26 عامًا على مجزرة الإبراهيمي: نتنياهو على نهج غولدشتاين
الثلاثاء 25 شباط 2020 - 9:11 م 2680 0 مقالات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةيصادف اليوم مرور 26 عامًا على المجزرة المروّعة التي ارتكبها عام 1994 المتطرّف باروخ غولدشتاين في المسجد الإبراهيمي بالخليل. كانت المجزرة ذريعة للاحتلال استطاع عبرها فرض التقسيم الزماني والمكاني، ورسّخ الوجود اليهودي في المسجد، فجعل 45% من المسجد للمسلمين، و55% للمستوطنين اليهود؛ وهو السّيناريو الذي يحاول الاحتلال تطبيقه في المسجد الأقصى.
الأحد الماضي، في 2020/2/23، اقتحم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المسجد الإبراهيمي ترافقه زوجته سارة، وعضوا "الكنيست" ميري ريغف وتسيبي حوطوفيلي، وكلاهما من داعمي فكرة "المعبد"، وشاركتا في اقتحام المسجد الأقصى والتصريح لمصلحة "منظمات المعبد" على مدى السّنوات الماضية.
ليس هذا الاقتحام الأول الذي ينفّذه نتنياهو، بل تبدو الخليل، بما تحمله من "مخزون" استيطاني، محطّة مهمّة لنتيناهو في إطار الدعاية الانتخابية على أبواب انتخابات "الكنيست". فالعام الماضي، زار نتنياهو الخليل ومستوطنة "كريات أربع" واقتحم المسجد الإبراهيمي في 2019/9/4، قبل أسبوعين من انتخابات "الكنيست" التي كانت مقرّرة في 2019/9/17، وانتهت إلى الفشل في تشكيل الحكومة. وقال نتنياهو حينذاك: "لن تكون هذه المدينة خالية من اليهود، لسنا غرباء عليها، وسنبقى في الخليل إلى الأبد"، وتفاخر بمصادقة حكومته على توسيع الحي الاستيطاني في البلدة القديمة بالخليل.
تأتي زيارة نتنياهو إلى مستوطنة "كريات أربع" واقتحامه المسجد الإبراهيمي هذا العام، في إطار الدّعاية الانتخابية ومحاولة استقطاب أصوات المتطرّفين من باب فرض السيادة على مستوطنات الضفة الغربية، مستفيدًا من كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2020/1/28، عن بنود خطّته للسلام، المعروفة بصفقة القرن. وقد نصت الخطة على الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة، ويحاول نتنياهو البناء على هذا المضمون لتشجيع الناخبين على التصويت له. وقد شارك نتنياهو في الاحتفال بتدشين بؤرة استيطانية جديدة في "كريات أربع" باسم "نوفيه كراميم" يضمّ 210 وحدة استيطانيّة، وكانت تصريحاته دعوة واضحة للتصويت له في الانتخابات القادمة: الليكود وحده هو من يمكنه أن يفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة. وذهب نتنياهو حدًا أبعد مع تكرار تعهّده السابق ببناء وحدات استيطانيّة جديدة لتوسيع مستوطنة "هار حوما" و"جفعات هماتوس" في القدس المحتلّة.
الاستعراض الانتخابي في "كريات أربع" لم يقتصر على نتنياهو، فقد تحدّث قبله وزير الجيش نفتالي بينت الذي شارك في حفل التدشين، وأكّد رفضه إعطاء شبر واحد من الأرض للعرب، وأشار إلى أهمية السيادة الإسرائيلية على المسجد الإبراهيمي، وقال إنّ "دولة يهودية من دون [المسجد] تشبه واشنطن من دون نصب لينكولن التذكاري". وقال بينت إنّه صادق على "مشروع المصعد"، ولم يعد ينقص سوى مصادقة نتنياهو، والأخير تعهّد بدوره بالمصادقة على المشروع الذي يشمل مصادرة أراضٍ فلسطينية في الخليل لإقامة طريق لمرور أصحاب الاحتياجات الخاصة من اليهود الذين يرغبون في اقتحام المسجد، إضافة إلى إقامة مصعد مخصّص بهم، وذلك في إطار تعزيز تهويد الخليل.
لكن لا بدّ من الالتفات إلى أنّ تصريحات نتنياهو وبينت، وإن كانت في سياقات انتخابية، فهي تخدم الرؤية الصهيونية ومساعي السيطرة على الضفة الغربية التي يسميها الاحتلال "يهودا والسامرة"، وهي رؤية سابقة على "صفقة القرن" جاءت الصفقة لتعزّزها وتساعد الاحتلال على فرضها أمرًا واقعًا، على ضوء تبنّي الإدارة الأمريكيّة الواضح للرّواية التلمودية. وهذا يؤكّد ضرورة عدم التعامل مع التصريحات على أنّها مجرّد دعاية تنقضي مفاعيلها بانقضاء موسم الانتخابات. وعلى كلّ حال، فإنّ إدخال المقدّسات الإسلاميّة في بازار الانتخابات الإسرائيليّة هو بذاته جريمة لا يمكن الاستخفاف معها والتغاضي عنها.
قبل 26 عامًا، فتحت جريمة غولدشتاين الباب أمام الاحتلال لترسيخ تهويد الخليل والسيطرة الإسرائيليّة على المسجد الإبراهيمي وتطبيق مخطّط التّقسيم، ثمّ توّجها بروتوكول الخليل الموقّع عام 1997 بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال، وما أدّى إليه من نتائج كارثية على الوجود الإسلامي في الخليل، لا سيّما البلدة القديمة التي وضعها البروتوكول تحت سيادة جيش الاحتلال.
حوّل الإسرائيليّون غولدشتاين إلى بطل فدفنوه في مستوطنة "كريات أربع"، وبات قبره مزارًا لغلاة المستوطنين، فيما يحظى الاستيطان في الخليل برعاية رسميّة كبيرة، من ضمنها مصادقة وزير الجيش نفتالي بينت، في كانون أول/ديسمبر 2019، على البدء بالتّخطيط لهدم سوق الجملة في قلب المدينة لإقامة حيّ استيطاني مكانه. ويحاول نتنياهو اليوم استكمال مسار غولدشتاين الإجرامي، ساعيًا إلى تقديم نفسه بطلاً يبني مجدًا لنفسه ولحزبه على حساب الخليل ومسجدها وأهلها وأحيائها؛ فمن سيوقف هذا الإجرام؟