القدس بين مجازر تراخيص البناء، والهدم، والاستيطان!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 24 أيلول 2019 - 10:48 ص    عدد الزيارات 3361    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

 

لا توفر سلطات الاحتلال أيّ جهد لتقليص الوجود الفلسطيني في القدس المحتلة مقابل تعزيز الوجود الاستيطاني فيها؛ وبعد التطهير العرقي الذي مارسته عصاباتها في غرب القدس قبل إعلان قيام الدولة في أيار/مايو 1948 عبر هدم القرى المقدسية وطرد أهلها أو قتلهم، تعمل اليوم على إفراغ الشطر الشرقي من المدينة المحتلّة من الفلسطينيين لتحقّق وجودًا يهوديًا طاغيًا يتناسب مع مزاعمها حول القدس كـ "عاصمة للشعب اليهودي". وتعتمد لذلك مجموعة من الوسائل التي تسعى عبرها إلى تخفيض عدد المقدسييين، الذين يشكلون اليوم 38% من السكان في القدس بشطريها، إلى أدنى حدّ ممكن.

 

ومن هذه الأساليب ما يتعلّق بقطاع الإسكان حيث تلجأ السلطات الإسرائيلية إلى سياسة صارمة بخصوص رخص البناء الممنوحة للفلسطينيين، إن من حيث الإجراءات التي ينبغي اتّباعها للحصول على رخصة، والكلفة المرتفعة للبناء، والامتناع عن وضع المخططات الهيكلية للأحياء الفلسطينية، وغياب هذه المخططات من أهمّ ما تتذرّع به سلطات الاحتلال لحجب تراخيص البناء. ونتيجة للإجراءات التعجيزية التي يفرضها الاحتلال يضطر المقدسيّون إلى البناء من دون ترخيص، ليقعوا بعد ذلك فريسة "حرص" الاحتلال على "تطبيق القانون" الذي يقضي بهدم المنازل غير المرخّصة!

 

وفي مقابل ذلك، تعمل سلطات الاحتلال عل تعزيز الوجود اليهودي في الشطر الشرقي من المدينة عبر سياسة الاستيطان فتسهّل سيطرة المستوطنين على منازل الفلسطينين، لا سيما في البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى، وتصادق على بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية عامًا بعد عام، في ظلّ تشجيع أمريكي، وصمت أوروبي، وبعض تآمر عربي.

 

وأظهرت معطيات جديدة حصلت عليها منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية، من بلدية الاحتلال في القدس، بعد معركة دامت عامين، أنّ المقدسيين لم يحصلوا على أكثر من 30% من تراخيص البناء التي أعطتها بلدية الاحتلال في شرق القدس ما بين عامي 1991 و2018، و16,5% من الرخص الممنوحة في شطري المدينة في المدّة ذاتها. ووفق المعطيات، فإنّ عدد الرخص الممنوحة للمقدسيين في هذه المدّة بلغت 9,536 مقابل 21,834 للبناء الاستيطاني في الشطر الشرقي من المدينة، و26,367 رخصة في الشطر الغربي منها. وتشير الأرقام المنشورة على الموقع الإلكتروني للمنظمة أنّ البلدية صادقت على 1861 وحدة استيطانية في الشطر الشرقي من القدس المحتلّة في السنتين الأوليين من ولاية ترامب، بما يشكل زيادة بنسبة 60% مقارنة بالوحدات المصادق عليها عامي 2015 و2016، والبالغ عددها 1162. وفي المقابل، بلغ عدد تراخيص البناء الممنوحة للفلسطنيين في شرق القدس 1233 ترخيصًا عامي 2017 و2018.

 

وتقدر "السلام الآن" عدد المنازل الفلسطينية في شرق القدس المبنية من دون ترخيص بحوالي 20 ألفًا من أصل ما مجموعه 40 ألف وحدة. ومن الأسباب التي تدفع الفلسطينيين إلى البناء من دون ترخيص الإجراءات البيروقراطية التي فرضها الاحتلال عليهم للحصول على الترخيص، وهي إجراءات تأخذ بين خمسة وثمانية أعوام قد تنتهي برفض الطلبات المقدّمة، تحت جملة من الذرائع منها غياب المخطّطات الهيكلية. أمّا كلفة الترخيص فيمكن أن تصل إلى 50 ألف دولار، وهذه الكلفة المرتفعة من الأسباب التي تجبر المقدسيين على البناء غير المرخّص.

 

مع الإجراءات الإسرائيلية المتشدّدة في منح تراخيص البناء للمقدسيين، تعزّز سلطات الاحتلال سياساتها ضدّ الوجود الفلسطيني في القدس عبر هدم منازلهم، بذرائع مختلفة، في مقدّمتها البناء من دون ترخيص. ووفق أرقام جمعية "بتسيلم" الإسرائيلية، هدم الاحتلال في الأشهر السبعة الأولى من عام 2019، أكثر من 112 وحدة سكينة، وهذا الرقم يفوق عدد المنازل التي هدمها الاحتلال في شرق القدس سنوًيًا منذ عام 2004، وفق الأرقام المتوافرة على الموقع الإلكتروني للجمعية. وقال المرصد الأوروبي لحقوق الإنسان ومنظمة GWEIH، في 2019/9/23، في بيان مشترك أمام مجلس حقوق الإنسان في الدورة العادية الثانية والأريعين، إنّ تصاعد عمليات الهدم في القدس أمر مرعب.

 

وعلى الرغم من أنّ الهدم والبناء الاستيطاني لم يتوقّفا في ظلّ الإدارات الأمريكية السابقة، فإنّه من الممكن القول إنّ سلطات الاحتلال استفادت من الدعم الأمريكي الأعمى في عهد ترامب للتمادي في هذه السياسة، لا سيّما أنّ المسؤولين الأمريكيين المعنيين مباشرة بعلاقة الولايات المتحدة مع دولة الاحتلال يدعمون الرواية الإسرائيلية من دون أيّ تحفّظ. ويضاف إلى الانحياز الأمريكي إلى "إسرائيل" الموقفُ العربي المتهالك على أعتاب طلب الرضا الأمريكي والمساهمة في تنفيذ السّياسات الأمريكية في المنطقة، والانجرار وراء التطبيع مع الاحتلال، بما أعطى الإسرائيليين هامشًا أكبر للمضيّ في سياسة تهويد القدس وفرض الحقائق على الأرض، تمهيدًا لإلزام الجميع بها.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

القدس من الاحتلال الصليبي حتى الفتح الصلاحي

التالي

انتفاضة الأقصى في ذكراها الـ19: شعلة مقاومة لا تنطفئ

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »