الرفض الكاذب والموقف المطلوب
الخميس 16 أيار 2019 - 12:25 م 2980 0 مقالات |
د.خلف المفتاح
مدير عام مؤسسة القدس الدولية/ فرع سورية
منذ فترة ليست بالقصيرة، ومنذ تسريب مصطلح ما يسمَّى "صفقة القرن"، يبدي العديد من الحكام والمسؤولين العرب خوفاً وخشية من تلك "الصفقة" التي هي في جوهرها مؤامرة كبيرة على الأمة، تصبُّ في سياق استراتيجية شاملة؛ لتطويع دول المنطقة، والاستيلاء على ثرواتها وسلب إرادتها السياسية، ومصادرة قرارها الوطني السيادي، ولعلّ مجمل ما يصدر من تصريحات برفض تلك "الصفقة" من البعض، لا يؤيده مجمل السلوك الذي يقتصر على الإدانة والشجب دون الارتقاء إلى مستوى الموقف العملي القادر على المواجهة، وهو ما يحتاج إلى اجتماع وتكتل عربي وإقليمي واسع الطيف، تصدر عنه مواقف وإجراءات عملية فاعلة، تحول دون تمرير تلك الصفقة، على أن يترافق ذلك كله مع دعم واسع للمقاومة الفلسطينية والموقف الشعبي الفلسطيني الرائع، والذي جرى التعبير عنه ببعديه القتالي في غزة، والمجتمعي في القدس والضفة الغربية، وعلى التوازي تحريك الشارعين العربي والإسلامي لمواجهة ذلك، لجهة أنَّ "صفقة القرن" تعني بالنتيجة ابتلاع الأراضي الفلسطينية، وفي قلبها مدينة القدس؛ العاصمة السياسية والروحية لمئات الملايين من المؤمنين من الديانات كلها.
إنَّ غياب أيّ تحالف أو تكتلٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ لمواجهة تلك التحديات، إضافة إلى ابتعاد أغلب الشعوب العربية عن مراكز القرار السياسي بحكم الاستبداد السياسي ومصادرة الحريات، ومنع أشكال الاحتجاج الشعبي، ذلك كلُّه يضعف مستوى التأثير الشعبي على مصدر القرار السياسي المستلب أساساً من قوى خارجية، أنتجت وسلطت حكاماً تابعين ومعبرين عن مصالح تلك القوى أكثر من تعبيرهم عن مصالح شعوبهم وآمالها وطموحاتها السياسية أو التنموية وصولاً لحالة الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي، ما يعني أنَّ مواقف كثير من الحكام العرب من مجمل ما تشهده الساحة العربية من أحداث مأساوية لا تعبر عن رأي الجماهير، ما يشكل انطباعاً خاطئاً عند قطاعات واسعة من الرأي العام العربي بأنَّ ثمّة تطابقاً وتماهٍ ما بين الموقفين الشعبي والرسمي، الأمر الذي أفسح المجال، ووفّر فرصة لبعض الأقلام المشبوهة والحاقدة بالهجوم على العروبة والانتماء القومي والتشكيك بوجودهما أساساً، من خلال قراءة تلك المواقف على أنَّها تعبّر عن إرادة شعبية لا إرادة حكام مستلبي الإرادة الوطنية والسياسية.
إنَّ الحديث عن "صفقة القرن" ومخاطرها وتعويمها إعلامياً، واقتصار ردود الفعل على الجانب الانفعالي والتنديدي، والإشارة إلى أنَّها قرار أمريكيٌّ -رافعة وتبنٍّ وهدف-، والتباكي على الوضعية العربيّة، وضعف الخيارات في مواجهتها، هو أمر غاية في الخطورة، يرتقي إلى درجة التواطؤ مع الصفقة المشبوهة والتمهيد السياسي والنفسي لها، عبر الآلة الإعلامية المسوّقة لها؛ فحقيقة الأمر أنَّ ثمّة إمكانية حقيقية لمواجهتها وإفشالها وإسقاطها من خلال الاستثمار في عناصر القوة الفلسطينية والعربية والإسلامية والرديف الدولي الواسع المؤيد للقضية الفلسطينية؛ بوصفها قضية شعب احتُلت أرضه بالقوة، وثمّة قرارات دولية تؤكد حقَّه في إقامة دولته المستقلة، إضافة إلى أنَّ الانتصارات التي حقّقتها سورية وما شهدته غزّة من بطولات وإرادة قتال، وخطاب المقاومة اللبنانية الواثق من النصر.. ذلك كلُّه يؤكّد إمكانية مواجهة تلك "الصفقة" -المؤامرة-، وإفشالها وتعرية أدواتها والقوى المتواطئة على قضايا العرب المصيرية، وعزلها شعبيّاً وسياسيّاً، وتحريض الشارع العربي وقواه الحيّة الذي بدأ يستعيد الأمل بالنّصر على أعدائه، سواء أكانوا حكاماً مأجورين مستلبي الإرادة، أم قوى هيمنة عالمية من خلال خياري المقاومة والإرادة الحرّة الواثقة بالنصر، والمسلحة بالإيمان والثقة بالشعب وحركة التاريخ.
نشرت في صحيفة الثورة السورية 13/5/2019م