تحديات بقاء الأونروا في القدس المحتلة
الإثنين 28 تشرين الأول 2019 - 5:04 م 3300 0 مقالات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدولية
يعمل الاحتلال الإسرائيلي على رفع سقف استفادته من القرارات الأمريكية المنحازة إلى جانبه، حيث شكل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي أبرز هذه القرارات، في إطار خطة السلام الأمريكية التي يشرف عليها فريقه المعروفة بـ"صفقة القرن"، وكان إنهاء ملف اللاجئين واحدًا من هذه الملفات التي شرعت الإدارة الأمريكية باستهدافها.
وفي خضم هذه المعركة، يسعى الاحتلال إلى الاستفادة من هذه المعطيات، ليفرض المزيد من التهويد على المدينة المحتلة، وتحويلها إلى عاصمته المزعومة، وقد شكلت الأونروا واحدةً من العقبات أمامه، كونها تُعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا من أراضيهم عام 1948، وهؤلاء لهم رمزية كبيرة في الصراع مع الاحتلال؛ فكلمة اللاجئين تذكر العالم باستمرار بأنّ هناك جريمة تطهير عرقي واقتلاع قسري نفذتها العصابات الصهيونية قبل إعلان كيانها.
- أعمال الأونروا في القدس المحتلة
بدأت الأونروا أعمالها في الضفة الغربية المحتلة بما فيها الشطر الشرقي من القدس المحتلة عام 1967، ويشكل مخيم شعفاط أبرز المناطق التي تركز فيها الأونروا خدماتها، وتم تأسيس المخيم عام 1965، وبحسب سجلات الوكالة يبلغ عدد اللاجئين المسجلين لديها نحو 11,000 لاجئ، وتُشير الوكالة إلى أن المخيم يقطن فيه أكثر من 18,000 نسمة، إضافةً إلى نحو 4,000 انتقلوا إلى المخيم، في السنوات الأخيرة، نتيجة سياسات الاحتلال التي تستهدف السكان في القدس المحتلة، ويشكل الأطفال والشباب الجزء الأكبر من اللاجئين، حيث تتجاوز نسبتهما نحو 70% من مجموع السكان المسجلين.
وتشمل خدمات الأونروا في شعفاط برامج التعليم والإغاثة والصحة، ولها عددٌ من المؤسسات والمراكز الخدمية، هي: أربع مدارس، ومركز صحي واحد، ووحدة علاج طبيعي، ومركز إعادة تأهيل مجتمعي، ومركز برامج نسائية. ويشكل قطاع التعليم أبرز القطاعات التي تقوم عليها وكالة الأونروا في القدس المحتلة، إذ يتلقى نحو 1800 طالب وطالبة تعليمهم في مدارس تابعة للأونروا. ويبلغ عدد المستفيدين من خدمات الوكالة نحو 110 آلاف لاجئ مسجل في القدس وضواحيها، وتضم البلدة القديمة مستوصفًا صحيًا كبيرًا، إضافةً إلى عدد من العيادات الصحية والمراكز التخصصية بالمرأة والطفل وغيرها من المراكز ذات الصلة.
- استهداف الولايات المتحدة للأونروا
أعلن ترمب في 6/12/2017 اعتراف بلاده بالقدس "عاصمةً" لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس المحتلة. وفي 14/5/2018 تم نقل مبنى السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة. ومن ثم أوقف ترامب المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة إلى الأونروا، وقد كشفت صحفٌ أمريكية عن مراسلات بين مستشار ترامب جاريد كوشنير ومسؤولين أمريكيين، تضمنت آراءه حول ضرورة إلغاء الأونروا. وبحسب الفورن بولسي فإن إدارة ترامب تعمل على تجريد الفلسطينيين من صفة اللجوء، وتضمنت واحدة من مراسلات كوشنير قوله "من المهم بذل جهد صادق ومخلص لتعطيل الأونروا، هذه الوكالة تديم الوضع الراهن، فاسدة وغير فعالة ولا تساعد السلام".
وتُرجمت هذه الأفكار واقعيًىا؛ ففي 5/1/2018 جمدت الولايات المتحدة 125 مليون دولار من مساهمتها في ميزانية الأونروا، وكشف مسؤولون في إدارة ترامب أن هذا التجميد جزء من العقوبات الأمريكية على الفلسطينيين، لرفضهم الانخراط في "صفقة القرن". وفي شهر آب/أغسطس 2018 أعلنت الإدارة الأمريكية قطع مساعداتها المالية عن وكالة الأونروا بشكلٍ كامل، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر ناورت إن واشنطن قررت عدم تقديم المزيد من المساهمات للأونروا بعد الآن.
ومع إطلاق الجزء الاقتصادي من "صفقة القرن" عبر ورشة اقتصادية في البحرين، نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية عن مصادر أمريكية أن "الورشة ستركز على الجوانب الاقتصادية لخطة السلام، ولكن سيكون لها جوانب سياسية أيضًا"، على أن تطرح الولايات المتحدة فيها الاستغناء عن وكالة الأونروا. وفي 22/5/2019 دعا المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات خلال جلسة في مجلس الأمن، إلى نقل خدمات الأونروا إلى الدول المستضيفة للاجئين، قائلًا إنّ "على المجتمع الدولي الإقرار بأن نموذج الأونروا خذل الشعب الفلسطيني".
- محاولات الاحتلال إنهاء عمل الأونروا
وفي سياق عمل سلطات الاحتلال على إخراج الأونروا من القدس المحتلة، أعلن نير بركات رئيس بلدية الاحتلال في القدس آنذاك عن خطة إسرائيلية لطرد الأونروا من المدينة بعد وقتٍ قليل من إعلان ترامب وقف تمويل الوكالة، وقال بركات في 3/9/2018 إنه أصدر تعليماته للمسؤولين في المدينة من أجل إعداد خطة للاستعاضة عن جميع مهام الأونروا بخدمات البلدية، واعتبر بركات أن "إزالة الأونروا ستقلص التحريض والإرهاب، وستزيد من أسرلة شرقي المدينة، وستساهم في السيادة ووحدة القدس".
وأظهرت تصريحات بركات أن مشروع إقصاء الأونروا هدفٌ رئيس لدى الاحتلال وأذرعه، إذ قال بركات إن "الأونروا هي كيانٌ أجنبي وغير ضروري، فشل فشلًا ذريعًا، وأنا أعتزم إبعاده من القدس"، ولم يصرّح بركات عن المدى الزمني لهذه الخطة، ولكن تضافر المعطيات أفاد أنها قريبة التنفيذ. وفي 4/10/2018 كشف تقرير إسرائيلي عن تخطيط الاحتلال لإغلاق جميع مؤسسات وكالة الأونروا في القدس المحتلة، وأن بلدية الاحتلال في القدس وضعت خطة تتضمن إنهاء عمل الوكالة في المدينة، وإغلاق مؤسساتها، بما فيها المدارس والعيادات ومراكز الخدمات، ويشمل المخطط إنهاء تعريف مخيم شعفاط بأنه "مخيم" لاجئين. وعلى الرغم من الرفض الشعبي الفلسطيني والرسمي ورفض إدارة الأونروا، ذكرت القناة العبرية الثانية أن مجلس الأمن القومي التابع لمكتب رئاسة وزراء الاحتلال الإسرائيلي، عقد عدة جلسات مغلقة لمناقشة خطة نير بركات، شارك نتنياهو في بعض منها واتخذ المجلس في شهر كانون أول/ديسمبر 2018 قرارًا بتنفيذ الخطة.
وبدأ تحرك بلدية الاحتلال في القدس نحو مخيم شعفاط، ففي 23/10/2018، دخل إليه عددٌ من موظفي بلدية الاحتلال في القدس، يرافقهم رئيسها – حينها- نير بركات، وقام عمال بلدية الاحتلال بتنظيف مدخل المخيم، بحماية مشددة من قوات الاحتلال، ووصف ناشطون من المخيم هذه الخطوة بأنها بالغة الخطورة، لكونها انطلاقة عملية لمحاولات استبدال خدماتٍ مقدمة من بلدية الاحتلال بخدمات الأونروا.
ولم تكن محاولات إدخال المخيم إلى دائرة الخدمات المقدمة من بلدية الاحتلال هي الوسيلة التي انتهجتها الأخيرة فقط، ففي سياق محاولة الاحتلال إلغاء صفة اللجوء عن المخيم وضمه إلى بلدة شعفاط، أعاد الاحتلال تسمية ضاحية السلام المحاذية للمخيم، وأطلق عليها اسم "عناتا الجديدة"، ولا تضم الضاحية سوى عدد قليل من العوائل التي تحمل بطاقات هوية الضفة الغربية، في حين أكثر من 90% من سكان المنطقة من حملة البطاقة الزرقاء من المقدسيين. وفي خطٍّ موازٍ اقتحمت طواقم تابعة لوزارة الصحة الإسرائيلية في 8/10/2018 عيادة "الزاوية الهندية" في البلدة القديمة بحماية مشددة من قوات الاحتلال، وهي واحدة من العيادات الطبية التابعة لوكالة الأونروا، وكانت ذريعة هذا الاقتحام فحص الأدوية الموجودة في العيادة.
ولم يكن وصول وجه جديد لرئاسة بلدية الاحتلال ليغير من سياسة الاحتلال في استهداف الأونروا، ففي 20/1/2019، كشفت القناة العبرية الثانية عن قرار اتخذه المستوى السياسي في الاحتلال لإنهاء وكالة الأونروا، وكشفت القناة عن اجتماع موسع في ديوان رئاسة وزراء الاحتلال ضم مستشار الأمن القومي وعددًا من قيادات الاحتلال، خلص إلى حرمان مدارس الأونروا من تصاريح العمل داخل المدينة خلال السنة الدراسية، تمهيدًا لتحويلها إلى مدارس حكومية، وإنهاء عمل الوكالة في القدس بشكلٍ تام، وبحسب القناة العبرية بدأت بلدية الاحتلال استئجار مبانٍ مؤقتة لتحويلها إلى مدارس تابعة للنظام التعليمي بالقدس.
- هل ستبقى الأونروا في القدس في ظل الاستهدافين الأمريكي والإسرائيلي؟
أطلقت وكالة الأونروا العام الدراسي الجديد 2019-2020، من دون أي خطوات إسرائيليّة مقابلة، ويعزو مراقبون تراجع الاحتلال عن القيام بأي خطوات مباشرة، لعددٍ من العوامل السياسية والإقليمية، من بينها:
- الانشغال بالانتخابات الإسرائيليّة، إذ جرت الأولى في شهر نيسان/إبريل 2019، وبعد فشل نتنياهو بتشكيل الحكومة تم إعادتها في شهر أيلول/سبتمبر 2019، ما يعيد المستوى السياسي الإسرائيلي إلى دائرة الانشغال بعقد التحالفات وتشكيل الحكومة الإسرائيلية.
- فشل ورشة البحرين وعدم خروجها بحلول حقيقية لمختلف الملفات، والمماطلة في إعلان بنود "صفقة القرن" وضبابية هذه البنود، والاعتماد على تسريبات متناثرة، ما جعل إكمال الأونروا مهامها أمرًا واقعًا بحكم الغطاء الأممي الذي تتمتع به.
- اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ما يجعل ترامب منشغلًا بحملته الانتخابية وغيرها من الملفات.
وتكمن أكبر التحديات التي تواجه بقاء الأونروا فاعلة في القدس المحتلة، في عاملين اثنين:
العامل الأول: تشكيل حكومة إسرائيلية تضع تحقيق السيطرة الكاملة على القدس المحتلة في مقدمة أولوياتها، وتعمل على ترسيخ القدس "عاصمة" للاحتلال، ما يعني استهداف مؤسسات الأونروا بشكلٍ مباشر، وإصدار قرارات أحادية بإخراج الوكالة من القدس المحتلة.
العامل الثاني: انكفاء الأونروا عن القيام بمهامها، بناء على ثلاثة سيناريوهات رئيسة، وهي:
- مشاكل التمويل المستمرة التي تعاني منها الوكالة، إذ تحتاج الأونروا إلى نحو 150 مليون دولار أمريكي لمواصلة عملياتها حتى نهاية العام الحالي. وقد فاقم من واقع التمويل تعليق عدد من الدول مساهماتها في ميزانية الوكالة. وهنا تظهر إمكانية ضغط الولايات المتحدة على عددٍ من الدول العربية لإيقاف تمويل المنظمة، ما يحرم الوكالة من مبالغ مهمة تستفيد منها الأونروا سنويًا.
- إثارة قضايا "الفساد" في الوكالة، والترويج للمزاعم التي تُظهر الوكالة فاسدة، وأن أموال المانحين يتم تبديدها، وقد كان التركيز في هذه القضايا على مكتب الوكالة في القدس المحتلة. ما دفع الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيقات جدية حول هذه المزاعم، وهي واحدةٌ من الحجج التي يُمكن أن يستخدمها الاحتلال والولايات المتحدة للحدّ من عمل الأونروا.
- عدم التجديد للوكالة بقرار من الأمم المتحدة خلال الدورات القادمة، إذ تواجه الأونروا مخاوف جدية من عدم التصويت على ولاية جديدة لها مدة ثلاث سنوات، نتيجة لضغوط أميركية وإسرائيلية، من أجل إنهاء عملها من بوابة الأمم المتحدة.