه الأكبر محمد بعد ثلاثة أيام من اعتقال إبراهيم، وبقِيَ زوجي يتعرّض للتعذيب طوال مدة التحقيق التي استمرّت ستة أشهر وتسعة أيام، وخلال فترة التحقيق قاموا بالضغط عليه نفسيًا وتهديده باعتقالي وقالوا له إنّي معتقلة عندهم، وفي أحد المرات أحضروا إبراهيم للمنزل وقالوا لي أمامه سلّمي السلاح الموجود لديكم، حينها فقدت أعصابي وأخذت بالصراخ!".
صمود بطل
تعرّض الأسير إبراهيم خلال التحقيق لشتى أساليب التعذيب، النفسي منها والجسدي، ولكنّه لم يعترفْ، ولكن زوج اخته وأمام شدة التعذيب اعترف وبناءً عليه وجّهت لإبراهيم عدة تهم وحُكِم عليه بالمؤبد.
ونُقِل إبراهيم إثر الحُكْم عليه من سجن عسقلان إلى سجن بئر السبع حيث قاموا بمصادرة أغراضه، وبقِيَ في العزل لمدة ثمانية شهور دون أنْ يُعرَفَ مكان اعتقاله، كذلك تعرّض للتفتيش المهين والتعرّي والرش بالغاز والضرب، بالإضافة إلى تناول طعامٍ فيه بقايا حشرات وفئران.
وتنقّل الأسير إبراهيم خلال فترة اعتقاله الطويلة بين سجون مختلفة هي المسكوبية، الرملة، عسقلان، السبع، نفحة، "هدريم"، شطة، "أوهلي كيدار"، وحاليًا فهو معتقل في عزل "إيشل" في سجن بئر السبع، وشارك الأسير إبراهيم إخوانه الأسرى نضالهم ضدّ مصلحة السجون من أجل انتزاع حقوقهم وتحسين ظروفهم ومن تلك الأشكال النضالية الإضرابات عن الطعام حيث شارك الأسير في جميعها وأبرزها أعوام 1991، 1992، 1995، 1998، 2000، و2004.
وعلى الرغم من رحلة العذاب التي يعيشها الأسير إبراهيم إلا أنّه لا يزال شامخًا بعنفوانٍ يعطي الأمل والمعنويات لعائلته المعنويات ولأصدقائه الأسرى ويردّد مقولته المشهورة التي يسطّرها دائمًا على أشغاله اليدوية: "إنّ الذين يدخلون السجن بسبب مبادئهم أكثر حريةً من الذين يحسّون بعبوديتهم ويسكتون عليها خوفًا من السجن ويعتقدون بأنّهم أحرار وهم في واقع الأمر أكثر عبودية من الذين داخل السجن...".
صمود أسرة
أمّا بالنسبة للصعوبات والمضايقات التي تعرّضت لها الزوجة وأولادها، تقول زوجة الأسير "أقلّ ما يُقال: الكثير من الضغوط النفسية الشديدة الصعوبات المالية ومسؤولية ثلاثة أولاد، لكنّها مصحوبة بكثير من الرضى والقناعة والشكر، لقد خلقت منّي إنسانة جديدة قادرة على التحمل والتحدي".
وعن المعاناة التي تتكبّدها العائلة أثناء زيارة الأسير، تقول ابنته فداء: "عندي أشواق لوالدي لا توصَف، فقد تسبّب لي الزجاج الذي يصلني عن والدي بعقدة نفسية، لأنّي أضع يدي على الزجاج مقابل يد والدي فلا ألمس سوى الزجاج، فكم أتمنّى أنْ أمسك يده وأقبّلها".
أمّا زوجته فتقول: "يكفي شعورك بالامتهان والتحقير والتقزيم إلى درجة تمسّ أصغر درجة من كرامة الإنسان، بالإضافة إلى تعب الزيارة وتحمّل الحر في الصيف والبرد في الشتاء "، مشيرةً إلى أنّ إدارة السجون حرمت ابنها سامر من زيارة زوجها لمدة شهرين، قبل ثلاث سنوات لأنّها ألقت الهوية الشخصية في وجه الجنديّ وأخذ يصرخ بها ودفعها نحو درجات السجن التي يبلغ عددها نحو 120 درجة، وعقابًا لها منع ابنها من الزيارة لأنّه تدخّل للدفاع عن والدته.
وأضافت: "هذا عدا عن التفتيش السيّء الذي يتعرّض له أهالي الأسرى، كما ترفض الإدارة إدخال الأغطية الصوفية للأسرى، فمنذ ثلاث سنوات والإدارة تمنع إدخال الملابس لإبراهيم، ووالدة إبراهيم منعت من زيارته لمدة عام بدعوى أنّ الإدارة وجدت رسالةً معها وتلفوناً مع سامر، وتعرّضا للتحقيق وتمّ منعهما من الزيارة لمدة شهرين".
تقول والدة الأسير أم أحمد (80 عامًا): "زيارة إبراهيم عندي تساوي الدنيا، ولما يسمحوا لي بزيارته سأذهب ولو زحفًا على فمي".
بهذه الكلمات تصف الحاجة أم أحمد معاناة الزيارة، ثم تجهش بالبكاء محتضنةً صورة إبراهيم، ثم تقبّلها بحرارة وتدعو له ولكافة الأسرى، متمنّيةً أنْ تتمكّن من معانقاة ابنها ولو لمرة واحدة قبل أن تموت.