41 عامًا على إعلان "الكنيست" القدس عاصمة لدولة الاحتلال
الجمعة 30 تموز 2021 - 8:18 م 1911 0 مقالات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةفي 1980/7/30، سنّ "الكنيست" الإسرائيلي قانونًا أساسيًا يعلن فيه القدس بشطريها عاصمة لدولة الاحتلال. وكان رئيس حكومة الاحتلال ديفيد بن غوريون أعلن غرب القدس، في 1948/12/3، عاصمة لدولة الاحتلال، ثمّ نقل، ووزراء آخرون، مكاتبهم في كانون الأول/ديسمبر 1949 إلى الشطر الغربي من المدينة.
لم يكن القانون الإسرائيلي محلّ ترحيب دولي لما يعنيه من فرض وقائع على الأرض ومحاولة تثبيها عبر تكريس الشطر الشرقي من القدس المحتل عام 1967 جزءًا من دولة الاحتلال. وعليه، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 478، في آب/أغسطس 1980، الذي دان "قانون القدس" الصادر عن "الكنيست" مؤكدًا أنّ المجلس لن يعترف بهذا القانون، ودعا الدول الأعضاء إلى قبول القرار وإلى سحب بعثاتها الدّبلوماسية من القدس. وقد صدر القرار بأغلبية 14 صوتًا فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التّصويت.
أما الجمعيّة العامة فأصدرت القرار رقم 15/36 في 1981/10/28، الذي نصّ على أنّ أي تغييرات في القدس غير شرعية، ومخالفة للقانون الدولي، وأنّ مثل هذه الأعمال تعدّ عائقًا أمام تحقيق السلام.
على مدى السنوات اللاحقة، عملت سلطات الاحتلال على تحويل القانون إلى أمر واقع عبر تهويد الشطر الشرقي من القدس وتنفذ سياسات هادفة إلى إفراغه من الوجود العربي والإسلامي أو تقليص هذا الوجود إلى أقصى حدّ ممكن في وقت لم تتجاوب أيّ دولة مع مضمونه، وحتى نهاية عام 2017 كان عدد السفارات في القدس صفرًا إذ لم تفتتح أي دولة سفارة لها في القدس، والدول التي كانت افتتحت سفارات لها في القدس نقلتها إلى "تل أبيب".
في 2018/1/2، وافق "الكنيست" على قانون "القدس الموحدة" الذي نصّ على أنّ الانسحاب من شرق المدينة أو التنازل عن أي جزء منها سيكون معلّقًا على مصادقة غالبية نيابية استثنائية لا تقل عن 80 عضوًا من أعضاء "الكنيست" البالغ عددهم 120. وقد جاءت هذه الخطوة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 2017/12/6، اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وإصدار توجيهات إلى وزارة الخارجية لبدء إجراءات نقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس. وفي أيار/مايو 2018، جرى افتتاح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة في احتفال بثّت فيه كلمة مسجّلة لترامب، فيما حضر الاحتفال ابنته إيفانكا وزوجها، كبير مستشاري ترامب، والسفير الأمريكي لدى الاحتلال ديفيد فريدمان.
مجدّدًا، عادت الأمم المتحدة لتؤكّد رفض هذه الإجراءات، ففي 2017/12/21، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة تحت عنوان "الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة." وأكّد القرار أنّ مسألة القدس هي إحدى قضايا الوضع النهائي التي يتعين حلها عن طريق المفاوضات وفقًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وعبّرت الجمعية العامة، في قرارها، عن الأسف البالغ إزاء القرارات الأخيرة المتعلقة بوضع القدس، وأهابت بجميع الدول "أن تمتنع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس الشريف عملاً بقرار مجلس الأمن رقم 478 الصادر عام 1980".
وقد عقدت هذه الجلسة بعدما أفشلت واشنطن عبر الفيتو إصدار قرار في مجلس الأمن، في 2017/12/18، يدعو الدول إلى الامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس.
وعلى الرغم من دعم ترامب لدولة الاحتلال ولتطلعّاتها إلى القدس ومحاولته الضغط باتجاه نقل مزيد من السفارات إلى القدس، فإنّ هذا الدعم لم يحدث تغييرًا في موقف أغلب الدول حيال القدس ونقل السفارة. وحتى بعض الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية التي أعرب قادتها رغبتهم في نقل سفارة بلادهم، انطلاقًا من تأييدهم لدولة الاحتلال، لم تتمكّن من الإقدام على هذه الخطوة التي ظلّت في إطار وعود أصحابها وأمنياتهم.
وهكذا، ظلّت خطوة ترامب، بما تشكّله من تجسيد لمطلب إسرائيلي حيال القدس، خطوة معزولة، لم يقدم عليها إلّا ثلاثة دول إلى جانب واشنطن، هي غواتيمالا وكوسوفو وهندوراس سفارة في القدس المحتلّة، في حين أنّ الباراغواي التي نقلت سفارتها إلى القدس عادت لتنقلها إلى "تل أبيب" بعد الانتخابات الرئاسيّة.
وفي الاحتفال الذي أقامته السفارة الأمريكية في القدس هذا العام لمناسبة الرابع من تموز/يوليو، رفض سفيرا كلّ من ألمانيا وفرنسا حضور الاحتفال بسبب رفض بلادهم الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ومخالفة فتح السفارة في القدس للقانون الدولي. علاوة على ذلك، فإنّ اتفاقيات التطبيع لم تفتح الباب للدول المطبّعة لتدخل القدس تحت عنوان العلاقات الدبلوماسية، بل إنّ دولة الإمارات افتتحت سفارتها في "تل أبيب"، فيما تحضيرات البحرين لافتتاح سفارة لدى الاحتلال تصبّ في الاتجاه ذاته.
إزاء هذا المشهد يمكن القول إنّ قانون "القدس عاصمة إسرائيل" لم يحقّق غايته في فرض اعتراف دولي بأنّ القدس المحتلة هي عاصمة لدولة الاحتلال مع ما يستلزمه ذلك من فتح بعثات دبلوماسية وسفارات فيها. كذلك، لم يعطِ الدعم الأمريكي دفعًا لهذا القانون، وهو ما يدفع دولة الاحتلال إلى محاولة فرضه عبر سياسة خلق الوقائع على الأرض لتحويلها إلى أمر واقع، عبر سياسة قوامها إفراغ القدس من الوجود العربي والإسلامي وتعزيز الوجود اليهودي الاستيطاني فيها، حتى يمكنها في نهاية المطاف فرض واقع يخدم روايتها.. و"قانونها"!