"إسرائيل".. رؤية تحليلية

تاريخ الإضافة الثلاثاء 1 كانون الأول 2020 - 2:58 م    عدد الزيارات 1609    التعليقات 0     القسم مقالات

        


د.خلف المفتاح

مدير عام مؤسسة القدس الدولية/ فرع سورية 

 

 

في حسابات الصراع بين العرب و"إسرائيل" لابدَّ من أخذ بعض العناصر في الحسبان؛ منها الزمن والظرف الدولي وبيئة الصراع في ديناميتها الداخلية، وهنا تستوجب القراءة المستقبلية الأخذ في الاعتبار أنّ الحركة الصهيونية قد نجحت في تحقيق بعض أهدافها؛ بفعل قوة تنظيمها واستثمارها بيئة دولية حاضنة لها، تتمثل في قوى كبرى، تبنت شعارات الحركة، ولاسيما بريطانيا أكبر قوى استعمارية آنذاك، وحاملة وحامية "وعد بلفور" الذي هو قرار حكومة بريطانية، وليس وعداً شخصياً، ترافق وتزامن مع ذلك حالة عربية تفتقر إلى القوة والتنظيم والإرادة السياسية الموحدة؛ فالوجه الآخر لعناصر قوة المشروع الصهيوني هو التشرذم العربي، فبالقدر الذي كان فيه قيام الكيان الصهيوني وتوسعه نتاج أيديولوجيا مجسدة مادياً وفكرياً، كان الوجه الآخر مفاعيل وهنٍ واستلابِ إرادة سياسية ودوران في فلك قوى كبرى؛ فقد نشأ وترعرع المشروع الصهيوني في مناطق الضعف والفراغ العربي، ولعل مقاربة موضوعية لخط سير الصراع وتضاريسه وفق مقطع تاريخي تبرز الحقائق الآتية:

 

1- إن قيام ذلك الكيان بقدر ما فيه استجابة لحلم ديني وميثولوجيا يهودية، استبطنت مفاصل الوعي الجمعي لقطاعات واسعة من اليهود، فإنّه -في الوقت نفسه- جاء متقاطعاً مع مصالح استراتيجية غريبة، وقد أثبتت سبعة عقود ونيف منه أنّ البعد الدولي هو عنصر أساسي وفاعل، بل وحاسم فيه؛ نظراً لاستطالته بحكم الموقع الجيو-استراتيجي للمنطقة وأهميتها في المشهد الدولي والمكانة الدينية لفلسطين ولاسيما مدينة القدس.

 

2- إنَّ نجاح المشروع الصهيوني يعود لأسباب وعوامل عديدة؛ منها التخطيط والتنظيم والتعبئة الأيديولوجية واستثمار الظرف الدولي واستمالة الرأي العام الغربي، والاعتماد على الإعلام والمال السياسي واعتبارهما الأيدي والأرجل للزحف باتجاه تحقيق الهدف.

 

3- قد حولت الحركة الصهيونية مقولة "شعب الله المختار" من مقولة دينية إلى حالة تفوق علمي وصناعي ومالي، جعلت من اليهود أكثرية معرفية بدل أقلية ديمغرافية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن "إسرائيل العلمية" قد سبقت "إسرائيل الكيان السياسي"؛ فقد تم تدشين معهد "التخنيون" والجامعة العبرية قبل قيام الكيان بعقدين من الزمن.

 

4- إنّ قوة الحركة الصهيونية لا تنبع فقط من عناصر ذاتية، وإنما من خلال تموضعها في مفاصل أذرع قوية تسخرها لخدمتها، وهذا ما فعلته مع بريطانيا قبل قيام الكيان ولاحقاً مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما ستفعله مع أي قوة صاعدة عالمية مستقبلاً.

 

5- إن قوة "إسرائيل" بقدر اعتمادها على الحامل الخارجي في قيامها واستمرارها، فإنَّ الضعف العربي هو عامل آخر في استمرار قوتها، وهذا يعني أنّ العنصر الأساسي في قوتها هو العنصر الأساسي في ضعفها.

 

- لقد عمل الكيان الصهيوني منذ قيامه على فك الارتباط ما بين فلسطين ومحيطها العربي والإسلامي والدولي، وضرب الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة "فرق تسد"، ونجحت إلى حد كبير في ذلك، والعمل على تحويل الصراع من صراع مع محتل لوطن اسمه فلسطين إلى خلاف على أرض متنازع عليها. وبناء على ما تقدم يمكننا الإشارة إلى بعض التحديات التي تواجهه راهناً وفي المستقبل وهي:

 

1- إن "إسرائيل" واقع موجود بالقوة ولم تتحول إلى حقيقة يقبلها الفلسطينيون والعرب؛ الشعب وليس الأنظمة السياسية، وعلى الرغم من موجة التطبيع والتطبيل فإنّ الشارع العربي بوجه عام يرفضها، وهذا ما أثبتته عدة استبيانات واستطلاعات للرأي العام، أجرتها مؤخراً مؤسسة القدس الدولية ونشرت على مواقع إعلامية وازنة.

