كقدسٍ فيها مصباح..
الخميس 11 تشرين الأول 2018 - 8:41 ص 5989 0 تدوينات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةفي 2016/10/9، نفّذ أسد الأقصى مصباح أبو صبيح عملية فدائيّة في حي الشيخ جراح، خاصرة المسجد الشمالية المستهدفة بالتهويد. العملية التي أدّت إلى مقتل عنصر من "اليسام"، ومستوطنة، كانت على بعد أمتار من مقر القيادة القطرية لشرطة الاحتلال في تلة الذّخيرة، وفي وقت عزّزت فيه سلطات الاحتلال الوجود العسكري والتأهب الأمني في القدس المحتلة بالتزامن مع الأعياد اليهوديّة وقد مضى على اندلاع انتفاضة القدس ما يقارب عامًا.
كانت العملية التي نفذها مصباح عملية فارقة في مكان تنفيذها وتوقيتها. فقد كانت في عقر دار المقر العسكري، أي في منطقة أمنية؛ وفي حيّ الشيخ جراح الشاهد على مشاريع التهويد في الأقصى والمستهدف بذاته بالاستيطان والهدم والتهجير، وفي وقت تخطّت فيه الإجراءات الأمنية للاحتلال حدودها المعهودة ليس لتأمين الأعياد اليهودية وحسب، بل للقضاء على انتفاضة الأقصى التي اندلعت في تشرين أول/أكتوبر 2015، ومنع المزيد من العمليات التي ضربت أمن المستوطنين. توقيت تنفيذ العملية كان لافتًا أيضًا إذ كان على مصباح أن يسلّم نفسه لسلطات الاحتلال يوم العملية لتنفيذ حكم بالسجن الفعلي أربعة أشهر بتهمة الرباط في الأقصى.
كان لأسد الأقصى حضور كبير في الأقصى، ولعل هذا ما يفسّر ملاحقة الاحتلال له بالاعتقال والتوقيف والإبعاد، تارة عن القدس وطورًا عن الأقصى. وكتب عند إبعاده عن المسجد "كم أشتاق لعشقي لحبي كم أشتاق، وكنت أتمنى لو كنت آخر ما أراه وأقبله وأسجد على ثراه، أقبل ترابك وأصلي فيك، ولكن هو الظلم، وهم الظالمون، لن أشتاق لأحد كاشتياقي إليك، لن أحب أحدًا كحبي إياك، رغم سجونهم حقدهم جبروتهم طغيانهم حبي لك يزداد، قالوا 4 أشهر سجن لحبي إياك، قلت والله قليل فعمري وحياتي وكل مالي فداك، إن لم أستطع الوصول إليك بجسدي فروحي وقلبي وعيوني ما فارقتك، وما تركتك، وما نسيتك، الحب الأكبر والعشق الأبدي حتى الممات".
ما دفع مصباح إلى تنفيذ العملية هو الاحتلال الجاثم على قلب القدس والأقصى، المسرف في اعتداءاته وفي تدنيس المسجد، والساعي إلى إحكام السيطرة عليه لأنّ "من يسيطر على الأقصى يسيطر على القدس"، وفق تصريحات صادرة عن شخصيّات سياسية إسرائيلية. وكانت العمليّة التي نفّذها صرخته ضد هذه الاعتداءات، وتتويجًا لمسيرة نضاله ودفاعه عن الأقصى، وقمّة رباطه ذودًا عن المسجد.
آخر وصايا مصباح المرابط كانت "الأقصى أمانة في أعناقكم فلا تتركوه وحيدًا"... وهذه وصيّة إلى كلّ مدافع عن الحقّ ليكون مرابطًا على خطّ الأقصى أينما كان.. أهل القدس والداخل المحتلّ بالرباط في المسجد والصلاة فيه، وأهل الضّفة بالصّلاة عند أقرب نقطة يصلون إليها.. وأهل غزّة باستحضار الأقصى في كلّ فعاليات النضال.. وفلسطينيو الخارج وكلّ أحرار العالم بالكلمة والموقف والدعم المالي.. كلّ منّا يمكن أن يكون مرابطًا داعمًا للأقصى في وجه الهجمة التي يتعرّض لها من الاحتلال ومستوطنيه.
استشهد مصباح فبات مرابطًا برتبة شهيد، وكانت شهادته مصداقًا لهتاف "بالروح بالدم نفديك يا أقصى"، وهو المنشور الذي اعتقله الاحتلال بسببه على خلفية التحريض عبر فيسبوك. فما يمنع اليوم من يهتف للأقصى من أن يكون مرابطًا وفقًا لما يسمح له مكان وجوده، وقدرته؟ ما يمنع كلّاً منًا من أن يدافع عن الأقصى ويكون مصباحًا آخر على طريق تحريره؟