تكاملٌ لا يوقفه حدٌ أو قيد

تاريخ الإضافة الخميس 23 نيسان 2020 - 3:47 م    عدد الزيارات 2444    التعليقات 0     القسم تدوينات

        


علي ابراهيم

 باحث في مؤسسة القدس الدولية

أفكارٌ على طريق التحرير

-2-

تكاملٌ لا يوقفه حدٌ أو قيد

لا يمكن بحالٍ من الأحوال العمل لأي قضية من القضايا من دون دافعية شخصية، تقوم على تحريك الجوارح، وتمد الإرادة بزادٍ للمضي قدمًا، وفي القلب من قضايا الإنسانية تكمن قضية القدس وفلسطين، فالعمل لها لا يمكن أن يكون إلا عن شغفٍ وحب، فالدافع الشخصي للعمل لهذه القضية ركيزة أساسية، مهما تنوعت من بعدها الدوافع دينيّة كانت أم وطنية، أو في جاءت في سياق المنافحة عن الحرية ومواجهة خطط المستعمر الإسرائيلي وظهيره الغربي، أو جميعها معًا، فتذكية الدافعية الشخصية تُسهم مزيدًا من العمل، ونمطًا أعلى من التضحية والفداء وابتكار طرق المناصرة.

 

وهنا يقول لي بعض الأفاضل: كثرٌ من يحبون القدس، وكثرٌ من يتحرّقون لخدمة فلسطين، ولكنهم يلتحفون العجز ويقبعون في سراديب السلبية، أقول لهذه الفئة التي ارتضت العيش على الهامش، لا يمكنكم البقاء في فلك أسئلة الركون والدعة، وأن نحصر مساهمتنا في "ماذا يمكننا أن نفعل؟ وماذا يمكننا أن نقدم؟، وما نقوم به لن يغير في الأمر شيئا، وكيف بنا أن نواجه دولًا ومشاريع... وكأنهم حصروا التفاعل مع القضية بجملة سلبية قاتمة تتلخص بالعامية في "ما طالع بإيدنا شي!"، وهو ما يدلل على أننا جميعًا قادرون على حشد مختلف الحجج لنبرر فيها ضعفنا وتهاوننا أمام الاحتلال، وإمكانياته وعلاقاته، وما يملكه من أدوات ومساحات عمل.

 

ولكن هل تكون الإجابة على سؤال الخدمة بهذه السذاجة، أو أن نترجم الحب والتشوق إلى سلبية نركن بها ومعها، أم نحوّل هذه الطاقة إلى أطرٌ جديدة من التحرك، ونحدد أدوارنا في المعركة مع الاحتلال، إذ نستطيع، عبر تضافر الجهود، تحقيق إنجازات عظيمة، فالركون إلى تبريرات فارغة لا يؤدي إلا إلى المزيد من القعود والوهن، في حين أن بمقدورنا التحول إلى سفراء للقدس –وفلسطين- على أرض الواقع، وممثلين لها، وأن نحمل قضيتها كأنها واحدةٍ من همومنا اليومية، بل هي همنا الذي لا يُنسى، وشغفنا الذي لا يفتر، فنخصّص لها نصيبًا من فكرة وعمل وجهد وتفاعل ووقت، وغير ذلك.

 

وفي سياق هذا الهمّ اليومي، وأهمية تشكيل الفعل المتراكم المبني على رؤية وهدف، لا يُطلب من الواحد منا أن يقوم بكل أدوار النصرة، ويختزل بشخصه جميع المهام المطلوبة أو المرجوة، فما نحتاج إليه وما نطمحه من العمل للقدس ليس قائمًا فقط على شخوصنا، مهما بلغت الدافعية وعلا الكعب إبداعًا وعملًا وتفكيرًا، فليس مطلوبًا من أيّ منا، أن يكون إعلاميًا وباحثًا وكاتبًا ومتبرعًا بالمال ومحاضرًا وموجهًا وراصدًا وصانعًا للمحتوى وملهبًا للجماهير، وغيرها من المواقع المطلوبة، بل يكفينا أن نختار منها ما نستطيع، وأن نتخصص في واحدة من هذه المهام فقط، فالتخصص طريق الإتقان، ما يؤهلنا لنصرة القدس والأقصى بإبداع وتفانٍ، وأن يصبح تراكم العمل في أي جانبٍ منها مؤثرًا واعيًا، فيرتفع سقف الإبداع.

 

وهنا مع استكمال البناء وشحذ الهمة وتحديد البوصلة وفاعلية العمل، يجب الاختمام ببُعد التكامل مع إخواننا المرابطين في القدس والأقصى، إذ يكتنف هذا العمل الدؤوب خارج القدس تكامل مع ما يجري في المدينة من أحداث وتضحيات هائلة، فاليد التي تخلع السوار وتقول هو فداء لإخواني، واليد التي تصنع الصورة لتصل إلى الآفاق، واليد التي تكتب وتؤطر الأفكار لتستنهض الناس وتشوق أفئدتهم... تتكامل مع الأيدي التي تتشابك في باحات المسجد الأقصى، والأيدي التي ترفع المصحف في وجه المقتحمين، والأيدي التي تزيل ركام ما دمّره الاحتلال، والأيدي التي تصنع النصر..

 

تكامل عابرٌ للحدود، ومناصرة لا توقفها قيود...

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

تحرير القدس ذروة سنام المحبين والعاملين

التالي

الضم آتٍ، فماذا سيفعل الفلسطينيون؟

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »