الإرادة الشعبيّة والتصدّي للحرب الإسرائيليّة على الأقصى
الإثنين 27 تموز 2020 - 9:15 ص 2038 0 مقالات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدولية
تصادف ذكرى "خراب المعبد" هذا العام يوم 2020/7/30، وقد بدأ نشطاء "المعبد" بالدّعوة والحشد لاقتحام حاشد للأقصى يوم الذكرى التي تتزامن مع احتفال المسلمين بيوم عرفة. وقد أعلنت "منظمات المعبد" عن برامج مواكبة للذكرى التي يسبقها أيام الحداد التي تبدأ في الأول من شهر آب العبري. ومن ضمن البرامج، كان الإعلان عن سلسلة من الاقتحامات الصباحية والمسائية يشارك فيها كل من "مدرسة جبل المعبد"، و"نساء لأجل المعبد"، ومنظمة "هار إيل"، و"معهد السنهدرين لكبار الحاخامات" والعديد من قادة "منظمات المعبد". وعشية ذكرى "خراب المعبد"، أطلقت "منظمات المعبد" حملات لجمع التبرعات لدعم برامجها لتهويد الأقصى، ومن هذه المنظمات "طلاب لأجل المعبد" و"مؤسسة سلام القدس"، و"نساء لأجل المعبد"، و"اتحاد منظمات المعبد".
كذلك، أعلن الحاخام المتطرف وعضو "الكنيست" السابق يهودا غليك عن تنظيم اقتحامين في 2020/7/30 لمناسبة ذكرى "خراب المعبد"، بحيث سيقود الاقتحامين ويقوم بجولات إرشاديّة، فيما يسعى إلى جمع تبرّعات لمصلحة مؤسسته الخاصة "سلام القدس" التي تعمل على تهويد الأقصى وتعزيز الرّواية التلمودية، وقد بات غليك يواظب على اقتحام الأقصى بكثافة مع قراءة نصوص تلموديّة، وقد بات هذا المشهد يتكرّر في دلالة واضحة على أنّ المستوطنين يسعون لفرض الصلوات والطقوس التلمودية الجهريّة في الأقصى كأمر واقع، لا سيما أنّ معظم هذه الطقوس تتمّ تحت أعين شرطة الاحتـــلال وبحمايتها، وإن جرت أحيانًا اعتقالات لمستوطنين على خلفيّة أدائهم مثل هذه الطقوس.
خلفيّة هذه الاعتقالات، على قلّتها، وجه عضو "الكنيست" أريئيل كالنير رسالة إلى وزير الأمن الداخلي أمير أوهانا يعلّق فيها على التحقيق مع ثلاثة من جنود الاحتـــلال بسبب قراءتهم صلاة تلمودية في الأقصى، وقال في رسالته إنّه في عشية ذكرى "خراب المعبد" لا يمكن أن تكون الصلاة التّلمودية جريمة، لا سيما في المسجد الأقصى.
في عام 2018، سمح الاحتلال بالاقتحامات في يوم عرفة؛ وفي عيد الأضحى 2019، سمحت سلطات الاحتـــلال للمتسوطنين باقتحام المسجد بالتزامن مع اليوم الأول من "عيد الأضحى" بذريعة إحياء ذكرى "خراب المعبد"، على الرغم من أنّ الاحتلال كان يمنع الاقتحامات في أعوام سابقة في مناسبات عبرية، وذلك لتزامنها مع مناسبات إسلامية، وعلى خلفية الضرورات الأمنية. وحمل سلوك الاحتـــلال هذا رسالة مفادها أنّ الاقتحامات لن تخضع لاعتبارات المناسبات الإسلامية، بل ستلتزم الروزمانة العبرية معيارًا لها.
وعلى جبهة باب الرحمة، فإنّ الاعتداءات الإسرائيلية تتواصل منذ هبّة باب الرحمة في شباط/فبراير 2019 التي أنهت اعتداء امتدّ على مدى 16 عامًا عبر إغلاق الاحتلال المبنى بزعم استعماله من قبل لجنة التراث الإسلامي التي صنفها الاحتلال على أنّها إرهابيّة. فمن اقتحام المصلى المتكرر إلى اعتقال المرابطين فيه، إلى استهداف كل ما من شأنه الدلالة عليه كمصلّى، وإلى قرار محكمة الاحتلال مؤخرًا بإغلاق المبنى، الذي تطالب "منظمات المعبد" بتحويله إلى كنيس. ويضاف إلى ذلك، الاعتداءات على السور الغربي من الأقصى بذريعة الترميم.
يكتفي الاحتـــلال بالاعتداءات بل هو يعمل على فرضها أمرًا واقعًا ومحتومًا، لتكون مقبولة من دون نقاش ومن دون التفكير في إمكانية إحباطها. لكن هذه الاعتداءات ينبغي ألّا تمر من دون التصدي لها، ففي اقتحام الأضحى، وعلى الرغم من تصوير الاحتلال الاقتحام حينها على أنّه إنجاز، فإنّ النّظر إلى المسار القصير الذي سلكه المستوطنون يؤكّد خوف الاحتـــلال من تداعيات هذه الخطوة، وأنّه يتوقّع أن اعتداءاته على المسجد تشكّل عاملاً قد يؤدي إلى تفجّر الوضع الأمني في وجهه، وإن كان يعمل على سحب فتيل التّفجير عبر تفكيك خطّ الدفاع الأول، أي العنصر البشري المدافع عن الأقصى.
إنّ ما يهمّ في معركة الأقصى في المدى المنظور هو منع الاحتـــلال من التقدّم في مسارات جديدة يكرّس بها تغيير الوضع القائم في المسجد، علاوة على إجباره على التّراجع في ما حقّقه من خروقات تصاعدت على مدى السّنوات الماضية. وبالاستناد إلى تجربتَي هبّتي باب الرحمة عام 2019، ومن قبلها باب الأسباط عام 2017 التي نعيش أجواء ذكراها الثالثة، يمكن القول إنّ العامل الأبرز في مواجهة اعتداءات الاحتـــلال هو الرباط الذي يجسّد الإرادة الشعبية للتصدي والمقاومة، وما السلوك الإسرائيلي على الأرض اليوم كما يتمثّل في الاعتقالات والإبعاد عن الأقصى والقدس، وغيرها، إلا دليل على أنّ الاحتـــلال يفعل ما بوسعه حتى لا يضطر أن يكون في مواجهة الإرادة الشعبية التي لجمت هجماته في محطات، وأجبرته على التّراجع في محطات أخرى.