أرادها نتنياهو "فرصة القرن" فهل ينتزعها الفلسطينيون؟
الأربعاء 29 كانون الثاني 2020 - 8:11 ص 2034 0 مقالات |
قالها بنيامين نتانياهو بسرور واعتزاز: «صفقة القرن هي فرصة القرن ولن نفوّتها». أي فرصة يا تُرى؟ لا مجال لأدنى شك بما يعنيه الرجل في الواقع: فإن فرص السلام، أي نوع من أنواع السلام، ناهيكم من سلام عادل يقوم على أساس الإقرار بكافة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في العودة وتقرير المصير، فرص السلام إذا معدومة بالكامل في «خطة السلام» التي بشّرنا «البيت الأبيض والأزرق» (لوني علم الدولة الصهيونية، بالطبع) بأنه سوف يعلنها بعد ساعات قليلة من كتابة هذه السطور.
وإن كانت الخطة المزمع إعلانها فرصة فريدة في نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي، فهذا لأنها سوف تتيح له إنجاز ما وعد به في حملته الانتخابية السابقة وكرّره في حملته الراهنة، بل جرّ منافسه الصهيوني، زعيم «حزب أزرق وأبيض»، إلى الالتزام هو أيضا بتنفيذه، ألا وهو الضمّ الرسمي لكامل مساحة غور الأردن الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، بالإضافة إلى المساحات التي أنشئت فوقها مستعمرات استيطانية، بحيث تضمّ الدولة الصهيونية رسميا إلى الأراضي الواقعة تحت سيادتها منذ عام 1948 ما يناهز ثلث أراضي الضفة الغربية التي احتلتها في عام 1967، فضلا عن القدس الشرقية التي ضمّتها وضواحيها بعد الاستيلاء عليها بثلاثة أسابيع.
وبعد، فهل يستمر رجال «السلطة الفلسطينية» في التظاهر بالالتزام باتفاقية أوسلو التي سقطت بلا رجعة مع بلوغ القرن السابق نهايته واندلاع «انتفاضة الأقصى»؟ هل يستمرون بالقبول بالإطار الذي رسمته تلك الاتفاقية وما تبعها من معاهدات لتلك «السلطة» التي يبدو أن نتانياهو سوف يقبل بإطلاق صفة «الدولة» عليها تظاهرا بتقديم شيء من التنازل لقاء الضمّ القسري لأراض لا تزال محتلة في نظر القانون الدولي؟ هل يستمرون بالقبول بذلك الإطار الذي يرسم ملامح «دولة» أشبه ما تكون بالكيانات الكارتونية التي خلقها النظام العنصري البائد في أفريقيا الجنوبية واشتُهرت باسم «بانتوستان»؟
هل يستمر رجال «السلطة الفلسطينية» في التظاهر بالالتزام باتفاقية أوسلو التي سقطت بلا رجعة مع بلوغ القرن السابق نهايته واندلاع «انتفاضة الأقصى»؟ هل يستمرون بالقبول بالإطار الذي رسمته تلك الاتفاقية وما تبعها من معاهدات.
أم يعلنون عصيانهم وقطعهم لكل أشكال التنسيق مع الدولة الصهيونية، ويدعون أهالي الضفة الغربية إلى انتفاضة سلمية جديدة تشمل انتخاب ممثلين عن الأحياء والقرى لتشكيل سلطة ثورية تمثّل حقا سكّان الضفّة، ويدعون سائر فئات الشعب الفلسطيني وكافة الشعوب العربية إلى التظاهر ومطالبة الحكومات العربية بقطع العلاقات فورا مع أي حكومة في العالم تعترف بإجراءات الضمّ الإسرائيلية ومقاطعتها اقتصاديا، بدءا بحكومة عرّاب الضمّ، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟
ولو عجز رجال «السلطة الفلسطينية» عن تحقيق هذا الحدّ الأدنى من استعادة الكرامة الوطنية، فلن يبقى أمام جماهير الضفة سوى أن تنتفض عليهم هم أيضا بوصفهم جزءا من التركيبة الاستعمارية التي سعى الحكم الصهيوني وراء تشكيلها منذ مفاوضات أسلو السرّية. وقد حان الوقت ليلتحق الشعب الفلسطيني بكافة أجزائه بالسيرورة الثورية العربية التي بدأت قبل تسع سنوات والتي بلغت العراق ولبنان منذ ثلاثة أشهر، هذا الشعب الفلسطيني الذي وقف في طليعة الحركة الثورية العربية بعد هزيمة 1967 والذي أعطى المنطقة العربية بأسرها مثالا أعلى عن حراك شعبي ثوري عندما قام بانتفاضته المجيدة في قطاع غزة والضفة الغربية بعد مرور عشرين عام ونيّف على الهزيمة.
لو عجز رجال «السلطة الفلسطينية» عن تحقيق الحدّ الأدنى من استعادة الكرامة الوطنية، فلن يبقى أمام جماهير الضفة سوى أن تنتفض عليهم
فلا بدّ أن يجيّر الشعب الفلسطيني قوة السيرورة الثورية العربية لصالحه. إنه شعبٌ لو استُفرد يعاني من موازين قوى غير مؤاتية بسبب اقتلاع غالبيته من أرضها وتشتته، وهو أمر أدركته «الثورة الفلسطينية» في أوجّها عندما كانت تصف نفسها بأنها «رأس حربة الثورة العربية». إلّا أن الثورة العربية لم تكن في الموعد قبل نصف قرن، أما الآن وقد انطلقت سيرورتها فإن الشعب الفلسطيني هو الذي غاب عن الساحة حتى الآن، باستثناء مسيرات العودة التي قام بها شعب غزة البطل وبقيت معزولة بصورة مأساوية. فإن انطلاق الثورة العربية من عقالها يوفّر للشعب الفلسطيني أقوى سلاح للضغط على «مجتمع دولي» بات يعتقد أن القضية الفلسطينية أصبحت في طيّ النسيان لدى الشعوب العربية.
الثورة العربية لم تكن في الموعد قبل نصف قرن، أما وقد انطلقت سيرورتها فإنها توفّر للشعب الفلسطيني أقوى سلاح للضغط على المجتمع الدولي.
لا بدّ من أن يستفيد النضال الفلسطيني من حالة انعدام الاستقرار التي عمّت المنطقة العربية مع النهضة الثورية التي تشهدها، كي يهبّ بدوره ويسعّر لهيب الثورة الإقليمية بحيث يدبّ الذعر في أرباب «المجتمع الدولي»، بل وفي الطبقة الحاكمة الأمريكية نفسها، خوفا على مصالحهم واستقرار بلدانهم هي أيضا، وبحيث يضع حدا لاستهتارهم بحقوقه وسكوتهم عن مغالاة الدولة الصهيونية في الطعن بتلك الحقوق بينما يتوافدون بكثافة للمشاركة في المسرحية التي نظّمها نتانياهو استغلالا لذكرى ضحايا النازية وتستيرا لسياسة الاستيلاء على الأراضي وضمّها القسري التي ينفذّها على غرار النازيين وغيرهم من أنصار «سياسة القوة» والتمييز العنصري. فلا بدّ من جعلها «فرصة القرن» للنضال الفلسطيني بدل أن ندع الصهاينة ينتهزونها لأغراضهم الاستعمارية!