 

2- إنّ حالة العداء للكيان الصهيوني لا تقف عند حدود الشعب الفلسطيني أو العربي، بل تجاوزتها إلى فضاءات أوسع؛ بحكم المكانة الروحية لفلسطين ومدينة القدس؛ بوصفها جغرافية مكثفة فيها الوطني والقومي والإسلامي والمسيحي والإنساني، إضافة إلى قضية فلسطين المركزية.

 

3- لقد تركز الخطاب الصهيوني في بداياته على مقولة -أو أزعومة- أنَّ "فلسطين أرض بلا شعب واليهود شعب بلا أرض"، وها هي اليوم -وكذلك العالم- يعترف بوجود شعب فلسطيني له الحقّ في إقامة دولته المستقلة فكيف يملك "شعبان" أرضاً واحدة؟!

 

4- لم تستطع الحركة الصهيونية والحكومات المتعاقبة القيام بما يمكن تسميته عملية صهر ثقافي، وتناسق وانسجام مجتمعي حقيقي للمهاجرين اليهود القادمين من بيئات مختلفة، فبقيت الفوارق الثقافية والإثنية واللغوية والنفسية قائمة، ناهيك عن التمييز بين اليهود الشرقيين والغربيين في السلمين السياسي والاجتماعي كثقافة غير خامدة.

 

5- إن "إسرائيل" كيان استيطاني، وليست دولة تشكلت تاريخياً، ما يعني أنها محكومة بمثيلاتها من الكيانات كجنوب إفريقيا والاستيطان الفرنسي في الجزائر، وفي ظل التركيبة الديمغرافية الحالية فإنّ نسبة التزايد السكاني للفلسطينيين ستقلب المعادلة القائمة ما يفقد الكيان هويته التي يدعيها، الأمر الذي جعل "الكنيست الإسرائيلي" يقرّ قانوناً أساسياً بمسمى أنّ "إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي" وليس دولة يهودية فقط؛ أي اعتبار أنَّ كل يهودي في العالم مشروع مواطن يهودي في "إسرائيل"، وهذا يعكس حالة القلق من المستقبل واستبصاره، إضافة إلى أنّه ينسف فكرة أن "إسرائيل دولة مواطنين" وإنما دولة دينية.

 

6- لقد قامت "إسرائيل" على أكتاف قادة لهم تاريخهم العنصري والإجرامي، تملؤهم عقيدة مغرقة في عنصريتها وتعصبها القومي، ويبدو أنّ ذلك النمط من القيادات قد انقرض بفعل الزمن ونشأت أجيال جديدة ملطخة بالفساد، تبحث عن المتعة والخلاص الفردي، وتحكمها النزعة الاستهلاكية وثقافة العولمة، وتتهرب من الخدمة العسكرية، ولا ترى في "إسرائيل" إلا أرضاً تفيض عسلاً ولبناً، وليست أرضاً محكومة بالحديد والنار، وأنّ ثمة مقاومة حقيقية لذلك الكيان من داخل فلسطين وخارجها، وأنّه هزم عام 2006 أمام المقاومة الوطنية في لبنان وبعدها في غزة وقبل ذلك في حرب تشرين 1973.

 

7- لقد أثبتت الحروب التي دارت بين العرب وكيان الاحتلال أنَّ الهزائم العسكرية لم تضعف العرب، وأنّ "الانتصارات" العسكرية لم تقوِّ "إسرائيل" وتشعرها بالأمان.، والحال أننا نملك من أوراق القوة الكثير؛ أهمها أن لا نعترف بهذا الكيان بشكل جماعي؛ كي نمنحه الشرعية، وثانيها أن لا نستعجل الزمن لاستعادة حقوقنا، ولو كان عشرات السنين ونتسلح بالصبر الاستراتيجي، وأن نحسم خيارنا بمواجهته وهو خيار المقاومة المسلحة.

 

المصدر: موقع الثورة أون لاين

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

بين قرار التقسيم ويوم التّضامن العالمي: أين أصبح الحقّ الفلسطيني؟

التالي

إما نحن وإما هم

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »